
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
شهد مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال الأيام الماضية تسويةً سياسية لأزمة داخلية كادت أن تُفجر أحد أخطر الانقسامات في تاريخه، بعد خلاف حاد حول قرارات تعيين منفردة صدرت عن بعض أعضائه، وفي مقدمتهم نائب رئيس المجلس ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي.
ورغم نجاح الجهود الدبلوماسية والداخلية في إخماد الأزمة التي فجرها عيدروس الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، والقرار اللاحق للمجلس بمراجعة كل القرارات منذ تأسيس المجلس (2022) مع مراجعة مستعجلة لقرارات الزبيدي.
وقال عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة الرئاسي في أعقاب اجتماع للمجلس يوم الجمعة، برئاسة رئيس المجلس رشاد العليمي، إن الاجتماع هدف إلى “تواصل الجهود وتقريب وجهات النظر ومعالجة أي مسببات للاختلاف”.
إلا أن المحللين حذروا من أن الاجتماع الأخير في الرياض يوم الجمعة لا يعني تجاوز جوهر الخلل البنيوي داخل المجلس، ولا تُبدد خطر تضارب الأولويات بين السعي لتحقيق “مكاسب آنية” وبين مواجهة “الأخطار الوجودية” التي تهدد الدولة.
صراع الصلاحيات على طاولة اللجنة القانونية
تعود جذور الأزمة إلى إصدار الزبيدي قرارات تعيين في مؤسسات حكومية، وصفت بأنها تجاوز على صلاحيات رئيس المجلس رشاد العليمي، ما أثار اعتراضاً واسعاً ودفع المجلس إلى إحالة الإشكالية إلى اللجنة قانونية لمراجعة هذه القرارات.
وبحسب مصادر مطلعة، أوصت اللجنة بعدم قانونية القرارات الصادرة عن الزبيدي وعدد من الأعضاء الآخرين، معتبرةً أنها “مخالفة لإعلان نقل السلطة” الموقع في أبريل/نيسان 2022، والذي نص على أن صلاحيات التعيين في الوظائف العليا من اختصاص رئيس المجلس حصراً.
وفي ظل غموض التقرير النهائي للجنة القانونية، مع غياب الإعلان الرسمي عن لقاءها بالرئيس العليمي؛ أثيرت أنباء عن إلغاء قرارات الزُبيدي، مع استمرار مراجعة جميع قرارات أعضاء المجلس بما في ذلك تلك تخص التعيينات في قواتهم الداخلية ومناطق سيطرتهم.
رؤية المجلس الانتقالي: “تسوية شاملة وتصفير للعداد”
من جانبه، نفى القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي، منصور صالح، أن تكون القرارات التي أصدرها الزبيدي قد ألغيت، مؤكداً أن ما جرى هو “تسوية سياسية شاملة” تم التوافق عليها بين أعضاء المجلس.
وقال صالح “اللجنة لم تصدر أي إلغاء بحق قرارات الرئيس الزبيدي ولا حتى بالنسبة لقرارات أخرى”.
وأضاف: بأنه ما تم التوافق عليه هو التسوية الشاملة وإقرار كل القرارات الصادرة عن الرئيس القائد عيدروس الزبيدي، وكذا عدم البت فيما تبقى من قرارات سابقة صادرة عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ووضع ربما ضوابط أو تأكيد على الالتزام بالضوابط المنظمة لعمل مجلس القيادة لاحقاً فيما يتعلق بالفترة القادمة.”
وأشار إلى أنه “يمكننا القول إنه تم تصفير العداد، وإبقاء جميع القرارات، وسيكون هناك توافق داخل مجلس القيادة الرئاسي من الآن فصاعداً.”
هذه التصريحات، بحسب مراقبين، تعكس رغبة المجلس الانتقالي في تثبيت المكاسب السياسية والإدارية التي حققتها خلال العامين الماضيين، خصوصاً في ظل النفوذ المتنامي للمجلس الانتقالي في مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية والعسكرية وتضاءل سلطة الحكومة المعترف بها دولياً.
“الأخطاء” مقابل “الأخطار”
وبينما يصف البعض التسوية بأنها “انتصار للواقعية السياسية”، يؤكد آخرون أنها “هدنة مؤقتة” تخفي تحتها صراعاً مستمراً بين مشاريع متعددة تتنافس على تمثيل الشرعية اليمنية، في وقت تزداد فيه الضغوط العسكرية والاقتصادية التي تهدد البلاد برمتها.
من جهته رأى المحلل السياسي اليمني مانع المطري أن الأزمة ليست مجرد خلاف إداري، بل نتيجة خلل هيكلي في توزيع الصلاحيات داخل المجلس، مشيراً إلى أن بعض الأعضاء “يتصرفون كسلطات موازية”، وهو ما يهدد وحدة القرار السيادي.
وقال المطري: “إعلان نقل السلطة حدد الصلاحيات بوضوح فيما يتعلق بإصدار قرارات التعيين في المناصب العليا. ما قام به الزُبيدي يعد مخالفة صريحة لذلك الإعلان، لأن حق إصدار القرارات محصور بيد رئيس مجلس القيادة الرئاسي.”
وأضاف المطري أن الانشغال بالخلافات الداخلية أضعف جبهة الشرعية في مواجهة الحوثيين: “المشكلة أن البعض يتعامل مع الأخطاء ويتجاهل الأخطار. الخطر الحقيقي هو جماعة الحوثي المدعومة من إيران التي تسعى للسيطرة على الدولة، بينما البعض يرى أن الأولوية هي تحقيق مكاسب سياسية تمكنه من التغلب على شركائه مستقبلاً، وهذا تفكير خطير للغاية.”
تباينات مزمنة
أما المحلل السياسي ثابت الأحمدي، فأكد أن التباينات داخل مجلس القيادة ليست جديدة، بل هي امتداد لتركيبته المتنوعة منذ تأسيسه، مشيراً إلى أن “الخطر الأكبر” هو عدم وجود رؤية موحدة لإدارة الدولة في مرحلة ما بعد الحرب.
وأشار إلى أن التسوية الأخيرة تمثل خطوة نحو تهدئة مؤقتة، لكنها لا تعني معالجة جذرية للأزمة المؤسسية داخل المجلس.
وقال الأحمدي: “لا أستطيع القول إن هناك نزاعاً بمعناه الصدامي، لكنها تباينات حقيقية في وجهات النظر. المجلس منذ تأسيسه لم يكن متفقاً تمام الاتفاق، بل جمعته مواجهة الحوثي فقط.”
وأضاف: “خلال الفترة الماضية، أصدر بعض أعضاء المجلس قرارات يسمونها جمهورية، وهي من الناحية القانونية غير صحيحة. المطلوب الآن هو توحيد القرار السيادي ضمن إطار مؤسسي منضبط، فالمجلس ورث تركة ثقيلة جداً من الماضي، ناهيك عن الكارثة الحوثية نفسها.”
ضغوط إقليمية ودولية لتثبيت وحدة القيادة
مصادر دبلوماسية أكدت لـ”يمن مونيتور” أن احتواء الخلافات داخل مجلس القيادة جاء بعد وساطات مكثفة من سفراء تحالف دعم الشرعية والدول الثلاث التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، والتي شددت على ضرورة الحفاظ على وحدة المجلس كإطار وحيد معترف به دولياً لقيادة الدولة اليمنية.
ويرى مراقبون أن هذا التدخل يعكس إدراكاً دولياً متزايداً بأن أي انهيار لمجلس القيادة سيؤدي إلى فراغ سياسي خطير، قد تستفيد منه جماعة الحوثي لتوسيع نفوذها واستكمال سيطرتها على مؤسسات الدولة.
لكن استمرار هذا التماسك الهش قد يبدو محل شك أكثر من أي وقت مضى، ما لم يكن هناك توحيد كامل للقوات تحت إدارة وزارتي الدفاع والداخلية، وواحدية القرار السياسي لمجلس القيادة.
The post هل اشترى مجلس القيادة اليمني تماسكاً هشاً مقابل شرعنة انفراد الزُبيدي؟ appeared first on يمن مونيتور.