
عربي
بعد أكثر من عام على إعلان مشروع "طريق التنمية"، الذي يُعدّ أحد أكبر المشاريع الاستراتيجية في العراق، تتواصل التحضيرات والإجراءات التنظيمية والفنية لتنفيذه، إذ تُقدَّر كلفته الإجمالية بنحو 17 مليار دولار، منها 10.5 مليارات مخصصة لشبكة السكك الحديدية، و6.5 مليارات للطريق السريع الممتدّ على طول أكثر من 1,190 كيلومتراً من ميناء الفاو في أقصى الجنوب إلى الحدود التركية شمالاً. ورغم التفاهمات الموقّعة بين العراق وتركيا وعدد من الدول الخليجية والأوروبية، تؤكد الحكومة العراقية أن المشروع سيوفّر نحو 1.6 ألف فرصة عمل في مختلف القطاعات، وسيدرّ على العراق ما يقارب 4 مليارات دولار سنوياً عند اكتماله.
وتتركّز المرحلة الحالية على استكمال التصاميم والمسوحات الميدانية ووضع الأسس التنفيذية، تمهيداً لإطلاق المناقصات والبدء بأعمال الإنشاء وفق خطط زمنية محددة، تضمن تحقيق أعلى درجات الكفاءة والتكامل بين الجهات المعنية. ويشير مختصون إلى أن تعدد الجهات المشرفة وتداخل الصلاحيات بين المؤسسات الاتحادية والمحلية، إلى جانب الحاجة إلى تسريع تخصيص الأموال ضمن الموازنة الثلاثية وجداول عام 2025، تمثل تحدياتٍ فنيةً وإدارية طبيعية لمشروع بهذا الحجم، مؤكدين أن النجاح يتطلب تنسيقاً عالياً واستمرار الدعم الحكومي لمراحل التنفيذ المقبلة.
تذليل العقبات وتجاوز البيروقراطية
في هذا السياق، أكد وزير النقل العراقي رزاق محيبس السعداوي أن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني "سهّل الكثير من الصعوبات التي تواجه مشروع طريق التنمية"، مشيراً إلى أن اللجنة العليا للمشروع أبعدته عن البيروقراطية والروتين الإداري. وقال السعداوي، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إنه "لكل مشروع تحدياته، ومن بينها مشروع طريق التنمية الذي واجه العديد من الصعوبات، لكن تم التعامل معها بشكل خاص ومتميّز من خلال اللجنة العليا برئاسة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني".
وأضاف أن وجود رئيس الوزراء على رأس اللجنة المختصة بالمشروع ذلّل الكثير من العقبات والمعوقات من خلال القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء وتعاونه في إزالة الصعوبات التي تواجه مراحل التنفيذ. وأوضح أن من بين أهم أهداف اللجنة العليا إبعاد المشروع عن البيروقراطية الإدارية والروتين الذي تتعامل به بعض الوزارات.
"طريق التنمية" من أولويات الحكومة
من جانبه، أفاد المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأنّ مشروع "طريق التنمية" يُعدّ أحد أعمدة البرنامج الحكومي لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد شبه الكامل على الإيرادات النفطية، إذ من المتوقع أن يحقق عائدات سنوية تراوح بين 4 و5 مليارات دولار تُضاف إلى خزانة الدولة عند اكتماله وتشغيله بالكامل. وأضاف صالح أن العراق يمتلك مقومات كبيرة لجذب الاستثمارات الإقليمية والدولية، تتمثل في الموارد الطبيعية الغنية والموقع الجغرافي الاستراتيجي والطاقات البشرية الشابة، وهي عوامل تمنح البلاد ميزة تنافسية لتحويلها إلى محور اقتصادي ولوجستي بين آسيا وأوروبا.
وأشار إلى أنّ "مشروع طريق التنمية يمكن أن يكون العنصر الحاسم في إنجاح الاستثمارات الصناعية والزراعية والسياحية والخدمية داخل العراق، إذ يُعد النقل الداخلي والدولي الركيزة الأساسية في خفض كلفة الإنتاج وتسريع حركة التجارة وتدفق البضائع، وهو ما سيُعيد رسم الخريطة الاقتصادية للمنطقة برمتها"، مؤكداً أنّ الحكومة جادة في تذليل العقبات البيروقراطية والفنية التي تعيق تقدم المشروع، من خلال تشكيل لجان متابعة عليا وتسهيل إجراءات الاستثمار، مشدداً على أن المرحلة المقبلة ستركز على تحقيق التوازن في مصادر الدخل القومي وضمان استدامة التمويل بعيداً عن تقلبات أسعار النفط.
تحديات إدارية ومالية
من جهته، قال الخبير الاقتصادي كريم الحلو في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "مشروع طريق التنمية لا يواجه تحديات فنية فحسب، بل يصطدم أيضاً بتحديات إدارية ومالية تعرقل تنفيذه وفق الجداول الزمنية المعلنة، وفي مقدمتها تأخر تخصيص الأموال ضمن الموازنة الثلاثية وتأخر إقرار جداول عام 2025، ما انعكس مباشرة على عقود التنفيذ والمناقصات المرتبطة بالبنى التحتية للمشروع".
وأضاف الحلو أن تعدد الجهات المشرفة وتداخل الصلاحيات يُعد من أبرز التحديات، إذ يتطلب المشروع تنسيقاً عالياً بين وزارات النقل والإعمار والتخطيط والمالية، في حين أن غياب غرفة عمليات موحدة لمتابعة التفاصيل اليومية يفتح الباب أمام البطء الإداري والازدواجية في القرارات، مشيراً إلى أن العراق يمتلك فرصة تاريخية لتحويل طريق التنمية إلى مشروع محوري في التجارة العالمية.
وأكد أن تحقيق ذلك يستلزم تبسيط الإجراءات الحكومية وتفعيل الشراكات مع القطاع الخاص وتحديد جهة تنفيذية واحدة تُمنح الصلاحيات الكاملة لمتابعة مراحل الإنجاز. وتابع الحلو القول إن المشروع يشكل رافعة اقتصادية قادرة على توليد عدد كبير من فرص العمل وتعظيم الإيرادات السنوية بنحو 5 مليارات دولار، لكن نجاحه مرهون بإرادة حكومية حقيقية تضع الشفافية والكفاءة الإدارية فوق الاعتبارات السياسية والبيروقراطية.

أخبار ذات صلة.

العرابي بطل «درفت السعودية»
الشرق الأوسط
منذ 11 دقيقة