
عربي
ينتظر مجلس الشعب السوري الذي انتُخب أعضاؤه بطريقة غير مباشرة وبنظام مختلط يوم الأحد الماضي، الكثير من المهمات، من إقرار قوانين جديدة صدرت بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى مراجعة قوانين سابقة، فضلاً عن نقل الكباش السياسي الحاصل في البلاد إلى تحت قبة بناء "الصالحية" في العاصمة دمشق، الذي ظلّ لأكثر من نصف قرن حكراً على حزب السلطة البائدة التي جعلت من المجلس ديكوراً سياسياً لا قيمة له.
تساؤلات حول مهام مجلس الشعب السوري
أثارت العملية الانتخابية في سورية، وما تزال، الكثير من الأسئلة عن قدرة مجلس الشعب السوري الجديد على سدّ الفراغ التشريعي في البلاد التي تواجه تحديات كبيرة عسكرية وسياسية واقتصادية، في ظلّ استقطاب طائفي وعرقي، تشهده البلاد التي لم تتغلب بعد على مخاطر التقسيم والتجزئة. ولم تأخذ العملية طابعاً حزبياً، فكل المرشحين محسوبون على تيار المستقلين نظرياً، وينظر إليهم على أنّهم موالون إلى حد بعيد للسلطة الجديدة، ما يطرح أسئلة عن مدى القدرة على الممارسة الديمقراطية الكاملة في المجلس، كما في الكثير من برلمانات العالم، خصوصاً لجهة تشكيل تكتلات سياسية سواءً كانت موالية للسلطة أو معارضة لها، فيما برز حديث المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات، أول من أمس، بقوله إنّ وظيفة البرلمان الأساسية أن "يكون داعماً للحكومة ومراقباً لعملها".
وأصدرت اللجنة العليا لانتخابات المجلس، الاثنين الماضي، نتائج العملية الانتخابية التي جرت الأحد وتنافس فيها 1578 مرشحاً شكّلت النساء 14% منهم، موزعين على خمسين دائرة انتخابية، فحصلت محافظة حلب على 32 مقعداً، وريف دمشق على 12 مقعداً، وحمص على 12 مقعداً، وحماة على 12 مقعداً، واللاذقية على 7 مقاعد، وطرطوس على 5 مقاعد، ودير الزور على 10 مقاعد، ودرعا على 6 مقاعد، وإدلب على 12 مقعداً، والقنيطرة على 3 مقاعد. وتعذر إجراء الانتخابات في محافظة السويداء جنوب سورية، وفي المناطق الخاضعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في شمال شرقي البلاد، لأسباب أمنية.
وجرت هذه الانتخابات، وهي أول عملية انتخابية في سورية بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، بأجواء هادئة لم يعكّر صفوها أي حادث أمني. وجرى انتخاب 140 عضواً من خلال هيئات ناخبة في المحافظات أي ثلثي الأعضاء، بينما "يعيّن رئيس الجمهورية ثلث أعضاء مجلس الشعب لضمان التمثيل العادل والكفاءة"، وفق ما جاء في الإعلان الدستوري المؤقت الناظم للحياة السياسية في البلاد.
نوار نجمة: وظيفة البرلمان الأساسية أن يكون داعماً للحكومة ومراقباً لعملها
وقال المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات، نوار نجمة، في مؤتمر صحافي، إن وظيفة البرلمان الأساسية أن "يكون داعماً للحكومة ومراقباً لعملها، ونحن أمام برلمان ناقد وثوري يؤمن بمبادئ الثورة"، وأشار إلى أن اللجنة حرصت "على أن يكون ذوو الاحتياجات الخاصة ومصابو الثورة السورية ممثلين في هذه الانتخابات بنسبة 4%"، مؤكداً أن النتائج "نهائية وغير قابلة للطعن". وأقر أن "نتائج تمثيل المرأة السورية لم تكن مرضية"، مشيراً إلى أن "التمثيل المسيحي كان له مقعدان، وهو تمثيل ضعيف بالنسبة لعدد المسيحيين في سورية"، معرباً عن قناعته أن الرئيس أحمد الشرع "سيراعي من خلال تعيين الثلث الأخير لأعضاء المجلس ترميم جميع السلبيات". وأدلى نحو 6 آلاف ناخب من هيئات انتخابية مشكلة في المحافظات السورية بأصواتهم في انتخابات غير مباشرة بدلاً من الاقتراع العام للافتقار إلى بيانات موثوقة للسكان، وبسبب نزوح ملايين السوريين إثر اندلاع الحرب.
أي دور في كتابة الدستور؟
وبيّن الإعلان الدستوري المؤقت الذي صدر في مارس/آذار الماضي، شكل المجلس الذي لا يجوز عزل أي عضو فيه إلّا "بموافقة ثلثي أعضائه"، إذ "يتمتع عضو مجلس الشعب بالحصانة البرلمانية". وبحسب المادة 26 من الإعلان يتولى مجلس الشعب السوري "السلطة التشريعية حتى اعتماد دستور دائم، وإجراء انتخابات تشريعية جديدة وفقاً له"، على أن تكون "مدة ولاية مجلس الشعب 30 شهراً قابلة للتجديد". وعلى المجلس اختيار رئيس له ونائبين وأمين للسر، في أول اجتماع له عن طريق "الاقتراع السري وبالأغلبية"، على أن يرأس الجلسة الأولى لحين الانتخاب أكبر الأعضاء سناً. ووفق الإعلان يعد مجلس الشعب السوري "نظامه الداخلي في شهر من أول جلسة له"، محدداً مهامه بـ"اقتراح القوانين وإقرارها، تعديل أو إلغاء القوانين السابقة، والمصادقة على المعاهدات الدولية"، كما يقر المجلس الموازنة العامة للدولة، والعفو العام، وعقد جلسات استماع للوزراء، على أن تتخذ قراراته بالأغلبية.
أحمد القربي: لا يوجد أي دور لمجلس الشعب في كتابة الدستور
ولم يحدد الإعلان الدستوري، الدورَ المنوط بالمجلس لجهة كتابة دستور دائم للبلاد في أثناء أو في نهاية المرحلة الانتقالية، وهي المهمة الأصعب أمام السوريين، التي تحدّد مستقبل بلادهم السياسي. وفي هذا الصدد، أوضح الباحث السياسي أحمد القربي (وهو عضو اللجنة التي وضعت الإعلان الدستوري)، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا يوجد أي دور للمجلس في كتابة الدستور"، مضيفاً: الإعلان الدستوري المؤقت مهمته تنظيم العمل المؤسّساتي خلال الفترة الانتقالية، وتابع: المفترض أن تكون مهمة كتابة الدستور خلاصة للمرحلة الانتقالية، تُترك للمؤسسات ويمكن أن تسند المهمة لمجلس الشعب، أو أن تجري انتخابات على أعتاب نهاية المرحلة لجمعية تأسيسية تقوم بكتابة الدستور، أو من خلال لجنة واستفتاء. بموجب الإعلان الدستوري لا يوجد أي اسناد لمجلس الشعب أو أي جهة أخرى لكتابة الدستور.
من جهته، قال الحقوقي عبد الناصر حوشان الذي انتخب في المجلس ممثلاً لمحافظة حماة، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "من المبكر الحديث عن المجلس وعن دوره السياسي"، مشيراً إلى أن الأعضاء "موالون للدولة وليس للسلطة القائمة". وأشار إلى أن تشكيل مجلس للشعب في البلاد "يعني اكتمال السلطة"، مضيفاً: مهام المجلس حددها الإعلان الدستوري المؤقت، فهو المرجعية الأساسية لنا.
