لاجئو جنوب السودان... أوضاع مأساوية في مخيمات النيل الأبيض
عربي
منذ 6 أيام
مشاركة
يشكو عشرات آلاف اللاجئين الفارين من سوء الأوضاع والقتال في دولة جنوب السودان إلى مخيمات اللجوء في الجارة السودان من أوضاع معيشية صعبة، مع عدم توفر الطعام والعلاج وندرة المساعدات. يعيش آلاف اللاجئين من دولة جنوب السودان أوضاعاً كارثية في تسعة مخيمات بائسة تفتقر إلى أدني مقومات الحياة بولاية النيل الأبيض السودانية المحاذية للحدود، وهم يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية ومياه الشرب، مع تفشي الأمراض، وانتشار البعوض المسبب لحمى الضنك والملاريا، في ظل ندرة مراكز تقديم الرعاية الطبية ونقص الأدوية. ويتوزع اللاجئون الذين يقدر عددهم وفق الأرقام الرسمية بأكثر من 270 ألف لاجئ، بين مخيمات خور الورل، والجمعية، والرديس 1، والرديس 2، وأم صنقور، والكشافة، وجوري، والعلقاية، ودبة بوسن، ويعتمدون على معونات شحيحة تقدم لهم عبر منظمات محلية ذات قدرات محدودة، كما يتلقون بصفة غير منتظمة بعض المواد الغذائية من منظمات دولية وإقليمية. وأنشئت مخيمات اللاجئين بولاية النيل الأبيض في عام 2023، وجرت توسعتها عقب استرداد الجيش السوداني ولايتي الخرطوم والجزيرة من قبضة قوات الدعم السريع في مطلع العام الجاري، حين قررت السلطات السودانية ترحيل كافة اللاجئين من دولة جنوب السودان من مخيمات مُدن الشمال والشرق إلى مخيمات ولاية النيل الأبيض، بعد اتهام بعضهم بالمشاركة في القتال إلى جانب الدعم السريع، والذي تتهمه السلطات السودانية بتجنيد المرتزقة الأجانب منذ اندلاع الحرب قبل ثلاثين شهراً. وفي الفترة بين يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران من العام الحالي، ألقت الشرطة السودانية القبض على آلاف اللاجئين من دولة جنوب السودان، والذين كانوا يقيمون منذ ما قبل انفصال الجنوب في 2011، بمناطق متفرقة من ولايات الخرطوم والجزيرة ونهر النيل، وجرى ترحيلهم إلى مخيمات ولاية النيل الأبيض. كان اللاجئ من دولة جنوب السودان ستيفن بول يقيم في مخيم نيفاشا بأم درمان، ويقول لـ"العربي الجديد": "قضيت ثلاثة عشر عاماً في مخيم نيفاشا الذي أُسسه الفارين من الحرب في الجنوب قبل الانفصال، وطوال ذلك الوقت كنا نعتمد على الأعمال الهامشية في الخرطوم، إلى أن اندلعت الحرب، وتعرض المخيم للتدمير مثل بقية مناطق العاصمة، فنزحنا إلى الأحياء التي لم تُطاولها الحرب، لكن تم القبض علينا، وكنا 17 فرداً من أسرة واحدة، ورُحلنا إلى ولاية النيل الأبيض، حيث المخيمات تخلو من كافة الخدمات الأساسية، ولا توجد فيها أي فرص عمل نحصل من خلالها على المال، ولا توجد مطابخ جماعية توزع الطعام. كل ما يحصل أن بعض المنظمات المحلية تقوم بتوزيع بعض سلال الغذاء على أعداد محدودة من اللاجئين". ويستطرد ستيفن: "لا تختلف المجتمعات المُضيفة في معاناتها للحصول على الطعام والرعاية الصحية عن اللاجئين، فالحرب جعلت حياة الجميع صعبة، والجوع يتفشى في مخيمات اللاجئين والنازحين، وفي المُدن القريبة من المخيمات لا يحصل المواطنون على سلع غذائية كافية بسبب ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع المعيشية، فالسكان فقدوا أعمالهم وأنشطتهم التجارية، مع انخفاض قيمة العملة المحلية إلى أدنى مستوى. يموت اللاجئون بالأمراض، ويتفشى سوء التغذية بين النساء والأطفال، ولا أحد يهتم بالأرقام، لأن الجميع مهددون، ولا يوجد اهتمام يذكر بحياة اللاجئين الذين يعيشون في شبه معتقلات داخل المخيمات، والأجهزة الأمنية تقبض على أي لاجئ يخرج إلى المُدن المجاورة بحجة أنهم كانوا في السابق يقاتلون مع الدعم السريع". ونفذت معتمدية اللاجئين التابعة لوزارة الداخلية السودانية منذ يونيو الماضي وحتى الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، 20 عملية ترحيل للاجئي جنوب السودان من مخيمات بانتيو ونيفاشا والسلام والبركة بالعاصمة الخرطوم إلى مخيمات ولاية النيل الأبيض. ويقول مساعد معتمد اللاجئين بالخرطوم، اللواء إدريس عبد الله ليمان لـ"العربي الجديد": "خطوة ترحيل اللاجئين إلى المخيمات جاءت بغرض توفير الحماية والمساعدات الإنسانية اللازمة، إلى جانب تعزيز سلطة الدولة في ضبط الوجود الأجنبي. نواجه صعوبات في تحديد أعداد اللاجئين، ولا يمكن معرفة العدد الحقيقي للاجئين من دولة جنوب السودان، وهناك معضلة في تحديد الأرقام بالدقة المطلوبة". ورغم صعوبة الحياة في المخيمات البائسة بولاية النيل الأبيض، والقيود التي فرضتها السلطات السودانية على حركة اللاجئين من دولة جنوب السودان، لا تزال تهمة مشاركة بعضهم في العمليات العسكرية تهددهم، ويقول مساعد معتمد اللاجئين بالخرطوم: "كان الجنوبيون يعملون بصفة أطقم مدفعية مع قوات الدعم السريع، وشاركوا بقصف أم درمان والخرطوم". ويصف اللاجئون عمليات الترحيل والأوضاع المعيشية بمخيمات النيل الأبيض بأنها كارثية. يقول ملوال ميونق الذي تم القبض عليه في الخرطوم، وترحيله إلى مخيمات النيل الأبيض لـ"العربي الجديد": "المخيمات لا تصلح للعيش، إذ تخلو من كافة الخدمات، ولا تقدم لنا مواد غذائية، ولا توجد مياه للشرب، ولا عيادات طبية، ولا أطباء، ولا تقدم الأدوية للمرضى رغم انتشار كثير من الأمراض، من بينها حمى الضنك والملاريا، وأكثر من ثلثي المخيمات غارقة في مياه الأمطار والنفايات". كان ملوال يقيم سابقاً في مخيم السلام بجبل أولياء جنوبي الخرطوم، ويوضح: "لا توجد مدارس في المخيمات التي نقلونا إليها، ولن يجد أطفالنا فرصة للتعليم، ولا يجدون الطعام ولا الدواء. هذه الاحتياجات غير متوفرة أيضا للمواطنين الذين يعانون من ويلات الحرب، ولا أظن أن اللاجئين سيحصلون عليها". وكان اللاجئون الذين يعيشون في مخيمات ولاية النيل الأبيض منذ 2013، يعتمدون كلياً على العمل في المشاريع الزراعية بالمناطق المجاورة للمخيمات، رغم الأجور الزهيدة، بيد أن الحرب المستمرة تسببت في تعطيل الزراعة في مناطق واسعة بولاية النيل الأبيض. من مخيم خور الورل، يقول اللاجئ توت رياك لـ"العربي الجديد": "نواجه مشقة في الحصول على الطعام، ولا تصل إلينا المساعدات بصورة منتظمة، وهناك بعض المنظمات الصغيرة التي تقوم بين فترة وأخرى بتوزيع مواد بسيطة على بعض اللاجئين. الأعداد كبيرة، والمواد الغذائية لا تكفي، وبعض المنظمات الدولية توزع بعض النقود في المخيمات على فترات متباعدة. خلال الفترة الماضية، استقبلت المخيمات أعداداً إضافية من اللاجئين الذين تم ترحيلهم من الخرطوم، ما خلق صعوبات إضافية، فالمخيمات لم تكن مهيأة لاستقبال هذا العدد الكبير من الوافدين الجدد". في مخيم أم صنقور، تبحث آلاف الأسر عن الحد الأدنى من الطعام ومياه الشرب، ويقول أحد اللاجئين، والذي طلب عدم كشف هويته، لـ"العربي الجديد": "إلى جانب نقص المواد الغذائية، وعدم توفر المراكز الصحية التي تقدم الخدمات العلاجية، يعتمد كثير من سكان المخيم على مياه الأمطار بسبب النقص الشديد في مياه الشرب، ما يزيد من احتمالات إصابتهم بالأمراض، مثل الإسهال المائي والكوليرا وغيرها. لا يعاني اللاجئين من الجوع والعطش فقط، فأبسط الاحتياجات مثل دورات المياه غير متوفرة، ويضطر الناس إلى قضاء حاجتهم في العراء، وأحياناً بالقرب من مصادر المياه، والتي يلجأون لاستخدامها بسبب النقص الحاد في المياه داخل المخيمات". رغم كل ذلك، لم يتوقف تدفق اللاجئين من دولة جنوب السودان نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في الدولة التي انفصلت حديثاً عن السودان. يقول اللاجئ مجونق، والذي وصل قبل ثلاثة أشهر إلى مخيم الكشافة بولاية النيل الأبيض، لـ"العربي الجديد": "لم نحصل منذ وصولنا على أية خدمات، ولا تتوفر الرعاية الطبية، والطعام غير متوفر في المخيمات، ونعاني بصورة يومية للحصول على لقمة تسد رمقنا". ويضيف: "المواد الغذائية التي توزع في بعض الأوقات على اللاجئين لا تكفي، وينتظر كثيرون لأشهر طويلة حتى تأتي مساعدات أخرى، وهي بدورها لا تكفي جميع اللاجئين، أما التعليم فهو غير متوفر، ولا يوجد مدرسين في المخيمات، ولا مسشتفيات، والأخطر أن النساء الحوامل لا يحصلن على أي رعاية طبية، وفي بعض الأوقات ينجبن أطفالهن في الخيام من دون أي مساعدة طبية. الوضع الصحي في السودان منهار، والأطباء أنفسهم يبحثون عن الأمان، ولا أحد منهم يغامر بالعمل في مناطق المخيمات التي لا يتوافر فيها أي نوع من الخدمات الأساسية".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية