فرنسا تواجه خطر الفراغ المالي وتأجيل موازنة 2026
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
منذ تأسيس الجمهورية الخامسة عام 1958، لم تشهد فرنسا سيناريو تأخر مقلق إلى هذا الحد في تقديم قانون المالية، إلى درجة احتمال العمل طوال العام بموازنة السنوات السابقة. واليوم، بعد أن مُدِّدَ الموعد النهائي لإيداع مشروع قانون المالية 2026 إلى غد الاثنين، تواجه الحكومة التي لم تتشكل بعد برئاسة سبيستيان ليكورنو اختباراً دستورياً يهدد بأن تتحوّل إلى حالة حكم مالي مؤقت، مع ما يصاحب ذلك من انعكاسات عميقة على الاقتصاد الفرنسي. ما يجري اليوم في فرنسا ليس مجرد تأخير إداري بل اختبار مؤسسي شائك، فإما أن تقدم الحكومة مشروع قانون جديد في مهلة ترضي النصوص الدستورية، وإما أن البلاد ستدخل في حالة فراغ قانوني ومالي لم تشهدها من قبل، مع انعكاسات مدمّرة على القدرة الاستثمارية والنمو والثقة في الدولة. الحل المؤقت وسيكون الحل المؤقت الوحيد المتاح أمام رئيس الحكومة سبيستيان ليكورنو هو اعتماد الاعتمادات "الاثني عشر"، وهي الآلية التي وضعت في عهد الجمهورية الثالثة في القرن قبل الماضي، عندما كان يؤجل إقرار قوانين الموازنة غالباً بسبب غياب ترشيد النظام البرلماني، وتعني تقسيم ميزانية السنة السابقة إلى اثني عشر جزءاً منظماً لصرف النفقات الشهرية بأوجه ثابتة، من دون تمكين إطلاق مشاريع جديدة أو التزام نفقات إضافية. التداعيات في فرنسا هذا الإجراء، وإن كان قانونياً، يعد إنذاراً اقتصادياً حقيقياً. فتمديد العمل بموازنة 2025 يعني عملياً تجميد كل النفقات الجديدة، من الاستثمارات في الطاقة والمناخ إلى خطط التعليم والصحة، ووقف التمويل الجديد للبلديات والإدارات المحلية. كما يُجمّد المخصصات المقررة لبرامج دعم الأسر منخفضة الدخل ومشاريع النقل والبنية التحتية، لأن أي زيادة أو تعديل في الاعتمادات يحتاج إلى قانون مالي جديد. كما سيترتب عنه تراجع ثقة المستثمرين والأسواق المالية، في وقت تشهد فيه البلاد انكماشاً في النمو وتراجعاً في القدرة الشرائية. فوكالات التصنيف مثل فيتش وموديز حذرت مراراً من أن أي خلل في اعتماد الموازنة أو تضارب سياسي حولها سيُعتبر مؤشر ضعف مؤسسي، ما قد يؤدي إلى خفض التصنيف الائتماني لفرنسا ورفع كلفة الاقتراض السيادي. ويُضاف إلى ذلك أثر مالي مباشر، فالوزارات لن تتمكن من إطلاق المناقصات والمشاريع الجديدة، مما يهدد بتجميد الاستثمارات العامة وتأخير خطط التحول الطاقوي التي كانت مقررة لدخول حيز التنفيذ في موازنة 2026. كما ستتضرر السلطات المحلية والشركات المتعاقدة مع الدولة، التي تعتمد على التحويلات الشهرية لضمان الاستمرارية التشغيلية.أما على مستوى الأسر، فغياب قانون المالية الجديد قد يؤخر صرف بعض الإعانات الاجتماعية والتخفيضات الضريبية الجديدة التي كان من المقرر اعتمادها ابتداءً من يناير 2026. تشاؤم البنك المركزي وفي أحدث مسح شهري للبنك المركزي الفرنسي، والذي صدر يوم الخميس 9 أكتوبر/تشرين الأول، وشمل نحو 8500 شركة بين 26 سبتمبر/أيلول و3 أكتوبر/تشرين الأول، أي قبل أيام قليلة من إعلان استقالة رئيس الحكومة المفاجئ. لم يُعدل البنك أرقامه للفترة من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول. وكان بنك فرنسا قد عدّل توقعاته للنمو إلى 0.7% في سبتمبر/أيلول، مقارنة بـ0.6% سابقاً. وأوضح محافظ بنك فرنسا المركزي، أوليفييه غارنييه، لصحيفة لا تريبيون الفرنسية: "في المتوسط ​​السنوي، لا يعتد بالربع الرابع. نمو بنسبة 0.7% أمر شبه مؤكد، إلا في حال وقوع حدث كبير". ومع ذلك، يظهر هذا النمو أن الاقتصاد يسير بوتيرة أبطأ. إذا وصل النمو إلى 0.7% هذا العام، فسيكون ثاني أسوأ أداء له منذ عام 2012، باستثناء الأزمة الصحية. قلق المركزي الأوروبي وكانت رئيسة المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد قد عبرت مؤخراً عن قلقها من عدم تقديم الميزانية الفرنسية في الوقت المناسب، مشددة على أن المؤسسات الأوروبية تتابع الوضع من كثب، وأن فرنسا مطالبة بالوفاء بالتزاماتها أمام الشركاء. كذلك، أعلن لوكورنو أنه قد يخفف من أهداف خفض العجز، مقترحاً عجزاً لميزانية 2026 بين 4.7% و5% من الناتج المحلي، بدل الهدف السابق البالغ 4.6%، وهو ما يعبر عن مرونة مفروضة نتيجة الواقع السياسي. ويُلزم الدستور الفرنسي في المادة 39، إلى جانب القانون التنظيمي للمالية، الحكومة بعرض مشروع الموازنة على مجلس الوزراء أولاً، ثم إيداعه أمام الجمعية الوطنية قبل أول الثلاثاء من أكتوبر. وإذا فشلت الحكومة في الالتزام بهذا الموعد، أو حتى بالتمديد الاستثنائي المحدد، فسيعتبر الأمر خرقاً للدستور، إذ يحرم البرلمان من أداء دوره في المناقشة والمراقبة المالية. في هذه الحالة، يصبح من الحق قانوناً أن يُلجأ إلى المجلس الدستوري لإثبات الخرق، وقد يمنح البرلمان أو الرؤساء البرلمانيون صلاحية الطعن في الوضع وإعلانه غير شرعي. سابقة تاريخية تاريخياً، ورغم بعض التأخيرات الجزئية، لم يضطر أي جهاز حكومي خلال الجمهورية الخامسة إلى العمل بعام كامل من دون موازنة جديدة. ففي عام 1979 تأخرت الموازنة بضعة أسابيع بسبب أزمة الأغلبية وتم اعتمادها فيما بعد، ثم لجأ إلى وضع بعض رؤساء الحكومات الآلية الديمقراطية جانباً ومرروا الجزء الأول من ميزانياتهم من دون تصويت في البرلمان عبر المادة 49.3. لكن التأخر هذه المرة يفوق كل سابقة، خاصة في ظل الفراغ الحكومي وعدم تشكيل تحالف برلماني واضح. وقد صرّح سيباستيان لوكورنو، رئيس الوزراء المكلف مؤخراً، يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول بأنه يجري مشاورات مع مختلف القوى البرلمانية، وهو يضع نصب عينيه عرض الموازنة قبل نهاية 2025، مؤكداً أن هناك "إرادة مشتركة" من عدد من الأحزاب لتحقيق ذلك.  وسيكون ليكورنو مجبراً على عرض مشروع الميزانية يوم الاثنين حتى وإن لم يكن هنالك حكومة مكتملة، ليضمن احترام الدستور.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية