
عربي
وصف المحلل السياسي الأميركي كريس لابيتنا، اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بأنه "خطة سلام جزئية" تهدف إلى إنهاء الحرب مؤقتاً، دون معالجة القضايا الجوهرية التي تؤثر على الاستقرار الدائم في المنطقة، مضيفاً في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن "الاتفاق يعد انتصاراً سياسياً كبيراً للرئيس الأميركي دونالد ترامب في أعين المراقبين السياسيين والمجتمع الأميركي اليهودي، ولكن قد لا يحظى باهتمام كبير من الأميركيين العاديين الذين لا يهتمون عادة بالسياسة الخارجية".
وأوضح لابيتانا أن الاتفاق على وقف الحرب يمثل "الجزء السهل" من العملية، إذ يبدو أن إسرائيل وحركة حماس وصلا إلى "نقطة الإرهاق من الصراع"، ومع ذلك، أكد أن الأسئلة الصعبة مثل إعادة إعمار غزة، وحكمها، ودور إسرائيل في السيطرة عليها لا تزال مطروحة دون الحصول على إجابات واضحة.
وأضاف المحلل السياسي الأميركي خلال حديث مع "العربي الجديد": "التحدي الحقيقي يكمن في الخطوات التالية، إذ تظل الأسئلة الكبرى دون إجابات واضحة، وهذه الخطة ذات العشرين نقطة تتطرق إلى هذه القضايا سطحياً، لكنها ستتضح مدى فعالية هذه الخطة في تحقيق استقرار دائم. وأضاف أن "دول الخليج ترى في السلام وسيلة لتجنّب الدمار وتعزيز الاستقرار في المنطقة، وأنها بحاجة إلى السلام، لأن استمرار الصراع يسبب الكثير من الدمار، وهذا الاتفاق يمثل انتصاراً لهم ولترامب على المستوى الشخصي".
وفي ما يتعلق بضمانات استمرار وقف إطلاق النار، أكد لابيتانا أن الاتفاق يفتقر إلى أي ضمانات حقيقية، وأنه يعتمد أساساً على رغبة الطرفين في إنهاء الحرب في الوقت الحالي، وقال: "حماس أُضعفت، ودُمرت إلى حد كبير، أما بالنسبة لنتنياهو (رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين) فهو يواجه ضغوطاً من ترامب ودول الخليج لإنهاء الحرب، لكنه قد يبحث لاحقاً عن طرق للحفاظ على سيطرة إسرائيل على غزة والضفة الغربية"، مشيراً إلى أن نتنياهو "لا يريد سلاماً حقيقياً مع الفلسطينيين، ويعتقد أن غالبية الإسرائيليين تدعمه في هذا الموقف، ما يعزّز بقاءه في السلطة".
وشدّد لابيتانا على أن الاتفاق الحالي هو مجرد توقف مؤقت للحرب، وليس حلاً شاملاً للمشكلة الفلسطينية التي تعود جذورها إلى عام 1948، وقال: "ترامب يقدم هذا الاتفاق وكأنه يحقق السلام النهائي في الشرق الأوسط، لكنّه لم يثبت بعد أنه قادر على معالجة التحديات الكبرى (...) الاتفاق يعطي بعض الوقت للطرفين، لكنه لا يحلّ المشكلة الأساسية"، مضيفاً أن النجاح الحقيقي سيعتمد على كيفية التعامل مع الأسئلة الصعبة المتعلقة بإعادة إعمار غزة، حكمها، ومستقبل العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين، وهي القضايا لا تزال دون حلول واضحة في الخطة الحالية.
البروفسور صلاح: التحدى الأكبر إذا ما كان اتفاق غزة سيؤدي إلى وقف نهائي للحرب
من جانبه، قال البروفسور عمرو صلاح المحاضر في كلية جيمي كارتر للسلام وحل النزاعات بجامعة جورج ميسون في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إنّ الاتفاق "خطوة مرحلية في اتجاه وقف القتال ومنع استمرار تدهور الأوضاع ومنع تمكين إسرائيل من احتلال غزة أو تنفيذ خطة التهجير"، معتبراً أن الأمر في حدّ ذاته "إنجاز كبير"، وأشار إلى أن دور المجموعة العربية الكبير في الوصول إلى هذه الصيغة من الاتفاق، لكن شدّد على أن "التحدي الأكبر هو ما إذا كان هذا الاتفاق سيؤدي إلى وقف شامل ونهائي للحرب".
وأشار صلاح، إلى أن "الجزء الأصعب من الاتفاق يبدو أنه لم يحسم به"، وقال "السؤال حول من سيحكم غزة يبدو أنه لم يحسم بعد. لدينا نقاش المجلس الانتقالي المسؤول عن إعادة الإعمار وتنظيم دخول المساعدات وإعادة الحياة إلى غزة وغيرها، والأسماء المحتملة مثل توني بلير وغيره (...) هناك الموقف الإسرائيلي الرافض لحكم السلطة الفلسطينية، بينما يبدو أن هناك موقفاً عربياً يفضل السلطة الفلسطينية أو طرفاً قريباً لها، وهناك محاولة أميركية للوصول إلى حل وسط من خلال المجلس الانتقالي، ورأيي أنه سيكون هناك قدر كبير من التحدي للوصول لاتفاق حول هذا الأمر".
وأكد صلاح الباحث المتخصّص في صراعات وسياسات الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي، والباحث غير المقيم بمعهد الشرق الأوسط، أن "هناك تحديات كبيرة أيضاً للوصول لصيغة متعلقة بنزع سلاح الفصائل ووضع الفصائل المختلفة، إضافة إلى أسئلة حول الدعم المالي والتمويل"، وقال "ما طرحه الرئيس ترامب خطوط عريضة ولا تمثل خطة أو اتفاقية. هي مبادئ وخطوط عامة وتصور، والوصول لاتفاق سيحتاج إلى وقت، والشيطان يكمن كما في التفاصيل"، وتابع "علينا أن نفرح في الوقت الحالي بوقف المقتلة، فهذا إنجاز كبير في الوقت الحالي، والمجموعة العربية ستضغط باتجاه ما ونتنياهو سيضغط من الجانب الآخر".
وأبدى خوفه مما وصفه "طاقة ترامب وتغيّر الأمزجة" و"عدم وجود استراتيجية شاملة واضحة وطويلة المدى لدى الأميركيين"، ومن "ضغوط نتنياهو" الذي لا يزال في موضع قوّة خاصة أن قواته لا تزال في غزة، وقال "مراقبة نتنياهو منذ التسعينيات تشير إلى خبرته وقدرته الكبيرة في المناورة واللعب بالتفاصيل والهرب منه، وفي استغلال أدوات القوى على الأرض".
وحول رؤيته لخروج الأسرى مرة واحدة، قال "قد تكون نقطة قوة وليس ضعفاً، خاصة أن سياسة الإفراج على مراحل لم تنجح في الوصول لاتفاق شامل. واليوم لن تكون هناك مدة زمنية طويلة لإفساد الاتفاق"، واستشهد باتفاقيتَي أوسلو الأولى والثانية مع وجود اختلاف جوهرية، إذ كانت الأولى على مراحل ما أدى لإفسادها بسهولة بينما كان التنفيذ على مرحلة واحداً سبباً في نجاح الثانية، وأضاف "التنفيذ مرة واحدة قد يكون ميزة لمنع محاولات إفشال الاتفاق، خاصّة مع الضغط الدولي والامتعاض الدولي ضد نتنياهو ما قد يؤدي هذه المرة إلى نتائج أفضل من اتفاق يناير لكن التخوفات كلّها من محاولات نتنياهو للتهرّب من الوصول لاتفاق في ظل عدم وجود ضمانات تضمن التزامه".
