مخاض الأزمة الديموغرافية... سوق سوداء للأرحام البديلة في الصين
عربي
منذ 6 أيام
مشاركة
تنتشر إعلانات وملصقات تستهدف الفتيات الصينيات في دورات المياه بالمدارس الثانوية والجامعات والأكاديميات لإغرائهن بتأجير أرحامهن، في ظل سوق سوداء متنامية، وضبابية قانونية وغض الدولة بصرها جراء الأزمة الديموغرافية. - هاجمت آلام المخاض الطفلة الصينية شياو شين البالغة من العمر 17 عاماً، ما استدعى نقلها إلى مستشفى شياولان الحكومي في مدينة تشونغ شان بمقاطعة قوانغ دونغ، جنوب البلاد. مباشرة بعد إجراء الفحوصات الأولية، باشرت السلطات التحقيقات، لتكتشف أن شين، بحسب الاسم البديل الذي اختارته لها للحفاظ على خصوصيتها، أجّرت رحمها وصارت أمّاً بديلة، أنجبت توأماً لرجل يبلغ من العمر 50 عاماً. لم تتوقف القضية عند هذا الحد، إذ كشفت السلطة المحلية في المدينة عبر منصة التواصل الاجتماعي ويبو في فبراير/ شباط الماضي أن الرجل تعاقد مع الفتاة عبر شركة كوانجو جون لان للمعدات الطبية في مدينة كوانجو، ولدى إجراء العملية كانت تبلغ من العمر 16 عاماً فقط، كما أن الكلفة الإجمالية للتبرع بالبويضات والحمل البديل المحددة في الاتفاقية بين الطرفين بلغت 730 ألف يوان، أي ما يوازي حوالي 104 آلاف دولار أميركي. مبلغ كبير يعكس كيف تزدهر سوق سوداء لتأجير الأرحام في البلاد، يقول تشو جانغ، المستشار في المركز التخصصي لحل النزاعات الأسرية والاجتماعية بمدينة شنغهاي، معيدا ذلك إلى ارتفاع معدلات العقم والتخفيف الأخير من سياسات تنظيم الأسرة.   مائة ألف طفل عبر تأجير الأرحام يتضح حديث جانغ عبر بحث لجمعية صناعة الصحة الإنجابية الصينية (اجتماعية غير ربحية)، نشرته في أغسطس/ آب الماضي، إذ توصلت إلى أن عدد حالات المواليد بالطريقة ذاتها يتجاوز مائة ألف حالة في العام، في ظل سوق سوداء من الوكلاء عبر الإنترنت والعيادات الخاصة المشبوهة، وهذه تبعات لسياسة الطفل الواحد التي تبنتها البلاد في نهاية سبعينيات القرن الماضي، ما أسفر عن عزوف كبير في أوساط المجتمع عن الإنجاب. فبحسب المركز الوطني للإحصاء (حكومي)، شهد العام الماضي انخفاض عدد سكان الصين بمقدار 1.39 مليون، ليصل إلى 1.408 مليار نسمة، مقارنة مع 1.409 مليار في عام 2023. بعدما بلغ إجمالي عدد المواليد في الصين 9.43 ملايين، مقارنة بـ 9.54 ملايين في العام السابق، في متوالية لانخفاض حاد في معدلات المواليد بعد عام 2016، حتى تجاوزت النسبة 50% خلال ثماني سنوات فقط. ويشير المركز الوطني للإحصاء إلى أن إجمالي معدل الخصوبة انخفض من 1.5 ولادة لكل امرأة في نهاية تسعينيات القرن العشرين إلى 1.15 ولادة في عام 2021، ويقترب الآن من ولادة واحدة، ما يعني أنه يقل كثيراً عن مستوى الإحلال الطبيعي البالغ 2.1 ولادة يفترض أن تحافظ على استقرار أعداد المواطنين الحالية. كما انخفضت معدلات المواليد في عام 2021 إلى 7.5 مواليد لكل ألف شخص، وهو أدنى رقم منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949. يتسم الموقف القانوني من وسائل الإنجاب البديلة بالغموض يشي هذا بخطر ديموغرافي كبير، كما يقول الدكتور يانغ تشوان، من خلال ما يشاهده في المركز الصيني للصحة الإنجابية بمدينة شينزن، جنوب البلاد، خاصة أن قضية الخصوبة في الصين ترتبط بالتجديد الوطني (مصطلح أطلقه الرئيس شي جين بينغ عام 2012)، ولكن مع تأجيل الإنجاب وزيادة الضغوط الاجتماعية نتاج سياسة الطفل الواحد التي ضاعفت المسؤولية الاجتماعية تجاه رعاية المسنين والموازنة بين ضغط العمل والالتزامات الأسرية، ارتفعت نسبة العقم، إذ يواجه العديد من الأزواج مشكلة عدم القدرة على الإنجاب بشكل طبيعي. لذا في عام 2022، أصدرت اللجنة الوطنية للصحة في الصين، بالاشتراك مع 17 إدارة أخرى، الآراء التوجيهية لمواصلة تحسين وتنفيذ التدابير الداعمة للولادة الإيجابية، وتقترح تعزيز خدمات تحسين النسل في المؤسسات الطبية من خلال تقنيات الإنجاب المساعد. ومع تخفيف الصين تدريجياً سياساتها المتعلقة بالولادة وتطبيقها تدابير داعمة، حظيت قضايا العقم وصعوبات الحمل باهتمام متزايد. ولفت تشوان إلى أن الحكومة الصينية تغير موقفها تدريجياً من تقنيات الإنجاب المساعد، ما قد يؤدي إلى تخفيف القيود المفروضة على تأجير الأرحام من خلال تعديلات تشريعية.   قوام السوق السوداء يتسم الموقف القانوني من وسائل الإنجاب البديلة في الصين بـ"الغموض والتملص"، والوصف للمحامية لي وانغ، المستشارة القانونية في المعهد الصيني للعلوم النفسية والاجتماعية في مدينة شيامن، ففي عام 2003، أصدرت وزارة الصحة لائحة تقنيات الإنجاب البشري المساعدة، التي حظرت تأجير الأرحام. ومع ذلك، نظراً لضعف وضعها القانوني، ونطاق تطبيقها المحدود، ونقص الأنظمة الداعمة لها، لم يكن لها تأثير يُذكر. وأدى عدم كفاية التشريعات إلى انتشار متزايد للسوق السوداء لتأجير الأرحام. تقدم وكالات تأجير الأرحام ثلاثة أنواع من خدمات الأمومة البديلة قوام السوق السوداء عبارة عن مجموعة من وكالات تأجير الأرحام، التي تقدم ثلاثة أنواع من خدمات الأمومة البديلة: الأول هو أن يتم توفير الحيوانات المنوية والبويضات من قبل المراجع، ويتم زرع الجنين بعد التلقيح الصناعي، واستخدام رحم الأم البديلة لرعاية الطفل، الثاني هو أن الحيوان المنوي فقط يأتي من المراجع، والبويضة تأتي من المتبرعة، لتتم العملية داخل رحم الأم البديلة، ثالثها أن المراجع هو الذي يوفر البويضة فقط، ويلقح رحم الأم البديلة صناعيا بالحيوانات المنوية المقدمة من طرف ثالث، تضيف المستشارة وانغ قائلة إن وكالات الأمومة البديلة تقدم خدماتها بناءً على الطلب، مع أسعار محددة لا تقل عن 100 ألف يوان صيني (قرابة 14 ألف دولار أميركي)، ولفتت إلى أن هذه الوكالات تنتشر في مقاطعة قوانغ دونغ، والعاصمة بكين، وسيتشوان، وسط البلاد، ومعظمها لديها كلمات مفتاحية للهروب من الرقابة الحكومية، مثل: "خدمة استشارة التلقيح الاصطناعي"، ولكن في الحقيقة معظم العاملين ليس لديهم مؤهلات التشخيص وتقديم العلاج. عندما تغض الدولة بصرها تجنب القانون الصيني إلى حد كبير التعمق في مسألة تأجير الأرحام. فباستثناء اللائحة الإدارية المعروفة باسم لائحة تقنيات الإنجاب المساعدة، التي تحظر صراحة مشاركة المؤسسات والكوادر الطبية في تأجير الأرحام، لا توجد أي محظورات محددة على مشاركة أفراد آخرين في هذا النوع من العمليات، مثل الأطباء الذين يعملون خارج أوقات دوامهم. كما أن العقوبات غالباً تطاول الجهات المساعدة أو المنظمة (العاملين في المجال الطبي) وليس الأفراد، كمؤجرات الأرحام والسماسرة، ما يمثل ثغرة تتيح الاستمرار في اللجوء إلى هذه الوسائل غير المشروعة للإنجاب، بحسب المستشارة القانونية وانغ، مشيرة إلى أن ترك ترتيبات تأجير الأرحام غير المصرح بها دون تحديد وتنظيم ساهم في خلق منطقة رمادية قانونية، الأمر الذي أثر على فعالية القانون والأدوات الرادعة. يخالف ما سبق المادة 1009 من القانون المدني الصيني، إذ "يجب على من يمارسون أنشطة البحث الطبي والعلمي المتعلقة بالجينات والأجنة البشرية وما إلى ذلك الالتزام بالقوانين واللوائح الإدارية والأنظمة الوطنية ذات الصلة، ويجب ألا يعرضوا صحة الإنسان للخطر أو ينتهكوا القيم الأخلاقية أو يضروا بالمصلحة العامة"، وفي ظل هذا الوضع تفتقر البلاد حالياً إلى إطار قانوني شامل لتأجير الأرحام، ومع النمو واسع النطاق للحمل البديل أصبح من الضروري أن يُعالج القانون الصيني بدقة تعقيدات تأجير الأرحام تقول وانغ، محددة المواقف القانونية الدولية للمسألة بثلاث فئات: الدعم الكامل، مثل إسرائيل، أو السماح الجزئي لأغراض تجارية، مثل دول شرق أوروبا، أوكرانيا مثالاً، والمعارضة الكاملة، كما هو الحال في بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا، ودول الشرق الأوسط. وأخيراً الدعم المشروط مثل العديد من الولايات الأميركية.   إعلانات في دورات مياه المدارس مع إلغاء سياسة الطفل الواحد، والسماح بإنجاب طفلين في عام 2016، تم إلغاء شهادة تنظيم الأسرة المطلوبة للحصول على علاج الإنجاب المساعد، وتوسع عدد الأشخاص المستفيدين من علاج العقم، كما يقول المستشار الاجتماعي جانغ، مضيفا أن استمرار عزوف الشباب عن الإنجاب، دعا اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني إلى أن تصدر قراراً في عام 2021 بشأن تحسين سياسات الخصوبة وتعزيز التنمية السكانية. وتضمن ذلك إلغاء التدابير التقييدية السابقة وإلغاء لوائح العقوبات ذات الصلة، وذلك في إطار تنفيذ تدابير دعم الخصوبة في المجتمع، ما شجع الأزواج الذين يعانون من العقم ومخاطر الحمل المتأخر على إيجاد وسائل بديلة كتأجير الأرحام. كما تحمست المؤسسات الطبية لتقديم هذه الخدمات، وأصبحت تقنية الإنجاب المساعد وسيلة دعم مهمة لتقديم خدمات تحسين النسل. وتابع: في البداية، واجهت مسألة تأجير الأرحام رفضاً مجتمعياً نظراً لتعارضها مع القيم العائلية التقليدية، ما أدى إلى فترة طويلة من الرفض والإنكار. ولكن هذه الحملة أعاقت دمج مسألة تأجير الأرحام في الحياة الاجتماعية السائدة والمنظمة. ولا تزال هذه الممارسة على هامش المجتمع تواجه الرفض من جهة، بينما تزدهر بحرية من جهة أخرى ضمن سوق سوداء كبيرة. إذن ما هي مواصفات النساء اللاتي يتم تأجير أرحامهن؟ يوضح الناشط ووتشانغ، المتخصص في مجال مكافحة الاتجار بالبشر، بأن جلّهن من الطالبات، لذلك تنتشر إعلانات وملصقات لهذه العمليات في دورات المياه بالمدارس الثانوية والجامعات والأكاديميات التعليمية، قائلا: "استخدام الطالبات العازبات أمهات بديلات يُعد انتهاكاً للقانون والأخلاق والآداب العامة، ويجب معاقبته بشدة". لكن السلطات لا تأخذ ما يقوله تشانغ بجدية، ففي عام 2023 ضبطت طبيباً يسهل عمليات الأمومة البديلة في مستشفى ووهان، وسط البلاد، وتم سجنه لمدة عام واحد فقط بتهمة الرشوة وليس التورط في عمليات تأجير الأرحام، وفق ما يظهر في بيانات إدارة الأمن العام في مدينة ووهان. إلى ما سبق، يضيف تشانغ: نحن أمام سوق غير شرعية للمواليد، فكلفة تأمين المتبرعات بالبويضات مرتبطة بخلفيتهن التعليمية: حوالي 100 ألف يوان للحاصلات على درجة البكالوريوس وحوالي 150 ألف يوان (حوالي 21 ألف دولار)، للحاصلات على درجة الماجستير، ويتم التحقق من بيانات اعتمادهن في قاعدة البيانات الأكاديمية الرسمية. كما تستفيد هذه السوق من منطقة ضبابية أخرى، يقول الدكتور يانغ تشوان، مشيرا إلى أن تقنيات الإنجاب المساعد بدأت في وقت متأخر ولكنها تطورت بسرعة مع بداية الألفية الثانية. ومع تحسين سياسات الإنجاب والسماح بإنجاب أكثر من طفل في عام 2016، ظهرت متطلبات أكثر تفصيلاً بشأن تخطيط عدد المؤسسات الطبية والموافقة على التراخيص، بما في ذلك التكنولوجيا الطبية اللازمة للتلقيح الاصطناعي، دون الإشارة بصورة مباشرة إلى مسألة تأجير الأرحام. وفي ظل ضبابية القوانين، كان الأمر يتم بسهولة، تحديداً في العيادات الخاصة، خوفاً من المساءلة القانونية التي غالباً لا تخضع لرقابة حكومية مشددة مقارنة بالمستشفيات الكبيرة والمراكز الطبية المعروفة. تكشف بيانات صدرت عن وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية ونُشرت في شهر مارس/آذار الماضي، أن حجم سوق المعدات الطبية في الصين وصل خلال العام الماضي إلى 1.35 تريليون يوان (188.2 مليار دولار)، بزيادة سنوية بنحو 6%. وقالت الوزارة إن الصين شكلت حالياً نظاماً لمنتجات المعدات الطبية يضم أكثر من 1100 فئة فرعية في 22 قطاعا رئيسيا، وهي واحدة من دول العالم التي تمتلك أكثر فئات وأصناف المنتجات اكتمالاً. وتستخدم منتجاتها على نطاق واسع في التطبيقات السريرية، وتغطي جميع مجالات الصحة. ويقول الدكتور يانغ تشوان إن هذه المعدات تستخدم في جميع المجالات بما في ذلك عمليات تأجير الأرحام لأنها متوفرة في السوق، وبالتالي تستطيع المستشفيات والعيادات الخاصة اللجوء إليها دون أي معوقات. التخلص من الملامح الأسيوية استناداً إلى تقرير "توقعات سكان الصين 2024" الصادر عن مؤسسة يووا للسكان (منظمة غير حكومية متخصصة بالأبحاث السكانية)، يقول يانغ تشوان أن هناك توقعات بانخفاض عدد النساء في سن الإنجاب، أي اللواتي تراوح أعمارهن بين 15 و49 عاماً، بنحو الثلثين بحلول نهاية القرن ليصل العدد إلى أقل من 100 مليون سيدة. بينما بلغ العدد وفق بيانات المركز الوطني للإحصاء، 215 مليوناً خلال العام الماضي . ولا يلجأ الأثرياء إلى عمليات تأجير الأرحام في الخارج مثل الولايات المتحدة، هربًا من الرقابة الحكومية فحسب، بل سعيًا إلى تحسين النسل وتحرير أطفالهم من الملامح الآسيوية التقليدية كالعينين الضيقتين والأنف الأفطس. وفي هذا السياق، شهدت تايلاند في 23 فبراير/ شباط 2024 حادثة بارزة، حين اعتُقل الثلاثيني التايلاندي ثيرافونغ تشايسوك في مقاطعة نونثابوري، للاشتباه في تورطه بشبكة تأجير أرحام عابرة للحدود، وقد ضُبط بحوزته خزان نيتروجين يحتوي على سائل منوي وبويضات وأجنة مجمدة أثناء تهريبها إلى لاوس عبر جسر الصداقة التايلاندي-اللاوسي، وكشفت التحقيقات أن الشبكة مرتبطة بجماعات جريمة منظمة صينية تستغل نساء من لاوس وكمبوديا كأمهات بديلات، بهدف منح الأطفال جنسية الأم البديلة وتسهيل عمليات غسل الأموال للأثرياء الصينيين، وفق ما نشرته في 26 فبراير 2025 منصة ورلد جيمنغ الصينية المتخصصة في تتبع الجرائم العابرة للحدود. وتوضح المستشارة القانونية لي وانغ أن تأجير الأرحام خارج الحدود قضية معقدة تتجاوز القوانين المحلية، إذ قد تنشأ عنها نزاعات قانونية وثقافية ودينية تمتد أحيانًا إلى صراعات دولية أو عرقية، كما تتعرض الأمهات البديلات في بلدان مثل لاوس وفيتنام إلى احتيال واستغلال عابر للحدود، يخسرن معه حقوقهن ويواجهن مخاطر جسدية ونفسية جسيمة. وفي المقابل، يواجه الأزواج عقبات قانونية عند محاولة إعادة أطفالهم المولودين عبر هذه العمليات، إذ لا يُعترف أحيانًا بوضع الطفل القانوني داخل الصين، مما يجعله بلا جنسية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية