
عربي
تتعدد القراءات في الولايات المتحدة، لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخاصة بوقف حرب غزة والصعوبات التي يمكن أن تواجهها، وهو ما يشير إليه مسؤولون أميركيون سابقون ومحلّلون تحدثت معهم "العربي الجديد"، بينهم المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية البروفسير وليام لورانس، والخبير في الأمن القومي توم واريك، نائب مساعد وزير الأمن الوطني الأميركي السابق. وتجمع هذه القراءات، بشكل أو بآخر، على أن أسهل مراحل اتفاق غزة هي وقف النار المؤقت وتنفيذ عملية تبادل الأسرى الفلسطينيين والمحتجزين الإسرائيليين، نظراً لعدم ممانعة طرفي القتال، جيش الاحتلال وحركة حماس، في وقف النار مؤقتاً، بسبب الإنهاك من جهة، والضغوط الدولية على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الداخلية والخارجية من جهة أخرى، إلا أنه بحسب رأيه، فإن الشيطان لا يزال يكمن في الكثير من اتفاق غزة وبنوده العشرين، التي هي عبارة عن خطوط عريضة، تتطلب الكثير من البحث والنقاش والتفاوض، ويحتاج تنفيذها إلى قدرات تمويلية ولوجستية وبشرية هائلة، بينما تبقى كذلك عقبتان كبيرتان، هما موافقة "حماس" على تسليم السلام، ومناورات نتنياهو المعتادة.
وفي هذا الصدد، رأى الدبلوماسي الأميركي السابق، البروفسير وليام لورانس، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إن إطلاق سراح المحتجزين في غزة، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق غزة التي تمّ التوصل إليها، يمثل تحولاً كبيراً في المفاوضات، لكنه شدّد على أن خطة ترامب المكونة من 20 نقطة، "هي ليست خطة سلام أو اتفاقاً أمنياً، وإنما مجرد إطار للتفاوض ومجموعة من الأهداف والمبادئ تعيد الأطراف إلى مناقشات سابقة"، محذراً من أن التحديات السياسية والأمنية لا تزال تعيق التقدم نحو حلّ مستدام، وأن "هناك العديد من الأسئلة الرئيسية، أحدها حول كيفية أن يتماشى الخفض التدريجي لأسلحة حماس مع الانسحاب التدريجي للقوات الإسرائيلية"، إضافة إلى قضايا أخرى متعلقة بالحكم السياسي وترتيبات الأمن التي يجب التفاوض بشأنها.
توم واريك: الفارق بين اتفاق يناير والاتفاق الحالي، هو هزيمة إيران
وفي هذا السياق، قارن لورانس بين مفاوضات وقف النار الحالية، ومفاوضات يناير/كانون الثاني 2025، قائلاً إن "ما حدث بين يناير والآن، هو أن إدارة ترامب أجبرت اليوم إسرائيل على ترتيبات كانت إدارة جو بايدن تتفاوض بشأنها لكنها فشلت في تنفيذها"، معتبراً أن الأطراف تستمر في العودة إلى الترتيبات القديمة مثل نشر القوات وغيرها. وأضاف: "يبدو الأمر أكثر ارتباطاً بالخطة القديمة عندما تتحدث الأطراف عنها، وأقل اقتراباً من نقاط خطة ترامب العشرين". وأشار إلى أن ما تحقق من الخطة (الجديدة) حتى اللحظة هي "نفس الأفكار التي حدثت في اتفاق يناير 2025"، مع فارق إطلاق سراح جميع الرهائن دفعة واحدة هذه المرة. وبرأيه، فإن هذا الأمر يعدّ تطوراً مهماً بارزاً مقارنة بالمفاوضات السابقة في يناير، وهو لم يتم نتيجة المفاوضات بقدر ما جاء بسبب تغير الظروف على الأرض. وقال حول ذلك إن "السبب الرئيسي هو أن حماس وجميع الأطراف الأخرى استنتجوا أن الرهائن لم يعودوا ورقة ضغط بل أصبحوا عبئاً، لذا احتاج المدافعون عن المصالح الفلسطينية إلى البحث عن أوراق تأثير وتفاوض أخرى".
نقاط قابلة للتطبيق في اتفاق غزة
رغم ذلك، أعرب لورانس عن أمله في إحراز تقدم، وباعتقاده فإن الهدنة جيّدة، وقد تؤدي على الأقل إلى تقليل عدد الضحايا، "لكن معظم العمل لم ينجز بعد"، وفق تعبيره. وفي هذا الصدد، أبدى تفاؤلاً حذراً بشأن تحقيق عدد من نقاط اتفاق غزة خلال الأيام والأسابيع المقبلة، تشمل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى والنقطتين المتعلقتين بالمساعدات الإنسانية، مؤكداً في الوقت ذاته أن النقاط الأخرى مثل نزع سلاح حماس أو انسحاب إسرائيل، معقدة للغاية ولم تناقش بعد. وبرأيه، فإن "من يعتقد أن حماس ستتخلى بسهولة عن سلاحها أو أن إسرائيل ستغادر غزة فوراً لا يفهم مواقف الطرفين"، موجهاً انتقادات لتركيز إدارة ترامب "الكبير" على الأجوبة الاقتصادية على حساب الترتيبات الأمنية والسياسية.
وشدّد من ناحية أخرى على أن "الضغوط الدولية والعربية، إلى جانب التغييرات في الرأي العام الأميركي، قد تكون حاسمة لضمان احترام اتفاق غزة وتحقيق تقدم نحو حل مستدام". أما أهم شيء، فهو أن "ترامب بات يضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقبول (بوقف النار)، بينما جاء الضغط على حماس من مصر والدول العربية الأخرى"، موضحاً أن عوامل عدة ساهمت في ما تحقق حتى الآن، وتشمل "رغبات ترامب وضغوط الرأي العام الإسرائيلي ودعم الدول العربية والاعتراف الأوروبي المتزايد بفلسطين"، مذكّراً أيضاً بـ"التغييرات التي طرأت داخل حركة ماغا (حركة ترامب – لنجعل أميركا عظيمة مجدداً) في الولايات المتحدة التي أصبح نصف أنصارها، إضافة إلى أغلبية مؤيدي ترامب تحت سن الأربعين، يرون أن الحرب في غزة هي إبادة جماعية ويريدون إنهاءها". ولذلك، فقد أعرب عن اعتقاده بأنه إذا انتهك نتنياهو وقف إطلاق النار كما فعل في مارس/آذار الماضي بحجج واهية، فستكون "هناك طرق غير مسبوقة وضغوط أكبر عليه"، مبدياً تخوفه في الوقت ذاته من طبيعة ترامب الذي "يركز على الضجة الإعلامية أكثر من استدامة الاتفاق". وقال: "ترامب ليس شخص التفاصيل، تهمه التقارير الإعلامية أكثر من استدامة الاتفاق".
بدوره، اعتبر الخبير في الأمن القومي توم واريك، الذي عمل سابقاً نائباً مساعداً لوزير الأمن الوطني الأميركي، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن التقدم في مفاوضات غزة يمثل خطوة إيجابية، لكنه شدّد على أن التحديات الكبيرة التي تواجه تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق غزة تتطلب "تعاوناً دولياً واسع النطاق وإرادة سياسية قوية"، مشيراً إلى أن الزيادة الكبيرة في المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح المحتجزين والاتفاق على وقف النار كلّها "تطورات مرحب بها للغاية، لكن نجاح الخطة يعتمد بشكل كبير على تخلي حماس عن أسلحتها، وهو أمر قد لا توافق عليه"، بحسب اعتقاده.
كريس لابيتنا: نتنياهو يواجه ضغوطاً لكنه قد يبحث عن طرق للحفاظ على سيطرة إسرائيل على غزة والضفة، وهو لا يريد سلاماً حقيقياً مع الفلسطينيين
وبرأيه، فإن الشرط الأساسي للمضي قدماً هو أن تتخلى حماس عن أسلحتها، ما يدور حوله شكوك. وأوضح: "لقد رأينا علامات، كما رأى الجميع، تشير إلى أن حماس تحاول الاحتفاظ بما تسميه أسلحة دفاعية، لكن حتى هذه لن يسمح بها"، معتبراً أنه من المهم لنجاح خطة ترامب، أن تكون الدول "مستعدة لتقديم الآلاف من قوات حفظ السلام لتوفير الأمن لكل من الغزّيين والإسرائيليين ولبدء الإعمار المادي والاجتماعي في غزة. ولفت إلى أن هذا الأمر "قد يحتاج إلى المضي قدماً بغض النظر عمّا تفعله حماس، مع فكرة أن الهيئة الدولية الانتقالية لغزة يمكن أن تتولى المناطق التي لا توجد فيها حماس حال رفضها الخطة الحالية".
