بصيص أمل في أزمة فرنسا: اليسار منفتح على "التعايش" لإنقاذ ماكرون
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
على وقع المُهل المتلاحقة، ينتظر الفرنسيون، هذا الأسبوع، نهاية للأزمة الجديدة التي أحدثتها استقالة رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو، يوم الاثنين الماضي، بعد ساعات قليلة من إعلان تشكيلته الحكومية، التي بدت استحالة تعايشها منذ اللحظة الأولى بسبب خلافات "الرؤوس الحامية" بداخلها، وصعوبة حُكمها لاحقاً في ظلّ الانقسامات داخل البرلمان. وبينما أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون، مساء الأربعاء، أنه سيُعيّن رئيس حكومة جديداً خلال 48 ساعة، بعدما طلب من لوكورنو إجراء محادثات مع القوى السياسية، بدا ذلك فرصة جدّية للرئيس للخروج للمرة الأخيرة من أزمة فرنسا والنفق المظلم الذي لا تزال تعيشه ولايته الثانية منذ أن أخذ البلاد إلى انتخابات برلمانية مبكرة العام الماضي، ساهمت في تراجع كتلته ومؤيديها داخل البرلمان. يطالب اليسار بالتراجع عن إصلاح التقاعد والمعاشات أزمة فرنسا تنتظر المهل وتتجه الأنظار إلى الاسم الذي سيكلّفه ماكرون لرئاسة الحكومة الثامنة في عهده منذ عام 2017. وبينما سيكون أي اسم من اليمين محفزّاً لاستمرار ضغط الشارع والأحزاب المعارضة، يطرح اليسار حلّاً للأزمة، عبر التعايش بين الرئاسة والحكومة التي يجب أن يكون رئيسها من صلبه، ويحمل ذلك في طيّاته على الأرجح "كبش محرقة"، ليس معلوماً ما إذا كان الإليزيه مستعداً لدفعها، ما قد يطيح خطط فريق ماكرون التقشفية، أو قانون نظام التقاعد، الذي مرّرته رئيسة الحكومة السابقة إليزابيث بورن في 2023، ويعتبره حزب ماكرون (النهضة)، أكبر إنجازاته. غير ذلك، فإن الأزمة تبقى مفتوحة على كلّ الاحتمالات، ومن بينها دعوة ماكرون إلى انتخابات مبكرة جديدة، أو استقالته، وهو أمر لا يزال مستبعداً، لكن كلاً من اليمين المتطرف واليسار الراديكالي يضغطان من أجله بشدّة، حيث يشعر كل منهما اليوم بفرص كبيرة لوصول فريقه إلى الرئاسة. وحتى يوم أمس، ظلّت أزمة فرنسا السياسية مفتوحة على كلّ الاحتمالات بعد استقالة لوكورنو، الذي أبقى، أول من أمس، إثر مشاوراته مع الأحزاب في البرلمان التي قبلت لقاءه (رفض اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان وحزب فرنسا الأبية اليساري الراديكالي بقيادة جان لوك ميلانشون الاجتماع به)، في مقابلة على قناة تي أف 1، الباب مفتوحاً أمام إمكانية تنفيس الاحتقان وإيجاد تسوية بشأن الميزانية. واعتبر لوكورنو أن مشاوراته أفضت إلى قناعة لديه بأن خيار الانتخابات المبكرة تراجع، وأن هناك إمكانية جدّية للوصول إلى حلول وسط وتشكيل حكومة جديدة، مؤكداً أنه لن يكون رئيسها. لكن لوكورنو، الذي أبقى على الغموض بشأن "التنازلات" التي يمكن تقديمها للوصول إلى أن تحظى أي حكومة مقبلة بدعم في البرلمان، حذّر من أن أي خلف له يجب أن يكون متحللاً من الطموحات الرئاسية لعام 2027. هذه الإشارة فُهم منها أنه ربما يكون قد نصح ماكرون بعدم اختيار شخصية من اليمين، أي من حزب الجمهوريين، الذي لا يملك في البرلمان اليوم أكثر من 46 نائباً، وهو ينصبّ نفسه باعتباره شبكة أمان للرئاسة، ضمن ما يعرف بـ"الكتلة الوسطية" أو "الركيزة الوسطية"، والتي أكد لوكورنو، أول من أمس، أنها "لم تعد موجودة"، متحدثاً أيضاً عن "وجود الكثير من المعارضات"، ووجود "برلمان مبعثر". مسألة التضخم تقضّ مضاجع الفرنسيين منذ مرحلة وباء كورونا وقدّم لوكورنو استقالته، يوم الاثنين الماضي، بسرعة صادمة، بعد ساعات من إعلان تشكيلته الحكومية، التي حافظت على أسماء من الحكومة السابقة برئاسة فرانسوا بايرو، وضمّت وزير الداخلية برونو روتايو، وهو رئيس حزب الجمهوريين، وبرونو لومير، وزير الاقتصاد والمالية السابق الذي عيّنه لوكورنو وزيراً للدفاع، ما فجّر الأزمة داخل صفّ اليمين نفسه، نظراً لخلافات الرجلين، اللذين يطرح كلّ منهما نفسه أيضاً مرشحاً دائماً للرئاسة المقبلة. صعوبة التعايش داخل الحكومة المعلنة، وعدم حملها أي أسباب جديدة كان يمكن إقناع تحالف اليسار بها، المكون من الاشتراكيين والخضر والشيوعيين وحزب فرنسا الأبية، جعل إمكانية استمرارها شبه مستحيلة. هذا الوضع المعقد، الذي هو في صلبه أزمة فرنسا التي تُضاف إليها مسألة التضخم التي تقضّ مضاجع المواطنين منذ مرحلة وباء كورونا، انبرى اليسار الممثل بأحزاب الاشتراكي والخضر والشيوعيين، خلال اليومين الماضيين، إلى طرح حلول للخروج منه، وربما إنقاذ الرئاسة، مؤكدين بصفتهم فريقاً يملك أكثر من 190 نائباً في البرلمان، حقّهم في الحكم عبر ما يسّمى التعايش الحكومي الرئاسي. اليسار مستعد لمناقشة التعايش ورغم رفض "فرنسا الأبية" وميلانشون ذلك بشدّة، مؤكداً على منصة "إكس"، أول من أمس، أن الفرصة سانحة بشدّة للتخلص من الرئيس، فإن الأطراف الباقية في التحالف اليساري أكدت جميعها، أول من أمس، بدءاً من الأمين العام للحزب الاشتراكي أوليفييه فور، استعدادها لمناقشة فكرة التعايش، وهي تطلب على الأقل "كبش فداء"، مؤكدة عدم قدرتها على تحمل المضي بمشاريع ماكرون التقشفية. هذا الأمر فتح الباب أمس على سؤال رئيسي، وهو عما إذا كان ماكرون قادراً على تحمل رئيس حكومة يساري، أم سيمارس العناد مجدداً باختيار اسم مستفز من اليمين أو من حزبه. أما السؤال الأهم الذي ظلّ عالقاً، وردّده الجميع، حول ما إذا كان الرئيس مستعداً للبحث في التراجع عن قانون إصلاح نظام التقاعد، الذي يطالب اليسار برأسه، للمساهمة في حلّ أزمة فرنسا الحكومية. علماً أن إليزابيث بورن، نفسها، التي مرّرت القانون في 2023، أعلنت لصحيفة لوباريزيان أخيراً، أن الأزمة تستأهل الوصول إلى تنازلات، وأن القانون يمكن العودة عنه. كما أن إصلاح قانون المعاشات، الذي كان سلف لوكورنو قد طرح فيه تجميد معاشات التقاعد، وعدم لحاقها بركب التضخم المتواصل، لا يرغب اليسار أيضاً بالسماع به، وهو أمر بالنسبة لهذا الفريق يرتبط بقدسية العقد الاجتماعي في فرنسا وبحياة الفرنسيين. وحتى جلاء اسم رئيس الحكومة الذي سيختاره الرئيس الفرنسي مجدداً، ما سيكشف عن حجم قدرته على التراجع عن مشروعه الاقتصادي الذي كان قد بنى عليه في 2017 صعوده للرئاسة، تبقى العقد حاضرة في المشهد، لا سيما أيضاً مع تعنت رجال الأعمال، وفريق اليمين، ورفضهم المساس بالإصلاحات الاقتصادية، وهم يتحضرون أيضاً للضغط على الإليزيه، لا سيما مع اعتبار أنفسهم، وخصوصاً رجال الأعمال والشركات الكبرى، المحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد الفرنسي، الذي يئن تحت وطأة ديون الدولة الفرنسية. كما أن إحدى المسائل العالقة تتمثل بإمكانية زيادة الضرائب على الأثرياء، وهو المطلب الأول التي حرّك التظاهرات الشعبية والنقابية خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، وشهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.  

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية