أن تكون فلسطينيًا... تلك لم تعد جنسية
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
لم يعد الانتماء لفلسطين يعني أن تكون قد ولدت على أرضها في غزة أو جنين أو حيفا أو القدس أو نابلس أو غيرها من فسيفساء أرض البرتقال الحزين، أو في الشتات من أبوين فلسطينيين أو أحدهما، فلم تعد الجنسية الفلسطينية رهينة تعريفات الانتماء لأرض أو نسل، إنما بات كل من انتصر لقضية العدالة وانتفض ضد المظلمة الكبرى والمقتلة الكبرى على مدار عامين فلسطيني الجنسية والانتماء والهوية والهوى، فكل من يناصر العدالة هو فلسطيني، وكل من رفض أن يكون شاهد زور في زمن الإبادة الجماعية هو فلسطيني، كل من ركب البحر أو نزل للشوارع أو صدح ضد الجريمة الكبرى هو فلسطيني، كما يصح القول بالمقابل، أن كل فلسطيني الجنسية أو النسب برر للمقتلة أو اختار الجانب الخاطئ من التاريخ ليس فلسطينيًا. أن تكون فلسطينيًا يعني أن تجوب عواصم الكون رافعًا علمًا لا يخص أرضًا بعينها، ولا شعبًا بعينه، فتلك الألوان الأربعة التي تشكل علم فلسطين لم تعد ملكًا للفلسطينيين إنما لكل قلب يحمل في داخله نبضًا بالحرية، وضميرًا يختزل صور وجوه أطفال غادروا عالمنا قسرًا عقب فشل عالمنا في وقف آلة قتل عن القتل، نساء ورجال وشيوخ قهروا في زمن ردد طويلًا أنه زمن "حقوق الإنسان"، جاعوا في وقت تنص كل بنود تلك المواثيق على أن الطعام والشراب حق من حقوق الإنسان في زمن الحرب كما هو في زمن السلم. أن تكون فلسطينيًا يعني أنك ركبت إحدى سفن الصمود، أو صمدت في معتقل رغم القيود، أو صرخت رغم الحدود، فلا حدود لفلسطينيتك ولتعبيرك عنها لأنها بلا نمط محدد، ولا تختزن في شكل مقولب، وهي عابرة للأعراق، والألوان، وجغرافيا قسمت شعوب الأرض قسرًا، لكن فلسطينيتك عصية على التقسيم، فهي مبدأ عابر لكل الفروق الوهمية المتخيلة، قضية العدالة والانتصار لها لا فرق فيها بين عربي وأعجمي، ولا أبيض ولا أسود، ولا شرقي ولا غربي، ولقد أثبتت تلك المقتلة الكبرى أن لا الغرب غرب ولا الشرق شرق، وأن البعد الجغرافي بين شعب وآخر لا يعني الابتعاد، وأن القرب لا يعني دومًا الود، وأن فلسطين لا تخضع مطلقًا لتقسيمات العرق والدين، فهي قضية عدالة وقضايا المبدأ والعدالة لا تعرف تلك التقسيمات المتخيلة. أن تكون فلسطينيًا يعني أن تجوب عواصم الكون رافعًا علمًا لا يخص أرضًا بعينها، فتلك الألوان الأربعة لم تعد ملكًا للفلسطينيين إنما لكل قلب يحمل في داخله نبضًا بالحرية عامان من الإبادة، شكلا وعيًا جمعيًا على مستوى العالم بأن الإبادة في غزة هي استهداف لكل إنسان في كل مكان، وأن وقوعها فضلًا عن استمرارها وفرضية إفلات مرتكبيها من العقاب تعني أن هذا العالم لم يعد آمنًا مطلقًا، وأن كل قذيفة تلقى على غزة تصيب كل فرد في هذا العالم، وأن النضال لوقف تلك الإبادة ومحاسبة مرتكبيها هي قضية عدالة دولية وحماية ليس فقط من حمم تلك القذائف إنما لإنسانية كل إنسان في هذا العالم. حققت قضية فلسطين إجماعًا قيميًا عالميًا غير مسبوق، حتى بالمقارنة مع الحراك المناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وهذه بحد ذاتها زاوية مضيئة في زمن المقتلة الكبرى التي سترافق صورها وطيف أرواح من قتلوا فيها كل من شهدها حتى نهاية حياته، وينبغي استثمار هذا الإجماع القيمي الدولي في مواصلة النضال للتحرر من الاحتلال، ومواصلة الضغط لجلب من ارتكب تلك الإبادة للمحاكمة الدولية، فالعدالة في فلسطين اليوم لم تعد تعني وقف الحرب، ولا حتى إقامة الدولة، إنما جلب أولئك القتلة للمحاكمة، الذين ارتكبوا أبشع جريمة إبادة وتجويع لم يشهد العالم شبيهًا لها منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولم يسبق كذلك أن بثت أحداثها على الهواء مباشرة كما يجري في الإبادة الجماعية في فلسطين.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية