النمو الاقتصادي كماً ونوعاً... العلاقة بالأسعار والمواطن
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
كتب عدد من المعلقين الاقتصاديين في الأردن بنوع من التفاؤل عن نسبة النمو الاقتصادي التي شهدها الأردن خلال الربع الثاني من هذا العام 2025 مقارنة بنفس الربع من العام الماضي 2024. وبلغت نسبة النمو بين الربعَين ما قدره 17%، وهي نسبة محترمة ومفاجئة، خاصّة أن معدل الارتفاع في الأسعار الذي صاحب النمو في تلك النسبة لم يزد عن 2.8%، ولو كانت نسبة النمو المتحققة نتيجة مقارنة سنة بسنة لكان ذلك أقرب إلى المعجزة. ولكن نسبة 17% لم تكن في المشتق الأول (First Derivative) أو الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي، بل هي في المشتق الثاني الذي يتحدث عن النمو في نسبة النمو، وهذه لا تعتبر من هذا المدخل نسبة مرتفعة، والدليل على ذلك أن الدكتور رعد التل "رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة الأردنية" بيّن أن النمو الاقتصادي في النصف الأول من العام 2025 بلغ 2.8% مقارنة بـ 2.4% في النصف المماثل من العام الماضي. ولكن لو حولنا الزيادة في نسبة النمو إلى نسبة مئوية لبلغت حوالى 17% أيضاً. إذن؛ ما جرى في الربع الثاني كان حسّناً قياساً للتحديات والظروف التي واجهها الأردن، ولكنه ليس بالرقم الذي يقول إنّنا بدأنا نحقق معدلات نمو مرتفعة. وقد أحدث التركيز على هذه النسبة صدى جماهيرياً واسعاً، ومنهم من انتقد النسبة لقياس التحسّن في الأداء الاقتصادي بهذا الشكل قائلاً إنّه لا يعني الكثير، وتساءلوا "إذا كان هذا التحسن كبيراً، فأين ظهر وفي أي قطاعات تجلى؟" أعتقد أن العنصر الأول في ذلك هو التحسّن الواضح في الصادرات من السلع والخدمات؛ فالسياحة في الأردن حققت زيادة ملحوظة وكذلك الصادرات من السلع الزراعية ومن الصادرات السمادية مثل البوتاس والبرومين والفوسفات خاصة حامض الفوسفوريك، ومن الفوسفات متدني النوعية الذي بات يستخدم مادةً أولية في صناعات متعددة. ولا شك أن الحكومة اتخذت بعض الإجراءات التي خرجت بها على المستثمرين المحليين والعرب والأجانب، ولذلك ارتفع حجم الاستثمارات الجديدة بمقدار يقارب 600 مليون دولار، وهو رقم يمنح التفاؤل بأن الأردن قادر على جذب مزيد من الاستثمارات الخارجية الجديدة. وفي تقديري الخاص فإنّ الظروف السياسية والعسكرية القادمة في المنطقة ستكون ذات أثر كبير على مجريات الاقتصاد الأردني، وإذا قبلنا أن المنطقة خاصة (الهلال الخصيب) ستشهد هدوءاً واستقراراً، فإن فرص الاستثمار فيها سوف تتطور. وبسبب الموقع الجيوستراتيجي للأردن الواصل بين بلاد الشام ومنطقة الخليج والقريب من ساحل أفريقيا الشرقي، والقادر على التواصل مع تركيا ووسط آسيا، فإنّ فرص جذب استثمارات في مجالات الخدمات الصحية والدوائية والتعليمية وسلاسل التزويد والطاقة المتجدّدة، والسياحة والزراعة والصناعات الإنشائية مرشحة كلها للنمو في الأردن. وهذه قادرة على خلق فرص عمل لكثير من الشباب العاطلين عن العمل الذين تصل نسبتهم إلى ما يقارب 40%. علماً أن آخر الإحصاءات المتوفرة عن البطالة تقول إنّ هذه النسبة الكلية للباحثين عن العمل قد وصلت إلى 22% مقابل 23.4% في النصف