
عربي
رغم ارتفاع عدد مرضى ألزهايمر في تونس، تفتقر المنظومة الصحية إلى مراكز رعاية متخصصة، ما يترك آلاف المرضى في عزلة وضياع ويُحوّل أفراد عائلاتهم إلى حراس لذاكرتهم، تُرهقهم كلفة العلاج وأعباء المراقبة والمرافقة.
"ينسى أسماءنا، وينعتُنا غالباً بأسماء غريبة، كما ينسى التفاصيل البسيطة ليومياته، ولا يتذكر متى تناول طعامه أو أين وضع نظاراته، ولا حتى تاريخ الأيام ومكان سكنه". بهذه العبارات يختصر المواطن التونسي، عبد الكريم، حالة والده المُصاب منذ ثلاث سنوات بمرض ألزهايمر، أكثر أشكال الخرف شيوعاً.
وعلى الرغم من مباشرته العلاج منذ بداية مرضه، إلا أن ذاكرة والده (75 عاماً) ظلّت مع الوقت تفقد كل تفاصيل الماضي مع نسيان كل ما يعيشه في الحاضر. ويتابع عبد الكريم لـ"العربي الجديد"، وهو يتحدث عن والده: "كل شيء بالنسبة له غامض، الأشخاص والأوقات والزمان والمكان. يحدّق في وجوهنا طويلاً، محاولاً تذكرنا، لكن دون جدوى". ويؤكد أنه "كلما عجز عن تذكر شيء ما، يدخل في حالة هستيرية، وكأنه غير قادر على استيعاب حقيقة أنه بات ينسى كل شيء". وينبّه عبد الكريم إلى أن كل نسيان جديد موجع للعائلة أيضاً، نظراً لما يحتاجه المُصاب بالمرض من رعاية ومرافقة طيلة الوقت، خوفاً من تعرّضه لمشاكل أو إيذاء نفسه أو الخروج من دون رفقة أحد، حيث يكون مصيره الضياع.
وتكشف الجمعية التونسية لمكافحة ألزهايمر وجود أكثر من 100 ألف مُصاب بالمرض بشكل مباشر في تونس، حيث تتولى توعية أكبر عدد من الأشخاص حول المرض، والأعراض، والفرق بينه وبين أنواع أخرى من الخرَف، مع التركيز على أهمية التشخيص المبكر وتأثيره على حياة المريض.
وتشير رحمة عيساوي إلى أن والدتها تعاني من مرض ألزهايمر منذ سنتين، وتقول لـ"العربي الجديد": "في البداية لم نكن نعلم أنها مصابة بالمرض، على الرغم من أننا كنا نلاحظ نسيانها المتكرر، لكننا استدركنا الأمر بعدما باتت تنسى أسماءنا. واليوم، لا يمكننا تركها بمفردها، إذ كادت أن تتسبب في حرق المنزل بعد نسيانها الطعام على النار. وكانت دقائق معدودة كفيلة بحصول كارثة لولا تدخل الجيران. كما أنها ضاعت أكثر من مرة بعد خروجها من المنزل، ونسيانها طريق العودة. لذلك، صرنا نراقبها باستمرار، خشية ضياعها مجدداً". وتأسف عيساوي لعدم وجود مراكز رعاية متخصصة في مرضى ألزهايمر بتونس، ما اضطرها إلى الانقطاع عن العمل لرعاية والدتها. وتلفت إلى أن هذا المرض لا يسرق الذاكرة فحسب، إنما يسرق حياة المحيطين بالمريض.
الأمر ذاته تتحدث عنه حفيظة، التي لم تجد حلاً لرعاية والدة زوجها سوى العمل ليلاً في أحد المصانع، والبقاء طيلة النهار إلى جانبها خشية ضياعها أو إصابتها بأي حادث داخل المنزل. وتضيف: "تناديني حماتي أحياناً باسم أختها التي توفيت منذ أكثر من عشر سنوات، وتصرخ كلما فشلت في تذكر شيء ما. تعيش أحياناً حالة من الذهول وأحياناً أخرى حالة من اضطراب السلوك والصراخ. ووسط غياب المؤسسات الرعائية لمرضى ألزهايمر، تتحول البيوت إلى غرف عناية دائمة، وأفراد العائلة إلى حرّاس لذاكرة تتلاشى ببطء. عليهم تذكير المريض بكل الأسماء التي ينساها، بموعد دوائه وطعامه واستحمامه، وبكل شيء يحتاجه".
تختصر حفيظة مأساة مئات العائلات التونسية التي تواجه مرض ألزهايمر بمفردها، في ظل غياب مراكز رعائية متخصصة، وضعف الدعم النفسي والاجتماعي، ما يترك آلاف المرضى في عزلة عن العالم الخارجي. ففي أغلب المناطق، لا توجد مراكز مهيّأة لاستقبال المرضى، كما أن عدد الجمعيات الناشطة في هذا المجال يبقى قليلاً، وبإمكانيات محدودة، وغالباً بجهود تطوعية.
وتشير رئيسة الجمعية التونسية لمكافحة ألزهايمر، عفاف الهمامي، إلى أن أغلب العائلات غير مُدركة لأعراض المرض، لذلك لا تُكتشف الإصابة منذ البداية، بل بعد تطور المرض ونسيان المريض أغلب الأمور، مثل الأسماء والذكريات، أضف إلى تغيّر سلوكه تدريجياً. وتضيف لـ"العربي الجديد": "يظنّ أغلب أفراد العائلة أن المريض يعاني الخرَف بسبب تقدمه في السنّ، لكن مرض ألزهايمر بات يصيب حتى الكهول، وليس فقط الشيوخ". وتتحدث عن حملات التوعية التي تنفذها الجمعية، حيث تُعرِّف بأعراض المرض مثل السلوك العنيف واضطرابات النوم واضطرابات السلوك الحاد، وكيفية التفريق بين المرض والنسيان العادي الوقتي".
وتؤكد الهمامي أن عائلة المريض تواجه مشاكل نفسية واقتصادية، لأن المريض يحتاج إلى المراقبة والمرافقة المستمرة، وهو ما تشكو منه أغلب العائلات بسبب عمل الزوجين وعدم وجود مراكز رعاية، فضلاً عن كلفة العلاج والأدوية، حيث إنّ أغلب مرضى ألزهايمر يعانون أيضاً من أمراض مزمنة على غرار الغدّة الدرقية والسكري، ما يثقل كاهل العديد من العائلات، لا سيما المحتاجة منها".
وتنشر عائلات تونسية عديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بلاغات ضياع أحد أفراد العائلة، عادة يكون مُصاباً بمرض ألزهايمر، ويعجز عن العودة إلى المنزل بسبب فقدانه الذاكرة تماماً. وتضطر بعض العائلات إلى وضع سوارٍ في يد المريض تحمل اسمه وعنوانه ورقم هاتف أحد أفراد عائلته، لتسهيل العثور عليه في حال ضياعه.

أخبار ذات صلة.

بانيايا يراكم الفشل في منافسات "موتو جي بي"
العربي الجديد
منذ 10 دقائق

مقتل سبعة جنود في كمين لإرهابيين في نيجيريا
الشرق الأوسط
منذ 19 دقيقة

قطاع التبغ.. منصة حوثية سرية لتمويل الحرب
العين الإخبارية
منذ 20 دقيقة