إلى ذلك، بيّن الباحث السياسي مؤيد عزلان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مهمات عديدة تنتظر مجلس الشعب السوري. وأضاف أن "هناك ملفات تحتاج إلى سنّ قوانين وتشريعات، وتابع: هناك اتفاقيات دولية تحتاج إلى تصديق تشريعي لعلّ منها المعاهدة الجديدة مع الجانب الروسي. وأشار إلى أنه "ربما تقوم ذات اللجنة التي وضعت الإعلان الدستوري بكتابة مسودة دستور تُعرض على مجلس الشعب الذي يعرضها للاستفتاء". ولم يستبعد غزلان حدوث تحالفات سياسية وتكتلات داخل المجلس "وهذا من طبيعة العمل السياسي"، مضيفاً: سيشرف المجلس على ملف العدالة الانتقالية وهو من الملفات المهمة في المرحلة الانتقالية، فضلاً عن العدالة الاجتماعية، والانتقال بالمجتمع السوري من فكرة المكوّن إلى فكرة المواطنة، وتابع: "نحن أمام مرحلة مفصلية في تاريخ سورية، وأمام ولادة الأغلبية الوطنية في البلاد، ومعظم المكونات السورية ستكون ممثلة في مجلس الشعب السوري".
وأشار إلى أن المجلس "يضم تيارات فكرية وسياسية متنوعة ولا تتفق بالضرورة مع طبيعة القيادة الموجودة"، مضيفاً: "قائمة الفائزين تؤكد وجود تنوع سياسي حقيقي ومن معظم مكونات الشعب، يسهم في رسم الملامح السياسية والتشريعية للبلاد في الفترة القادمة، ما يعني خلق جدار شعبي وطني أمام دعاة التقسيم والمستقوين بالخارج. كل الألوان السورية تجتمع تحت مظلة وطنية واحدة وتملك أهم سلطة في البلاد"، كما أشار إلى أن العملية الانتخابية "جرت بحماس وإصرار من المرشحين على الفور لا سيّما في محافظتَي اللاذقية وطرطوس وريفَي حمص وحماة"، مضيفاً: كانت هناك مشاركة علوية وإسماعيلية ومسيحية مشرّفة في العملية الانتخابية، ما يؤكد أن لدى السوريين ثقة بالمجلس القادم وأنه لن تسيطر عليه أي جهة.
واعتبر غزلان نسبة مشاركة المرأة "مقبولة في أول تجربة انتخابية"، مشيراً إلى أن المجلس "فيه تنوّع سياسي من اليمين إلى اليسار"، مضيفاً: اللجنة العليا تواصلت مع كل فعاليات المجتمع والنخب وطلبت منها ترشيح من يمثلها في الهيئات الناخبة، وعقدت عشرات الاجتماعات لاختيار الأجدر، وهذا انتخاب تعدّدي. العملية الانتخابية التي جرت الأحد تجربة أولى في العمل البرلماني نجحت في استقطاب الرضى المجتمعي، فما حصل انتقاء مجتمعي، وليس انتقاء سياسياً، لهذا لم نشهد اعتراضات على أسماء المنتخبين. ولم تعرف سورية حياة برلمانية حقيقية منذ الانقلاب العسكري الذي قاده حزب البعث في مارس/آذار 1963 الذي أنهى الحياة السياسية برمّتها في البلاد، لا سيّما بعد الانقلاب الذي قام به حافظ الأسد على رفاقه في الحزب المذكور أواخر عام 1970، والذي فرض بعد ذلك ما يسمّى بـ"مجلس الشعب" وفق دستور وضعه كرّس فيه "البعث قائداً للدولة والمجتمع". وكانت الفصائل التي أسقطت نظام الأسد، حلت كل مؤسسات النظام البائد السياسية العسكرية والأمنية ومنها مجلس الشعب، وألغت الدستور الذي وُضع في عام 2012، في مؤتمر عقدته في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي.
