
عربي
كيف يمكن لأرشيف رقمي أن يعيد الحياة لاسمٍ من الرعيل الأول من علماء المصريات، ويتيح منجزاً علمياً أمام الجمهور؟ تساؤلات تُطرح عند تصفّح مشروع أرشيف سليم حسن الرقمي الذي أعلنته أخيراً مكتبة الإسكندرية، في خطوة تبدو كأنها إعادة اكتشاف لعالمٍ مثّل أحد أعمدة تأسيس علم المصريات الحديث في مصر والعالم العربي. فالرجل الذي سخَّر حياته للتنقيب عن أسرار الحضارة المصرية القديمة، يعود هذه المرة عبر شاشة رقمية مفتوحة لكل من يرغب في التعرف إلى ملامح مشروعه العلمي.
الأرشيف الرقمي، الذي استغرق العمل عليه نحو عشر سنوات، تجربة معرفية متكاملة، ومحاولة فاعلة في حماية التراث المصري وتقديمه بمنهج جديد. يتضمن المشروع 3140 وثيقة متنوعة من مخطوطات كتبها سليم حسن بخط يده بالعربية والإنكليزية والفرنسية، إضافة إلى صور فوتوغرافية وخرائط دقيقة توثّق مراحل عمله في المواقع الأثرية. ومن خلال هذا الكمّ النادر من المواد، يمكن تتبّع تطور فكر أحد أبرز علماء القرن العشرين في مجال المصريات.
ويتناول الأرشيف موضوعات رئيسية متعددة، أبرزها حفائر هضبة الجيزة بين عامي 1929 و1939، حيث كشف العالم المصري عن أكثر من مئة مصطبة في الجبانة الشرقية، بينها الباب الوهمي للطبيبة الملكية لباششِت والمجموعة الجنائزية للملكة خنتكاوس. كما يضم المشروع مخطوطات لم تُنشر من قبل، مثل تلك الخاصة بنشر كشف الطريق الصاعد إلى هرم ونيس، وحفائره في سقارة موسم 1937-1938.
يتضمن 3140 وثيقة كتبها بخط يده بالعربية والإنكليزية والفرنسية
ولعل الأهم من الكم الهائل للوثائق، هو الروح التعليمية والبحثية التي نلمسها في الأرشيف الرقمي، إذ انبنى في أحد وجوهه على تدريبات عملية لطلاب الآثار والآداب والتاريخ على مدار أربع سنوات، ما جعلهم شركاء فعليين في تصنيف الوثائق وتوثيق التجربة العلمية لسليم حسن.
يعكس إطلاق هذا الأرشيف، ولو أنه متاح حالياً باللغة الإنكليزية فقط، تحوّلاً في مفهوم التوثيق الثقافي في العصر الرقمي، إذ تنتقل الذاكرة من رفوف المخازن الورقية إلى فضاء مفتوح يتيح للجمهور والباحثين التفاعل المباشر مع المادة العلمية. هكذا يتحوّل الأرشيف إلى منصّة معرفية حيّة تعيد وصل الماضي بالحاضر، وتضع منجز سليم حسن في سياق متجدد، يتيح قراءته بأدوات العصر، ويؤكد أن حماية التراث لا تنفصل عن تطوير وسائل عرضه وتداوله.
الجدير بالذكر أن هذه المبادرة ليست الأولى التي تستعيد إرث سليم حسن هذا العام، إذ سبق أن اختارته اللجنة العليا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، التي انعقدت في يناير/ كانون الثاني الماضي، شخصية الدورة الخامسة والخمسين، معتبرة أنّ له دوراً كبيراً في ترسيخ الهوية المصرية، وتجسيداً لقيم الانتماء الثقافي والاجتماعي في مصر بعد ثورة 1919.

أخبار ذات صلة.

"حلم ليلة سفر"... السيطرة على الجسد المهاجر
العربي الجديد
منذ 38 دقيقة