
عربي
لا يزال لبنان يتكبّد خسائر جسيمة من جرّاء استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيه على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه مع إسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحيث يواصل جيش الاحتلال سياسة تدمير القرى الجنوبية الحدودية مع إبقائه احتمال توسعة العمليات العسكرية قائماً، ما يترك البلاد في حالة عدم استقرار أمني، وتالياً اقتصادياً.
ومرّ عامان على فتح حزب الله جبهة الإسناد اللبنانية دعماً لغزة، مع تنفيذه أولى عملياته العسكرية في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ضد مواقع إسرائيلية، قبل أن تتخذ المعارك أشكالاً متنوعة، ويصعّد جيش الاحتلال اعتداءاته جنوباً مركزاً بداية على الإبادة البيئية واعتماد سياسة الأرض المحروقة، وتدمير ممنهج للمنازل والوحدات السكنية والبنى التحتية، ومن ثم يبدأ عدوانه الموسّع في سبتمبر/أيلول 2024 حتى تاريخ 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وبقيت الخروقات بعد هذا التاريخ مستمرة، وفاقت 4250 خرقاً، وأسفرت عن سقوط أكثر من 200 شهيد حتى اليوم.
ولم يتمكّن لبنان من إكمال عمليات مسح الأضرار في جميع المناطق التي طاولها العدوان منذ 8 أكتوبر 2023 أو تحديد رقم رسمي ونهائي للخسائر وذلك في ظلّ استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على القرى الحدودية، ومواصلة إسرائيل احتلال نقاط جنوبية. وتقول مصادر رسمية لبنانية لـ"العربي الجديد"، إنّ "لا إحصاءات نهائية صادرة بعد حول خسائر لبنان من جرّاء العدوان، خصوصاً بعد فترة نوفمبر/تشرين الثاني، لأنّ الاعتداءات لا تزال مستمرّة ممّا يرفع الأرقام، ولاسيما جنوباً وبقاعاً، ولكن بحسب التقديرات، سواء الصادرة عن مؤسسات محلية أو دولية، فإنّ الخسائر قد تصل إلى 20 مليار دولار".
وتبعاً للمصادر، فإن "عدد الوحدات السكنية المهدّمة يفوق 45 ألفاً، أما عدد الوحدات السكنية المتضررة فيتجاوز 150 ألفاً، وهناك أكثر من 37 قرية ومنطقة مسحت بالأرض"، لافتة إلى أن "الأضرار طاولت بشكل كبير القطاع الزراعي، وتقدّر بأكثر من 900 مليون دولار، بحيث تعطل النشاط الزراعي على امتداد 130 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، وطاول الإحراق المتعمد عشرات الآلاف من أشجار الزيتون وأشجار الفاكهة والأراضي الزراعية المتنوعة".
ولا يزال مسار إعادة الإعمار معلقاً في ظلّ الشروط الدولية المطلوبة من لبنان، والتي تتمحور بشكل أساسي سياسياً حول حصرية السلاح بيد الدولة، إلى جانب تشريعات اقتصادية أساسية وسلّة إصلاحات على الحكومة اللبنانية القيام بها للحصول على الدعم المطلوب، سواء لإعادة إعمار ما دمّره العدوان الأخير أو لدعم المؤسستين العسكرية والأمنية.
في الإطار، يقول سامي عطالله المدير المؤسس لمبادرة سياسات الغد، لـ"العربي الجديد"، إن "تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان مستمرّة، خصوصاً في ظل مواصلة إسرائيل اعتداءاتها على لبنان، وبقاء احتمالات التصعيد قائمة، ما يؤثر تلقائياً على سمعة لبنان المالية، واستقراره، وعلى قرار المستثمرين الذي يبقى معلقاً ربطاً بالتطورات"، معتبراً أن لبنان بات رهينة لوضع إقليمي، يؤثر حتى على إعادة الإعمار وليس فقط على عودة النهوض الاقتصادي.
ويلفت عطالله إلى أن الوضع اليوم يختلف عن حرب يوليو/تموز 2006. حينها، انتهت الحرب، وبدأت ورشة إعادة الإعمار، أما اليوم فالحرب لا تزال مستمرة ولو بشكل محصور جنوباً وبعض الضربات في العمق اللبناني، ولكن لا استقرار حتى اليوم، كما أن إعادة الإعمار مشروطة دولياً بجملة برامج إصلاحية وسياسية على الدولة اللبنانية القيام بها.
ويرى عطالله أن كثرة الحديث السياسي عن تعافي لبنان اقتصادياً أو بدء مسار تعافيه خصوصاً عبر الربط بالأرقام التي حققها في موسم الصيف، ليست دقيقة جداً، ومبالغ فيها أحياناً، باعتبار أنّ الاقتصاد على صعيد لبنان ككلّ لم يتحسّن، لا بل هناك تدهور للأوضاع في قطاعات عدة، منها الصحية، وفي البنى التحتية عدا عن الأضرار التي طاولت المناطق التي تعرضت للقصف الإسرائيلي ولاسيما منها في الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع والجنوب، وبالتالي، فإن التحسّن في حال سجل يقتصر على بعض المناطق ضمن العاصمة، ويرتبط بطبقة معينة هي تلك المرتاحة مادياً فقط.
وعلى الرغم من حركة السياحة الناشطة التي شهدها لبنان في موسم الصيف، بيد أنها اقتصرت على قطاع المطاعم والمؤسسات السياحية بالدرجة الأولى، وفي مناطق معينة في بيروت بشكل أساسي، ولم تشمل جميع المناطق اللبنانية. وأظهر تقييم للبنك الدولي، نشر في 25 يونيو/حزيران الماضي، والذي أجري خلال الفترة من 8 أكتوبر 2023 إلى 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، أن إجمالي الأضرار المباشرة في عشرة قطاعات رئيسية بلغ نحو 7.2 مليارات دولار، في حين قُدّرت احتياجات التعافي وإعادة الإعمار بنحو 11 مليار دولار.
كما قُدِّرت الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والمرافق الحيوية بنحو 1.1 مليار دولار، شملت قطاعات النقل، والمياه، والطاقة، والخدمات البلدية، والتعليم، والرعاية الصحية.