الثاني من العام المنصرم. الظروف السياسية والعسكرية القادمة في المنطقة ستكون ذات أثر كبير على مجريات الاقتصاد الأردني أسوق هذا التحليل لأقول إنّ بعض الدول العربية تواجه مشكلات اقتصادية واجتماعية بين صفوف الشباب من كلا الجنسين. وما نشهده من مظاهرات في المملكة المغربية جدير بالمتابعة والتحليل بموضوعية؛ حتى نتفهم ما الذي يريده هذا الجيل الذي أطلق على نفسه "جيل زد" Generation Z، وهو اصطلاح غربي يشير إلى فئة الشباب الذين ولدوا في أواخر تسعينيّات القرن الماضي وأوائل هذا القرن، وبلغوا الآن سنَّ ما بين عشرين وثلاثين سنة ويعانون من قلة فرص العمل، ومن نقص واضح في الحماية الاجتماعية. ويجب أن نعترف أن ما يسميه علماء الديموغرافيا بالفرصة السكانية قد دخلتها دول عربية كثيرة مثل مصر والسعودية وسلطنة عُمان والأردن وسورية والعراق وتونس والجزائر والصومال على أقل تقدير. ومن المفروض أنها فرصة لأنها تمنح الاقتصاد جيشاً من القوى العاملة المتنوعة والشابة والمعطاءة، ولكن الذي يبدو أن كثيراً من هذه الدول وبفعل الاضطرابات والتقلبات العنيفة التي شهدتها المنطقة لم تتمكّن من بناء المنظومة الاستثمارية القادرة على الاستفادة المثلى من هذه الطاقة الشبابية، أو توفير المدخرات التي يمكن تخصيصها للفئات الأقل قدرة على التكيّف لتحسين مداخيلهم، حتى ينمو الاقتصاد إلى الحدّ الذي يمكنه من توفير فرص عمل مجزية لهم، وكافية لتأمين حاجاتهم الضرورية. وبسبب تراجع الأوضاع خلال العقد الثاني من هذا القرن وحتى الآن فقد شهدنا محاولات عربية شبابية للهجرة. ومع أن ظاهرة القوارب المحملة بالشباب المهاجرين غير الشرعيين لم تقتصر على الدول العربية خاصة في شمال أفريقيا، إلّا أن العرب مثلوا جزءاً مهماً منها. ولا تتوفر إحصاءات واضحة عن عدد الشباب العربي الذي يفكر في الهجرة. ولقد خسر العرب خلال العقدين الماضيين مئات الألوف من الشباب المؤهلين الذين آثروا البقاء في البلدان التي درسوا فيها، أو كانت خدماتهم قد طلبت من الباحثين عن العمال المهرة أو أصحاب التخصصات النادرة، أو من أولئك الذين لم يجدوا فرص عمل، فآثروا المخاطرة بحياتهم وركوب القوارب وعواصف البحر بحثاً عن ملاذ آمن يوفر لهم أساسيات الحياة، رغم أنهم لا يحصلون على اللقمة إلّا بمرّ الأنفس وبصعوبة بالغة. ولقد بدأت تظهر في الدول التي يهاجر إليها الشباب العرب ثقافة الرفض للقادمين الجدد. وهناك موجات الكراهية والعنف ضدهم. ولقد قامت في كل دول أوروبا، حتى التي فيها حكومات متعاطفة، أحزاب معارضة وساخطة على المهاجرين. وارتبط هذا الأمر بظهور موجات من الثقافة والأدب التي تصور هؤلاء المهاجرين بأنهم سوف يشكلون أغلبية السكان، خاصة إذا كانوا من المسلمين، وتجد هذه الثقافةَ في دول أظهرت حسن موقفها من الحرب على غزة للحق الفلسطيني. ووفقاً لإحصائيات جديدة، فإنّ عدد المسلمين سوف يصل إلى ثلث السكان أو نصفهم في بعض الدول الأوروبية خلال الفترة القادمة حتّى العام 2050 أو بعد 25 سنة من الآن. وهناك وسائل إعلامية وثقافية معادية للعرب في الدول تغذي مشاعر مواطني تلك الدول ضدهم. وهذا أمر يجب أن تأخذه الأحزاب السياسية الدينية بعين الاعتبار في المستقبل؛ حتّى لا تستقطب قوى كثيرة ضد العرب والمسلمين وتبرّر المزيد من توجيه الضربات إليهم. بدأت تظهر في الدول التي يهاجر إليها الشباب العرب ثقافة الرفض للقادمين الجدد. وهناك موجات للكراهية والعنف ضدهم ولذلك؛ فإنّ المطلوب من الدول العربية ذات الموارد المحدودة أن تبدأ في التخطيط لنفسها منطلقة من مواجهة التحديات الكبرى خلال السنوات القادمة، والأمر الأهم هو ضرورة تحسين إدارة الموارد في هذه الدول سواء كانت بشرية، أو معدنية طبيعية، أو ثقافية أو مالية أو غيرها. وهذا يتطلب التخطيط الذي ينطبق عليه مصطلح الطاقة الخلاقة (Synergy)، فكل قطاع يجري فيه استثمار أو يُختار قطاعاً رائداً يجب أن ينطوي على درجة من الفعالية والكفاءة ليحدث نمواً في القطاعات الأخرى المتصلة به. لا يكفي التخطيط بأنّ الزراعة ستنمو بمقدار 7% سنوياً، بل يجب أن تحسب أن مقدار الأثر التنموي الذي سيحدثه هذا النمو الزراعي على قطاعات التجارة والتصدير، والمياه، والطاقة، وغيرها. وإذا ترابطت القطاعات بسلسة من العلاقات التبادلية مع القطاعات الأخرى فإنّ النمو الذي سيتحقق سيكون كافياً لإقناع المواطنين في كل بلد عربي أنه سيصل كل قطاعات الشعب خلال مدة معقولة. وهكذا تصبح مطالبة الناس بالاصطبار على بعض النقص مشروعة، ويمكن للناس أن يتجرعوها وينتظروها. ولا ننسى أن عدد النساء الداخلات إلى سوق العمل يزاد كثيراً ووفق متوالية هندسية. ولم تعد المرأة الشابة أو غيرها تعتبر نفسها الضلع الناقص في صدر آدم عليه السلام. ولا ترى أن قدرتها على إدارة الرجال ما تزال قاصرة وتعاني من عقدة سندريلا، بل على العكس هناك دراسات تؤكد أن النساء أكثر إنتاجية من الرجال في كثير من الأحيان وأقل تهرّباً من واجبات العمل وأكثر انضباطاً فيه وأقل نزعة للفساد والرشوة. ولذلك؛ فإنك تنظر إلى بعض القطاعات المهمة في الاقتصاد الوطني لبلد مثل الأردن، وتتساءل: ماذا سيحصل لقطاع الصحة لو لم يكن هناك نساء طبيبات، وممرضات، ومعالجات، وصيدلانيات؟ ماذا سيحصل لقطاع التكنولوجيا في المكاتب لو لم تكن هناك عاملات صابرات ذكيات ينظمن الملفات والمواعيد والالتزامات. ماذا سيحصل لقطاع المال لو أن الفتيات لم يعملن فيه محاسبات وضابطات ترخيص ومحلّلات ميزانيات؟ وقِسْ على ذلك في قطاع التعليم وقطاع الصناعة المنزلية وقطاع السياحة وقطاعات الخدمات الأخرى المختلفة، لقد أصبحت النساء الآن جزءاً لا يتجزأ من سوق العمل، ولا يجوز وصف هذه السوق بالذكورية. ولعلّ من الظواهر الملفتة للنظر هو أنّ سوق العمل صارت سبباً من أسباب ارتفاع نسبة الطلاق في العائلات، وأظهرت أنانية لدى الرجال الذين يتركون أطفالهم لمطلقاتهم لكي ينفقن عليهم. وهذه الظاهرة التي يستغل فيها الرجال عاطفة الأمومة القوية لدى النساء توسّعت وصارت أكثر شيوعاً من أي وقت مضى. هناك كثير من العوامل الاجتماعية التي باتت بحاجة إلى إعادة نظر من أجل بناء أجيال قادمة واثقة بنفسها، وقادرة على مواجهة التحديات القادمة بشجاعة أكبر وبصيرة أقوى. وكان الله في عون المسؤولين العرب الذين سيجدون صعوبة في إعادة تأهيل المواطن حتّى يساهم بدوره العادل في معادلة النمو وتوزيعه في العقود القادمة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية