
عربي
في ظل أجواء سياسية مشحونة واستعداد القوى العراقية لخوض غمار انتخابات مجلس النواب المقبلة، أعلنت الحكومة العراقية تأمين كامل رواتب موظفي الدولة لعام 2026 بشكل تام، في خطوة وصفت بأنها تطمين مالي للمواطنين ورسالة استقرار اقتصادي من السلطة التنفيذية. ويأتي هذا الإعلان قبل شهر من موعد الانتخابات، ما أثار تساؤلات واسعة في الأوساط السياسية والاقتصادية حول توقيته ودوافعه، خاصة مع اعتماد الموازنة العامة بشكل شبه كلي على الإيرادات النفطية وتقلبات أسعار الخام في الأسواق العالمية.
ويرى نواب ومختصون أنّ ربط الحكومة العراقية بين الاستقرار المالي وضمان دفع الرواتب قد يحمل أبعاداً انتخابية واضحة، إذ تسعى من خلاله الحكومة إلى تعزيز الثقة بأدائها الاقتصادي وتوظيف الملف المالي ورقةَ ضغطٍ أو كسب سياسي لصالحها. في المقابل، يحذر خبراء الاقتصاد من أن هذه الوعود قد تصطدم بتحديات حقيقية في حال تراجع أسعار النفط أو زيادة الإنفاق العام من دون إصلاحات هيكلية في القطاعات غير النفطية. وقال المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، في تصريح صحافي: "نطمئن بإمكانية الحكومة على تأمين كامل رواتب العام المقبل 2026 وبشكل تام، وأي حديث يجري عكس ذلك بمثابة تشويش، خاصة أن السلطة المالية بدأت إعداد موازنة 2026 منذ يوليو/ تموز الماضي، وستقدم إلى مجلس النواب بعد الانتهاء منها".
وبيّن صالح أن "الموازنة من الأولويات في حياة الشعب العراقي، إذ يشكل الإنفاق الحكومي قرابة 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وأكثر من 85% منه نشاط اقتصادي قد يتأثر بهذا الإنفاق حال تأخرها، وقد تبدو الصورة ضبابية، وإقرارها بالوقت المناسب يعطي ثقة للشارع بأن البلد مستقر من ناحية الاستثمار والعمل والسوق". وأكد المستشار المالي لرئيس الوزراء أن "رواتب الموظفين والمتقاعدين والحماية الاجتماعية وباقي الفئات الأخرى مؤمنة لعام 2026 بموجب قانون الإدارة المحلية الاتحادي".
مقابل ذلك، شكك عضو مجلس النواب العراقي ياسر الحسيني، في إمكانية تأمين الرواتب، وقال لـ"العربي الجديد"، إن "إعلان الحكومة العراقية تأمين رواتب الموظفين لعام 2026 يأتي في سياق دعائي واضح، ويعكس محاولة لاستثمار الملف المالي في الدعاية الانتخابية لصالحها، والحديث عن ضمان الرواتب في ظل تقلبات أسعار النفط العالمية، وغياب خطط حقيقية لتنويع مصادر الدخل، يثير الشكوك حول مدى واقعية هذا التعهد".
وأكد الحسيني أن "الحكومة تحاول تسويق نفسها كضامن للاستقرار الاقتصادي، بينما الواقع المالي ما زال هشاً ويعتمد كلياً على النفط الذي يمثل أكثر من 90% من الإيرادات العامة، كما أن توظيف قوت المواطنين ورواتبهم كورقة سياسية في موسم الانتخابات يعد تجاوزاً أخلاقياً واستغلالاً لمشاعر الناس بدلاً من تقديم حلول مستدامة". وأضاف أن "المرحلة المقبلة تتطلب شفافية في الخطاب المالي، لا شعارات انتخابية مؤقتة، وعلى الحكومة أن تقدم أرقاماً واقعية وبرامج إصلاح حقيقية بدلاً من الوعود التي تهدف إلى كسب الأصوات على حساب المصلحة الوطنية".
وفيما قال المختص في الشؤون الاقتصادية والمالية ناصر التميمي، لـ"العربي الجديد"، إن "إعلان الحكومة العراقية عن تأمين كامل رواتب الموظفين لعام 2026 يجب أن يُقرأ بحذر وبعيداً عن الطابع السياسي الذي رافق التصريح، فضمان الرواتب بشكل مسبق لعام كامل لا يمكن أن يتحقق فعلياً إلا في حال استمرار أسعار النفط بمستويات مرتفعة وثابتة، وهو أمر غير مضمون في ظل التقلبات التي تشهدها الأسواق العالمية". وبيّن التميمي أن "الموازنة العامة تعتمد بنسبة تفوق 90% على الإيرادات النفطية، وبالتالي فإن أي تراجع في أسعار الخام سيؤدي إلى عجز فعلي في تغطية النفقات التشغيلية، وعلى رأسها رواتب الموظفين، ولهذا الإعلان عن تأمين الرواتب بهذا الشكل يعكس طابعاً سياسياً أكثر منه اقتصادياً، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات، إذ يستخدم هذا الملف لطمأنة الشارع وكسب ثقة الناخبين".
وأضاف أن "التأمين الحقيقي للرواتب لا يتحقق بالتصريحات، بل عبر إصلاحات اقتصادية هيكلية وتنويع مصادر الدخل وتعزيز القطاعات الإنتاجية غير النفطية، مثل الزراعة والصناعة والضرائب المنظمة، والاعتماد المفرط على النفط يجعل المالية العامة رهينة للأسواق، ولا يمكن التنبؤ بثباتها على مدى عام كامل دون وجود احتياطيات مالية كبيرة أو خطط طوارئ مالية واضحة". وروّجت قوى سياسية عراقية أخيراً، عدمَ قدرةِ الحكومة على تأمين رواتب الموظفين حتى نهاية العام الجاري، منتقدة سياساتها في إدارة الملف المالي والتوظيف.
