اتفاق غزة... توقٌ إلى الحياة بعد عامين من الجحيم
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
ما إن برزت بوادر انطفاء نيران الحرب المستعرة في قطاع غزة منذ عامين، حتى خيّمت على الأهالي مشاعر التفاؤل بعودة الحياة والهدوء، بعيداً عن جحيم الموت والتجويع وويلات القصف والدمار والحصار. منذ اللحظات الأولى لإعلان التوصل إلى اتفاق وقف حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، سادت حالة من الارتياح والتفاؤل بين عموم الفلسطينيين وأهالي غزة بعودة الحياة المفقودة منذ عامين، وبرز أمل الرجوع إلى منازلهم خصوصاً أولئك الذين نزحوا من محافظتَي غزة والشمال إلى جنوب القطاع ووسطه، وتجرّعوا ويلات النزوح المتكرر والعيش داخل خيام في ظروف معيشية مأساوية. ويُعلّق الفلسطينيون آمالهم في أن يشهد قطاع غزة انفراجة حقيقية تتمثل برفع الحصار المُطبق منذ بدء العدوان الإسرائيلي، من خلال إعادة فتح المعابر الحدودية وإدخال السلع والمواد الغذائية التي حُرموا منها طيلة تلك الفترة، بالإضافة إلى الأدوية والمستلزمات الطبية المفقودة، وإعادة إعمار ما جرى قصفه وتدميره. وأُعلن، اليوم الخميس، التوصل لاتفاق يقضي بوقف الحرب على قطاع غزة بوساطة أميركية وقطرية ومصرية، بعد جولة من المفاوضات امتدت لأيام عدة بمدينة شرم الشيخ، حيث تضمن الاتفاق وقفاً شاملاً للأعمال العسكرية، وانسحاباً تدريجياً لقوات الاحتلال من بعض مناطق القطاع، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية من دون قيود، وهو ما أعاد الأمل لسكان القطاع بأن تنطفئ نار الحرب المستعرة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. ويُعدّ اتفاق وقف الحرب خطوة أولى نحو استعادة الحد الأدنى من الحياة في قطاع غزة، الذي باتت أجزاء كبيرة منه أشبه بمدينة أصابها زلزال مُدمر. وعلى مدى عامين، دمّر الاحتلال أكثر من 70% من البنية التحتية المدنية، وتوقف 38 مستشفى حكومياً و156 مركز رعاية صحية أولية عن العمل، أو تضرر بشكل جزئي، كما نزح أكثر من 1.8 مليون مواطن داخل القطاع. لكن التفاؤل ينبع من التحركات الميدانية السريعة لإعادة فتح بعض الطرق المؤقتة، وتنظيف الأحياء من الأنقاض وتوصيل المياه إلى مناطق كانت مقطوعة عنها لأشهر. حالة من التفاؤل الحذر تُخيّم على النازح الفلسطيني أبو محمد مرزوق (57 سنة) الذي يقطن في مخيم النصيرات وسط القطاع، بعدما نزح قبل أسبوعين من منطقة شارع الجلاء وسط مدينة غزة، عقب توسع العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة. ويقول لـ"العربي الجديد": "كنت أتابع أخبار التهدئة أولاً بأول، وعند سماع خبر التوصل لاتفاق وقف الحرب لم أصدق، خصوصاً بعد عامين من القصف والدمار والنزوح، ولم أصدق أننا سنعيش بلا تلك الأصوات". ويضيف: "بدأ الأمل يراودني، لكن فرحتي تكتمل بالاطمئنان على منزلي، حيث كنت طيلة أيام النزوح أخشى تدميره مع توسع العملية العسكرية الإسرائيلية وتفجير الروبوتات في المنازل. كل ما أريده اليوم هو العودة برفقة عائلتي المؤلفة من ثمانية أفراد للعيش بأمان تحت سقفه، بعد ما شهدناه من ويلات القصف الشديد. أما النازحة الفلسطينية نبيلة السيد سليم (48 سنة) والتي تقيم بمدينة دير البلح وسط القطاع، فتروي ما ذاقته من ويلات النزوح المتكرر، كونها تقطن في منطقة مشروع بيت لاهيا شمال القطاع. وبصوت يمتزج بالتفاؤل، تقول لـ"العربي الجديد": "عاد شعور الارتياح بعد إعلان الاتفاق، خصوصاً أننا عشنا عامين من القتل والتدمير وأصوات الانفجارات الضخمة التي أرعبت الأطفال والكبار". وتضيف: "رغم تدمير منزل عائلتي بالكامل خلال أكتوبر 2024، إلا أنني أتمنى عودة الحياة لما كانت عليه سابقاً بلا أصوات قصف ودمار، وأن يُعاد فتح المعابر وإدخال السلع الغذائية وإنهاء التجويع الذي حصد أرواح مئات المدنيين". وتدعو سليم إلى تطبيق بنود الاتفاق كافة، والإسراع بوتيرة الإعمار. ومع ساعات الصباح الأولى من يوم الخميس، عمّت أجواء الأمل والتفاؤل والفرحة داخل أحد مخيمات النزوح في مخيم النصيرات، وانشغل النازحون بالحديث عن اللحظات الأولى لبدء سريان الاتفاق. يقول أبو أحمد، أحد نازحي المخيم، وهو يجلس خلف بسطة صغيرة تتضمن بعض حاجيات الأطفال والمعلبات: "صباحنا جميل بعد إعلان الاتفاق". ويتابع لـ"العربي الجديد": "كل ما أريده هو العودة إلى بلدتي، بيت حانون، التي تجرعت ويلات القصف والدمار منذ بداية الحرب". ويمازح جاره بالقول: "سأنقل خيمتي إلى بيت حانون، وأجلس أمام بيتي المدمر، ولن أنسى نقل البسطة والبيع في مسقط رأسي بجوار أهلي وجيراني". وبصوتٍ يشوبه الأمل والارتياح، يستطرد جاره بالتأكيد أنه فور عودته مع عائلته إلى حي الصفطاوي شمالي مدينة غزة، سينصب خيمته على أنقاض منزله، ويقول: "لا أستطيع العيش خارج منطقتي. نتمنى أن تُفتح المعابر لإدخال السلع والمواد الغذائية وإنهاء التجويع الذي أذاقنا الويلات، وإعادة الاعمار لتعود الحياة إلى سابق عهدها الجميل في غزة". وعلى الرغم من إعلان الاتفاق، إلا أن جيش الاحتلال أصدر بياناً حذّر فيه سكان مدينة غزة من العودة إلى شمال القطاع عبر شارع الرشيد غربي المدينة، حيث اعتبر أن المدينة لا تزال منطقة قتال خطيرة، كما حذّر من التوجه إلى الشرق أو الجنوب والشمال في مناطق وجود الجيش. أما الفتى يوسف حميد (14 سنة) فهو مُصاب بمتلازمة "إهلرز دانلوس" التي تسببت بتشوهات في العظام، وأثرت على عموده الفقري وحركته. وقد خضع لـ12 عملية جراحية، كان آخرها تثبيت العمود الفقري قبل الحرب بأيام. وتقول والدته ختام عبد الجواد لـ"العربي الجديد": "خلال الحرب فَقَد يوسف القدرة على المشي وارتخت بعض الأربطة في العمود الفقري، وكل يوم تتراجع حالته الصحية، لكن اتفاق وقف الحرب أعاد الأمل في أن يُفتح معبر رفح البري، وأن يُسمح للمرضى الذين يمتلكون تحويلات طبية بالسفر من أجل العلاج. لن تكتمل فرحتي إلا بشفاء يوسف". تلقّى الفلسطيني محمد جبر صالح (45 سنة) نبأ التوصل لاتفاق وقف الحرب بشعور يملأه الأمل والتفاؤل، وهو المُصاب بمرض السرطان، ويقول لـ"العربي الجديد" "أتوق للعودة إلى منطقتي حي الشيخ رضوان، لكن سعادتي تكتمل حين يُسمح لي بالسفر للعلاج في الخارج". ويبيّن أن حالته الصحية ازدادت سوءاً خلال الحرب، "خصوصاً خلال فترة تفشي المجاعة، ما أدّى إلى مضاعفات صحية". ووفق وحدة المعلومات الصحية في وزارة الصحة بقطاع غزة، فإن أكثر من 17 ألف مريض من القطاع بحاجة ماسّة للسفر لتلقّي العلاج في الخارج، بينهم مئات الحالات الطارئة والإنقاذية، في ظل استمرار إغلاق المعابر وتدهور الأوضاع الصحية. تحنّ الطالبة أمل محمد (20 سنة) إلى مقاعد الدراسة في كلية التمريض بجامعة الأقصى، وتُخبر "العربي الجديد" أنها تريد العودة إلى الجامعة وليس إلى الأنقاض. وتقول: "سرقت الحرب مستقبلنا وحياتنا التعليمية، لكن الاتفاق أعاد حلمي بالتخرج، خصوصاً أن دراستي تعثرت خلال الحرب وتوقفت لفترة طويلة، ثم عُدت إلى الدراسة إلكترونياً، لكن تخصصي يتطلب التطبيق العملي، وكلّ ما أرجوه أن تكون الأيام المقبلة أفضل، وأن نستعيد ما ضاع من سنوات الدراسة". وتُردّد الطفلة هدى محمود جبر (14 سنة) ما سمعته على لسان والدتها بأن الحرب انتهت، وتقول لـ"العربي الجديد": "سألت والدتي متى سأعود إلى المدرسة، وأشارك في الأنشطة المدرسية، تماماً كما كنا قبل الحرب. أتوق كذلك لممارسة هوايتي في الرسم وللتفسّح والخروج رفقة أصدقائي". وتضيف جبر: "عندما اندلعت الحرب كنتُ في الصف السادس أساسي، والآن أصبحت في الصف الثامن، لكن الدراسة كانت صعبة جداً، كوني كنتُ ألتحق بعدد من المراكز التعليمية بسبب كثرة النزوح، ولم أحصل على المنهاج كاملاً". وكانت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية أفادت بأن عدد الطلاب الذين استشهدوا في قطاع غزة منذ بداية العدوان تجاوز 18 ألفاً، وأُصيب أكثر من 27 ألفاً آخرين، إضافة إلى اعتقال 740 طالباً، فيما دمّر الاحتلال 160 مدرسة حكومية بالكامل، إضافة إلى 63 مبنى تابعاً للجامعات، فيما تعرّضت 118 مدرسة حكومية و93 مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) للقصف والتخريب، إضافة إلى إزالة 25 مدرسة بطلابها ومعلّميها من السجل التعليمي. وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية بقطاع غزة، أمس الأربعاء، ارتفاع حصيلة ضحايا الإبادة الجماعية الإسرائيلية المتواصلة منذ عامين إلى 67.194 شهيداً، و169.890 مصاباً. وتعكس أصوات الأهالي في المخيمات والشوارع رسالة مفادها أنهم يتوقون إلى السلام، لكنهم يربطونه بمدى وصول المياه والطعام والدواء وحجم الأمان والاستقرار لأطفالهم وأفراد عائلاتهم. ويرون في الاتفاق اختباراً حقيقياً لمدى الجديّة في إعادة الحياة لأهالي غزة ورفدهم بأبسط الحقوق الإنسانية، وفي مقدمتها الأمان والعيش الكريم.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية