
عربي
لدى دونالد ترامب حلمٌ هو الانضمام إلى كوكبة الرؤساء الأميركيين الحائزين جائزة نوبل للسلام. ولا يُخفي زعيم حركة "لنجعل أميركا عظيمةً مجدّداً" رغبته في السير في خطى ثيودور روزفلت، وودرو ويلسون، وجيمي كارتر، وحتى منافسه اللدود باراك أوباما. وفي الأشهر الماضية، أصبح حلم الفوز بهذه الجائزة المرموقة هوساً دائماً عنده، وقد أعلن أخيراً أن عدم منحه إياها سيكون بمثابة "إهانة" للولايات المتحدة. لقد ازداد هوس دونالد ترامب بجائزة نوبل للسلام منذ عودته إلى السلطة، وصرّح في الجمعية العامة للأمم المتحدة: "الجميع يقولون إنني يجب أن أفوز بجائزة نوبل"، وها هو لا يحرزها أمس بإعلان منحها للناشطة الفنزويلية المعارضة ماريا كورينا ماتشادو.
يزعم ترامب أنه نجح في إنهاء سبع حروب، ويعطي أمثلة: وساطاته بين الهند وباكستان، وكمبوديا وتايلاند، ومصر وإثيوبيا، ورواندا والكونغو الديمقراطية، وصربيا وكوسوفو، لكنّ الخبراء يرونه يبالغ في دوره، إن لم يكن يخترعه أصلاً. وأخيراً، قال إن عدّاد الإنجازات قد يرتفع أكثر إذا نجحت جهوده لإنهاء الحرب في قطاع غزّة.
حاز باراك أوباما، الذي انتخب رئيسا للولايات المتحدة بصعوبة بالغة، في عام 2009، جائزة نوبل للسلام، رغم افتقاره لأيّ إنجازات تُذكر في العلاقات الدولية. وقد أثارت الجائزة التي مُنحت للرئيس الديمقراطي السابق، بعد تسعة أشهر فقط من توليه منصبه رئيساً، ولا تزال تثير جدلاً حادّاً. قال بعضهم إنه لم يكن له آنذاك سوى لون بشرته (علاوة على ذلك، لم يكن أسود البشرة، بل مختلط العرق)، وقد استفاد من هذا التمييز الإيجابي، من رمز جائزة نوبل، الذي أدّى إلى موجة من الأحلام، غير أن أوباما خيّب آمال كثيرين، وبفشله لعب دوراً كبيراً في وصول ترامب إلى السلطة عام 2016، وهذه قصّة أخرى.
ترامب مُتغطرسٌ في ادّعائه أنه قد حلّ بالفعل سبعة صراعات في العالم، لأن أيّاً منها لم يُحَلّ نهائياً بشكل واضح
وبلهجة ساخرة من سلفه أوباما، قال ترامب في أكتوبر/ تشرين الأول 2024: "لو كان اسمي أوباما، لكنت فزت بجائزة نوبل للسلام في عشر ثوان". اليوم، لا يستحقّ ترامب الجائزة بسبب لون بشرته، فهي تُمنح للأفعال لا للرموز، وهذا ما يفتقر إليه ترامب. بالطبع، غالباً ما يكون الرجل بغيضاً، وهو قادر على ارتكاب وحشية شديدة على الصعيدَين، السياسي والاقتصادي. ومن المرجّح أن تُكلِّفه حرب الرسوم الجمركية (قبل كل شيء) وقمع العمل الإنساني الأميركي في العالم، جائزة نوبل للسلام. كما أن استهدافه كل معارضي سياساته يمثّل سبباً آخرَ للقلق.
ترامب مُتغطرسٌ في ادّعائه أنه قد حلّ بالفعل سبعة صراعات في العالم، لأن أيّاً منها لم يُحَلّ نهائياً بشكل واضح. لكنّه مُحقٌّ في نقطةٍ رئيسة، أن تدخّل الإدارة الأميركية في جميع النزاعات كانت له نتائج عكسية في أحيان كثيرة، واعتماد ترامب على خطاب التهديد وتوقّفه عن بذل الجهود الدبلوماسية التي تتطلّب نفساً طويلاً، جعلا السياسات الخارجية للولايات المتحدة أقلَّ فاعليةً ممّا كانت عليه في السنوات الماضية.
لن يكون مفاجئاً فوز ترامب بجائزة نوبل للسلام العام المقبل ربّما، فتاريخ الجائزة لا يخلو من مفاجآت
كل يوم، وباعتباره رئيساً قوياً كما يحاول أن يبدو، يقدّم لنا الرجل في البيت الأبيض بياناً جديداً يضع العالم في حالة من الاضطراب. هل هناك مجالٌ يفلت من هجماته وقراراته وتهديداته؟ الجغرافيا السياسية، والاقتصاد، والإنسانية، والبيئة، والهجرة، والأقليات، والعدالة، والإدارة... كل شيء موجود هناك، ينسج فخّاً خبيثاً ودائماً، غير أن ترامب يشعر بنقص طالما لم يحصل على "نوبل للسلام" باعتباره مولعاً بشكل خاص بالجوائز والمكافآت، ولهذا ظلّ يردّد دائماً "مهما فعلت، لن أحصل على جائزة نوبل"، هذا ما عبّر عنه في يونيو/ حزيران في حسابه في "تروث سوشال". وفي فبراير/ شباط، أعلن بحضور بنيامين نتنياهو: "أستحقها، لكنّهم لن يمنحوني إياها أبداً".
لن يكون مفاجئاً فوز ترامب بجائزة نوبل للسلام العام المقبل ربّما، فتاريخ الجائزة لا يخلو من مفاجآت، إذ حصلت عليها شخصيات تُعرف بتحريكها صراعات وحشية أمثال وزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كيسنجر أو رئيس الوزراء الصهيوني مناحيم بيغن، غير أن هوس ترامب المبالغ فيه، وتلهّفه لنيل الجائزة، يجعلان الأمر يتجاوز أن يكون تتويجاً لمسار من الإنجازات في خدمة السلام، بقدر ما هو ترضية سياسية لشخصية جدلية عرفت بشراسة خطابها وتقلّب مواقفها، ونرجسيتها العالية.