ويعمل واريك زميلاً أقدم في مبادرة أدريان للأمن القومي في برنامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي، وكان عمل سابقاً على ملفي إيران والعراق إبان عمله في الخارجية الأميركية. وحول الفارق هذه المرة بين خطة فريق ترامب والخطط السابقة والتي شارك في إعداد إحداها واطلع على البقية، قال: "الأمر ليس سهلا. كنت جزءا من مجموعة كتبت خطة سيناريوهات ما بعد حرب غزة في مايو/أيار 2024، وهناك خطة دولة الإمارات في يوليو/تموز 2024، وهناك خطة (وزارة الحرب الأميركية) البنتاغون في أكتوبر 2024، وهناك خطة في البنتاغون لا تزال في خزنة ما، وتصف كيف يجب أن يتم تجميع قوة الأمن الدولية، لذلك نعم هذه الأفكار موجودة منذ فترة، ولكن الفارق اليوم هو أنه يبدو أن شيئاً يحدث بالفعل. كثيرون منّا يرون أن لدينا كل هذه المناقشات حول الأفكار، لكن حتى يدعم الرئيس الأميركي إحدى الخطط، فإن الأفكار تبدأ مناقشتها بجدية". أما السؤال الأهم الآن فيتعلّق برأيه، بنوع الحوكمة الدولية لغزة بمشاركة مباشرة من لجنة فلسطينية من غير أعضاء حماس، لذا "يجب أن نبدأ الآن في التركيز على أسئلة مثل: ما حجم الميزانية؟ من أين ستأتي الأموال؟ من سيساهم بالقوات لهذه القوة الأمنية الدولية؟". وأوضح أن "فشل الخطط السابقة ارتبط بما إذا كان الرئيس الأميركي سيلتزم بتنفيذ خطة للسلام، وكان بايدن يعارض حينها فكرة وجود قوات أميركية على الأرض في غزة، وكذلك ترامب، لكن حالياً ترامب التزم بهيبته الشخصية برئاسة مجلس السلام بطريقة تعطي الدول الأخرى ضمانات بأن اتفاق غزة هذه المرة سيحظى بدعم الولايات المتحدة".
وفي ما يخص دور ترامب والمدى الطويل الذي قد تستغرقه المفاوضات بما قد يعقّد رؤيته أو يغيّر موقفه، رأى واريك أن "(المبعوث الأميركي) ستيف ويتكوف مبعوث سلام ناجح، وبالتالي هو وفريقه يتولون إدارة التفاصيل بينما يتولى الرئيس الصورة الكبرى العامة، لكن هناك بعض الاختلافات على رأسها أنه مثلاً في الإدارات السابقة، كان الرئيس يلجأ أحياناً إلى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو أس أس إيد) للاستفادة مثلاً من دورها في تقديم المساعدات الإنسانية، لكن هذه البنية التحتية لم تعد موجودة، ولذا ستضطر دول أخرى إلى التدخل وتقديم مساعدات إنسانية إضافية".
وأشار أيضاً إلى خطة رئيس الحكومة البريطانية الأسبق توني بلير، لغزة، والتي أوضح أن "لها جذوراً في أفكار كانت متداولة في خطط أخرى قديمة". وبرأيه، فإن الفارق بين اتفاق وقف النار في يناير والاتفاق الحالي، "هو هزيمة إيران في حرب الـ12 يوماً (يونيو الماضي). أما عن الضمانات للفلسطينيين، فاعتبر أن الوضع الحالي "نسّميه قيادة أميركية دون ملكية أميركية، لذا سيكون هناك العديد من تفاصيل التنفيذ متروكة للدول العربية والإسلامية أو الغربية، ويجب أن أوضح هنا أنه لا توجد ضمانات بالمعنى الحرفي بل سلسلة من الالتزامات، بمعنى أن إسرائيل لا تضمن سحب قواتها، ولكنها ستلتزم بذلك إذا تخلت حماس عن أسلحتها وإذا قدمت دول أخرى قوات حفظ سلام وأنشأت الهيئة الانتقالية، وهذا يعتمد على أن يفي الجميع بالتزاماتهم".
انتصار جزئي وتحديات كبيرة
من جهته، وصف المحلل السياسي الأميركي كريس لابيتنا، في حديث لـ"العربي الجديد"، اتفاق غزة بأنه "خطة سلام جزئية" تهدف إلى إنهاء القتال بشكل مؤقت، دون معالجة القضايا الجوهرية التي تؤثر على الاستقرار الدائم في المنطقة، مضيفاً أن اتفاق غزة يعد "انتصاراً سياسياً كبيراً للرئيس ترامب في أعين المراقبين السياسيين والمجتمع اليهودي الأميركي خصوصاً". وأوضح أن الاتفاق على إيقاف القتل بين حماس وإسرائيل يمثل "الجزء السهل" من العملية، حيث يبدو أن كلا الطرفين وصلا إلى نقطة الإرهاق من الصراع، ومع ذلك، أكد أن الأسئلة الصعبة مثل "إعادة إعمار غزة، حكمها، ودور إسرائيل في السيطرة عليها، لا تزال من دون إجابات واضحة". وبرأيه، فإن "التحدي الحقيقي يكمن في الخطوات التالية"، لافتاً إلى أن "الخطة ذات العشرين نقطة تتطرق إلى القضايا بشكل سطحي، لكنها لا تقدم حلولاً ملموسة". وأشار إلى أن الوضع سيظل غامضاً حتى تقييمه بعد عام من الآن، مضيفاً أن "دول الخليج بحاجة إلى السلام، لأن استمرار الصراع يسبب الكثير من الدمار، والاتفاق يمثل انتصاراً لهم ولترامب على المستوى الشخصي".
عمرو صلاح: الجزء الأصعب من الاتفاق، هو من سيحكم غزة
وفي ما يتعلق بضمانات استمرار وقف النار، أكد لابيتنا أن الاتفاق يفتقر إلى أي ضمانات حقيقية، بل يعتمد بشكل أساسي على رغبة الطرفين في إنهاء القتال حالياً. وقال: "حماس أضعِفت بشكل كبير، وتم تدميرها إلى حد كبير، أما بالنسبة لنتنياهو، فهو يواجه ضغوطاً من ترامب ودول الخليج لإنهاء الحرب، لكنه قد يبحث لاحقاً عن طرق للحفاظ على سيطرة إسرائيل على غزة والضفة الغربية"، مشيراً إلى أن نتنياهو، لا يريد سلاماً حقيقياً مع الفلسطينيين، وهو ما تدعمه به غالبية الإسرائيليين، ما يعزّز بقاءه في السلطة، وفق اعتباره.
أما البروفسير عمرو صلاح، المحاضر في كلية جيمي كارتر للسلام وحلّ النزاعات بجامعة جورج ميسون، فاعتبر في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن الاتفاق "خطوة مرحلية في اتجاه وقف القتال ومنع استمرار تدهور الأوضاع ومنع تمكين إسرائيل من احتلال غزة أو تنفيذ خطة التهجير، وهو في حدّ ذاته إنجاز كبير"، مشيراً إلى أن المجموعة العربية كان لها دور كبير في الوصول إلى هذه الصيغة من الاتفاق. لكن شدد على أن التحدي الأكبر هو ما إذا كان هذا الاتفاق سيؤدي إلى وقف شامل ونهائي للحرب.
وأشار صلاح، إلى أن الجزء الأصعب من الاتفاق، وهو من سيحكم غزة، يبدو أنه لم يحسم بعد. وقال: "لدينا نقاش المجلس الانتقالي المسؤول عن إعادة الإعمار وتنظيم دخول المساعدات وإعادة الحياة إلى غزة وغيرها، والأسماء المحتملة مثل توني بلير وغيره، فهناك الموقف الإسرائيلي الرافض لحكم السلطة الفلسطينية، بينما يبدو أن هناك موقفاً عربياً يفضل السلطة الفلسطينية أو طرفاً قريباً منها، وهناك محاولة أميركية للوصول إلى حل وسط من خلال المجلس الانتقالي، وبرأيي فإنه سيكون هناك قدر كبير من التحدي للوصول لاتفاق حول هذا الأمر". وأكد صلاح، الباحث المتخصص في صراعات وسياسات الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي، والباحث غير المقيم بمعهد الشرق الأوسط، أن هناك تحديات كبيرة أيضاً للوصول إلى صيغة متعلقة بنزع سلاح الفصائل ووضع الفصائل المختلفة، إضافة إلى أسئلة حول الدعم المالي والتمويل، مبدياً تخوفه أيضاً مما وصفه بـ"طاقة ترامب وتغير الأمزجة" و"عدم وجود استراتيجية شاملة واضحة وطويلة المدى لدى الأميركيين"، ومن "ضغوط نتنياهو" الذي لا يزال في موضع قوة خصوصاً أن قواته لا تزال في غزة. وأوضح أن "مراقبة نتنياهو منذ التسعينيات تشير إلى خبرته وقدرته الكبيرة في المناورة واللعب بالتفاصيل والهرب منها، وفي استغلال أدوات القوى على الأرض".
