جمود الجبهات وتعثر المفاوضات ينذران بإطالة حرب أوكرانيا
عربي
منذ 6 أيام
مشاركة
مع إطالة أمد حرب أوكرانيا تسود حالة من الجمود على المسارين السياسي والعسكري في ظل عجز روسيا وأوكرانيا عن تحقيق أهدافهما بأساليب عسكرية بحتة، بينما لم تؤت جهود الوساطة الأميركية أكلها، وسط استنفاد الزخم الذي شهدته بعد قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي دونالد ترامب، في ولاية ألاسكا الأميركية منتصف أغسطس/آب الماضي. ويرجح مراقبون أن المرحلة النشطة من أعمال القتال ستستمر لعدة أشهر أخرى على الأقل لحين تنضج الظروف لاستئناف المفاوضات بين موسكو وكييف. ومن المؤشرات التي تدعم رواية وصول الوضع على المسارين السياسي والعسكري إلى مأزق، إقرار بوتين أخيراً بأن روسيا سيطرت منذ بداية العام الحالي على 5 آلاف كيلومتر مربع فقط، ما لا تتجاوز نسبته 1% من إجمالي مساحة الأراضي الأوكرانية والبالغة نحو 603 آلاف كيلومتر مربع شاملة شبه جزيرة القرم ومقاطعات دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون التي ضمتها روسيا بشكل أحادي الجانب تباعاً. تقابل ذلك تلميحات أميركية متزايدة بإمكانية تسليم صواريخ توماهوك المجنحة لأوكرانيا. وفي آخر تطور بشأن هذا المسار، أجرى ترامب أول من أمس السبت، اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وذلك بعد أسابيع على لقائهما على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وفي أعقاب الاتصال، نقل موقع أكسيوس الأميركي عن مصدرين مطلعين قولهما إن الرئيسين بحثا إمكانية تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك بعيدة المدى، والتي تصل إلى 2500 كيلومتر، وهي خطوة عارضتها روسيا بشدة. مكسيم يالي: حديث ترامب عن تسليم صواريخ توماهوك لأوكرانيا يدل على نأيه بنفسه عن جهود التسوية ورأى المحلل في مركز الاتصال الاستراتيجي والأمن المعلوماتي في كييف، مكسيم يالي، أن توجه ترامب نحو تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك يشكل مؤشراً لـ"غسل يديه" من التسوية الروسية الأوكرانية في المرحلة الراهنة على الأقل، إدراكاً منه لرفض كييف وأوروبا للشروط الروسية لوقف إطلاق النار، في ظل إصرار بوتين على قدرته على اختراق خطوط الدفاع الأوكرانية. نأي ترامب بنفسه عن حرب أوكرانيا وقال يالي، في حديث لـ"العربي الجديد" إنه "يمكن الإقرار بأن الوضع وصل إلى مأزق سياسي مؤقت، إذ إن حديث ترامب عن تسليم صواريخ توماهوك لأوكرانيا يدل على نأيه بنفسه عن جهود تسوية حرب أوكرانيا إدراكاً منه أن الجانبين غير مستعدين لها في المرحلة الراهنة، نظراً لوضع بوتين شروطاً مرفوضة لدى أوكرانيا وزيلينسكي خصوصاً، ما يعني أن المفاوضات لن تعقد في الأشهر القادمة، خصوصاً أن بوتين لا يزال يرى أنه يستطيع اختراق خطوط الدفاع الأوكرانية، وإن كان الواقع على الأرض لا يعكس هذا الأمر". ولفت إلى أن المأزق العسكري يفرض هو الآخر على الطرفين اللجوء إلى أساليب قتال غير تقليدية، مضيفاً: "تشن أوكرانيا ضربات على المصافي الروسية سعياً منها للحد من التدفقات المالية إلى روسيا وتقليل عوائدها المستخدمة لتمويل حرب أوكرانيا وإشعار السكان بنقص الوقود نتيجة لها، ما قد يغير موقف الرأي العام الروسي من الحرب. ويشن بوتين هو الآخر ضربات على مواقع البنية التحتية الأوكرانية في مجال الطاقة لإغراق كييف في الظلام، وقد بدأ يحدث ذلك في بعض أحياء العاصمة، وذلك لإقناع سكان أوكرانيا بضرورة إنهاء الحرب". من جهته، أقر الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، هو الآخر بـ"تبخر روح ألاسكا" ودخول النزاع الروسي الأوكراني مأزقاً استراتيجياً، معتبراً أن ترامب استسلم تحت وطأة الضغوط الأوروبية والأوكرانية، ومتوقعاً تحول النزاع إلى حرب استنزاف قد تستمر لفترة "غير محددة". وقال بلوخين، لـ"العربي الجديد" إنّ "هذا مأزق استراتيجي من جهة تعثر المفاوضات وتبخر روح ألاسكا، فلا مجال للمفاوضات، حيث يبدو أن ترامب قد استسلم تحت ضغط أوروبا وأوكرانيا والدولة العميقة الأميركية نفسها، وبات على وشك أن يوافق على تسليم صواريخ توماهوك لأوكرانيا إن مولت أوروبا الإمدادات". وجزم بأن حرب أوكرانيا دخلت مرحلة الاستنزاف، موضحاً أن "كل طرف يراهن على استنزاف الطرف الآخر عبر استنفاد إمكاناته، ما يعني تمديداً لمدة النزاع لفترة غير محددة بعد"، معتبراً أن جميع محاولات ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا خلال فترة وجيزة مُنيت بالفشل. وكان بوتين قد أعلن، خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع الروسية وهيئة الأركان العامة الثلاثاء الماضي، أن روسيا سيطرت على 212 بلدة و4900 كيلومتر مربع من الأراضي شرقي أوكرانيا منذ بداية عام 2025، معتبراً أن القوات الروسية هي اليوم صاحبة المبادرة الاستراتيجية في ساحة المعركة. خفض سقف الأهداف ورغم أن بوتين جدد خلال الاجتماع ذاته تمسكه بتحقيق جميع أهداف العملية العسكرية في أوكرانيا، إلا أن ثمة شكوكاً بدأت تطرح في الفضاء الإعلامي الروسي في الفترة الأخيرة، في مسألة ضرورة التشبث بشرط حياد أوكرانيا ومنع انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) بأي الثمن. ورأى الخبير في الأمن الدولي ألكسندر كولبين في مقال بعنوان "هل حان الوقت لأن تتخلص موسكو من التخوف من عضوية أوكرانيا في الأطلسي؟" نشر بموقع مجلة "روسيا في السياسة العالمية"، أخيراً، أن ثمة تغييرات طرأت على توازن القوى بين الطرفين المتناحرين. توقع قسطنطين بلوخين تحول النزاع إلى حرب استنزاف قد تستمر لفترة غير محددة واعتبر كولبين أن عضوية أوكرانيا في الحلف لم تعد عاملاً يزيد من المخاطر على سلامة الحدود الغربية الروسية، مذكّراً بأن أراضي الشطر الأوروبي من روسيا تتعرض منذ عدة سنوات لضربات بأسلحة غربية عالية الدقة من دون عضوية أوكرانيا في "ناتو". وفي وقت قد يشكل فيه إجراء تعبئة عسكرية جديدة عاملاً يعزز وتيرة تقدم القوات الروسية شرقي أوكرانيا، شهدت المواقع الروسية للتواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة موجة من الشائعات والتكهنات حول إمكانية إجراء تعبئة جزئية على غرار تلك التي أعلنها بوتين في 21 سبتمبر/أيلول 2022، وشملت استدعاء نحو 300 ألف من أفراد الاحتياط، وساعدت موسكو في تحسين الوضع الميداني لصالحها في عام 2023. وفي مقطع فيديو على موقع "يوتيوب"، ذكر المدون المعارض الهارب مكسيم كاتز، عدة حجج تدعم واقعية سيناريو إعلان تعبئة جديدة، وأهمها أن الوتيرة الحالية للتعبئة عبر تجنيد المتطوعين فقط لا تتناسب مع طموحات بوتين و"تعوض الخسائر بلا زيادة عدد أفراد الجيش"، فضلاً عن تدني مستوى تدريب الملتحقين طوعاً، على عكس من يمكن تعبئتهم وفقاً لمعايير معينة مثل خبرة أداء الخدمة العسكرية الإلزامية على الأقل. ومع ذلك، أوضح كاتز، الذي تصنفه وزارة العدل الروسية "عميلاً للخارج" والصادر بحقه حكم غيابي السجن لمدة ثماني سنوات، أن ثمة براهين سياسية ضد إجراء التعبئة، مشيراً إلى أن حملة انتخابات مجلس الدوما (النواب) المزمع إجراؤها في سبتمبر/أيلول 2026، ستبدأ في الربيع المقبل وتتطلب "زرع الشعور لدى الجميع بأن الوضع تحت السيطرة". وخلص إلى أنه إذا لم تُعلَن التعبئة قبل نهاية العام الحالي، فاحتمالها بعد ذلك سيتراجع كثيراً، لكونها تتطلب هامشاً زمنياً قبل الانتخابات ذات المستوى الفيدرالي. ومع ذلك، سنّت روسيا في السنوات الأخيرة مجموعة من القوانين من شأنها تسهيل تنظيم عملية تجنيد الأفراد، بما فيها رفع سن التجنيد الإلزامي من 27 إلى 30 سنة، ومشروع قانون يناقشه الدوما حالياً من شأنه إجراء التجنيد على مدار السنة وليس خلال الدورتين الربيعية والخريفية، كما هو الحال حالياً، ولكن كل هذه الإجراءات لا تزال تقتصر على من يؤدون الخدمات الإلزامية بالثكنات داخل روسيا ولا تشمل العسكريين المتعاقدين طوعاً للمشاركة في أعمال القتال في أوكرانيا.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية