
عربي
في مثل هذه الأيام من كلّ عام، تزدهر فرص العمل الموسمية في قطف الزيتون في ليبيا، ولا سيّما في المدن الساحلية والجبل الغربي. ومع حلول شهر أكتوبر/ تشرين الأول، تنشط الأسواق والمعاصر، فيما تستعدّ البساتين لاستقبال أعداد كبيرة من الليبيين الشباب وكذلك من العائلات، لقطف الزيتون. ويُسجَّل ذلك خصوصاً في ترهونة ومسلاته والخمس وزليتن وغريان وبني وليد ونالوت، وسط ظروف اقتصادية متردية في البلاد تدفع كثيرين إلى التعويل على موسم قطف الزيتون للتعويض عن الركود في أسواق العمل.
عبد المنعم بن سلامة واحد من هؤلاء الليبيين الذي اصطحبوا أفراد عائلاتهم للعمل في بساتين الزيتون بترهونة جنوب شرقي العاصمة، علماً أنّه من سكان قصر بن غشير في طرابلس شمال غربي البلاد، ويقول بن سلامة لـ"العربي الجديد" إنّ ما يجنيه في موسم قطف الزيتون يمثّل بالنسبة إليه "راتب العام كلّه"، فالرواتب الشهرية الحكومية لم يعد الواحد منها يكفي حتى لأسبوعَين، ولأنّ لا بدائل أخرى متوفّرة لعائلة بن سلامة، "أترقّب سنوياً موسم الزيتون مثلما ينتظر الموظف راتبه الشهري" بحسب ما يقرّ، ويعمل بن سلامة مع أبنائه، ويتقاسمون المحصول مع أصحاب بساتين الزيتون.
في مدينة مسلاته شمال غربي ليبيا، بساتين الزيتون على مدّ البصر. وفيها، يعمل الشاب صبحي عبد الرحيم الذي يخبر "العربي الجديد" أنّه يحمل إجازة جامعية في الآداب، لكنّه لم يعثر على عمل في مجاله على مدى عامَين، لذا لجأ إلى قطف الزيتون مع مجموعة من أصدقائه، ويضيف أنّهم كوّنوا مجموعة في العام الماضي، واتّفقوا في هذا العام مع أصحاب بستان لجمع المحصول في مقابل نسبة من الإنتاج.
في الإطار نفسه، بمدينة زليتن الواقعة على ساحل ليبيا الغربي، يعمل الشاب فراس الشحمي في إحدى معاصر الزيتون برفقة صديق له، وذك بعدما عجزا عن إيجاد وظيفة في الدولة، بحسب ما يفيدان "العربي الجديد". وفيما يشير الشحمي إلى أنّ العمل في هذا المجال كان خطة مؤقتة، لا يخفي أنّه يتوجّه إلى المضيّ فيه، ويفكّر في معصرة خاصة ربّما مستقبلاً، ويضيف أنّ "في هذا العمل الموسمي استمرارية، ويترك هامشاً للعمل في مجال آخر في بقيّة العام".
وفي مدينة الخمس الواقعة إلى الشرق من العاصمة طرابلس، تتحدّث فاطمة البوصيري، أمّ لأربعة أطفال، عن تجربتها مع موسم الزيتون من زاوية مختلفة. هي لا تعمل مع زوجها في مجال القطف، بل يمثّل هذا الموسم السنوي لعائلتها فرصة عمل في مجال إعداد زيتون الموائد وتسويقه في المدينة. تقول البوصيري لـ"العربي الجديد" إنّها انطلقت في ذلك "قبل خمسة أعوام، عندما رحت أساعد إحدى الجارات في تنظيف الزيتون وفرزه. بعد ذلك تعلّمت طرق التخليل والحفظ، وبدأت أبيع كميات صغيرة في السوق الأسبوعيّة. ومع الوقت، صار لي زبائن دائمون"، وتضيف أنّها تمكّنت مع زوجها من تحسين وضع العائلة المعيشي، بعدما تقاعد هو من وظيفته، لافتةً إلى أنّه "على الرغم من أنّ العمل متعب، فإنّه يضمن لعائلتي دخلاً ثابتاً في خلال الموسم".
يوضح المهندس الزراعي عبد الله ادقيج لـ"العربي الجديد" أنّ قطاع الزيتون في ليبيا، على الرغم من أنّ طابعه موسمي، إلّا أنّه يمثّل "ركيزة أساسية في الاقتصاد الريفي"، مبيّناً أنّ في البلاد "نحو ثمانية ملايين شجرة زيتون" فيما تغطّي بساتين الزيتون "مساحة تُقدَّر بآلاف الهكتارات، نحو 90% منها منتجة"، ويضيف أنّ "متوسط الإنتاج السنوي من الزيتون يبلغ نحو 160 ألف طنّ، يُستخرج منها نحو 32 ألف طنّ من الزيت"، ويلفت ادقيج إلى أنّ "مزارعين كثيرين يعملون على توسيع مساحات البساتين الخاصة بهم، من خلال عمليات تشجير واسعة".
وعلى الرغم من قدم تعامل الليبيين مع الزيتون وثماره ومحاصيله وانتشاره بصورة واسعة في البلاد، فإنّ ادقيج يشير إلى أنّ "السلطات ما زالت بعيدة عن العناية المناسبة بهذه الثروة، خصوصاً لجهة تشجيع المزارعين واستيراد الأدوية الخاصة لحماية الأشجار من الآفات السنوية، أو لجهة العمل لوضع خطط من أجل تصدير المحاصيل السنوية إلى الخارج". ويتابع أنّ "قطاع الزيتون في ليبيا يفتقر إلى منظومة إنتاج متكاملة، تبدأ من الإرشاد الزراعي وتنتهي بالتسويق الخارجي"، شارحاً أنّ "البساتين بمعظمها تُدار بأساليب تقليدية، وتعتمد على الجهد اليدوي في غياب التقنيات الحديثة في الريّ أو القطف، الأمر الذي ينعكس سلباً على الإنتاجية والجودة".
ويرى ادقيج أنّ "تطوير هذا القطاع يتطلّب إنشاء مراكز بحثية متخصّصة لمتابعة الأمراض والآفات التي تصيب الأشجار، وتقديم دعم فني مستمرّ للمزارعين"، لافتاً إلى "أهميته في توفير مصدر زرق ووظائف للشباب والمساهمة في التقليل من البطالة المتفشية في أوساطهم"، وذلك خصوصاً "في حال وفّرت الدولة القروض الميسّرة لتحديث المعاصر والمعدّات، وتأسيس وحدات للتعبئة والتغليف، من أجل فتح فرص عمل جديدة تساهم في التقليل من حدّة كثير من الظواهر الاجتماعية المرتبطة بسوء الدخل والبطالة".
