صحافيو السودان تحت الحصار في الفاشر: مطاردة واغتصاب وجوع
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
يعيش الصحافيون السودانيون في مدينة الفاشر، عاصمة إقليم دارفور غربي السودان، واحدة من أقسى لحظات الحرب المستمرة منذ أكثر من عام ونصف، حيث يُحاصرون بالعنف والجوع والقصف المتواصل، إلى جانب آلاف المدنيين الذين يحاولون تغطية معاناتهم اليومية من قلب المأساة. وفي شهاداتٍ جمعتها لجنة حماية الصحافيين (CPJ) من سبعة صحافيين سودانيين يقيم بعضهم في الفاشر أو فرّ منها أخيراً، تتكشف صورة قاتمة عن واقع المهنة في المدينة التي تحولت إلى بؤرة للعنف بعد أن فقدت قوات الدعم السريع السيطرة على العاصمة الخرطوم في مارس/آذار الماضي. يقول أحد الصحافيين: "نحن نتضور جوعاً، ونُطارَد، لكننا ما زلنا نغطي الأحداث. أصواتنا هي الشيء الوحيد المتبقي". الفاشر تحت النار منذ اندلاع الحرب في السودان في إبريل/نيسان 2023، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع – وهي تشكيل مسلح تطوّر من مليشيات الجنجويد المتهمة بارتكاب فظائع في دارفور مطلع الألفية – تشهد الفاشر تصعيداً مستمراً في القتال، إذ تسعى قوات الدعم السريع إلى السيطرة على المدينة لترسيخ قبضتها على الإقليم الغني بالموارد. ووُجّهت إليها اتهامات بارتكاب أعمال إبادة جماعية جديدة بحق سكان دارفور. في ظل هذا الواقع، تحوّلت مهنة الصحافة إلى مخاطرة يومية بالحياة. الصحافيون الذين بقوا في المدينة أو حاولوا المغادرة يواجهون تهديدات متزايدة، ومداهمات، واعتقالات، وتشهيراً علنياً على الإنترنت. يروي عدد من الصحافيين والصحافيات مشاهد مروّعة عن الانتهاكات التي يتعرضون لها. تروي إحدى الصحافيات التي تحدثت للجنة حماية الصحافيين أنها تعرّضت في سبتمبر/أيلول الماضي لاعتداء جنسي جماعي على يد ثلاثة مسلحين من قوات الدعم السريع بعد أن اقتحموا حيّها في الفاشر. تقول: "دخلوا منزلي وسألوني إن كنت صحافية. أمروا عائلتي بالمغادرة، ثم ضربوني واغتصبوني. لم يكن هذا عنفاً عشوائياً. كان عقاباً على عملي". وتضيف: "لم أستطع الوصول إلى أي رعاية طبية. لا وسائل لمنع الحمل الطارئ، ولا مضادات حيوية، ولا حتى مسكنات للألم. المستشفيات مدمرة، والعيادات مغلقة. لا أعرف حتى الآن إن كنت حاملاً، ولا يوجد طبيب واحد يفحصني". وبحسب منتدى صحافيات دارفور، وثّق اغتصاب ست صحافيات منذ بداية الحرب، أربعٌ منهن في الفاشر وحدها، غير أن المنظمات الحقوقية ترجّح أن تكون الأعداد الحقيقية أكبر بكثير بسبب الوصمة المرتبطة بالعنف الجنسي ونقص الدعم الطبي والنفسي المتاح للناجيات. العنف لم يقتصر على النساء. الصحافي حامد هارون يروي للجنة أنه أوقف عند حاجز تابع لقوات الدعم السريع أثناء عودته إلى منزله. وبعد تفتيش هاتفه، اكتشف المسلحون تقريراً كتبه عن قصف آخر مستشفى متبقٍ في المدينة. يقول هارون: "اتهموني بالتعاون مع الجيش، واعتقلوني 24 ساعة. تعرضت للضرب والتعذيب والاستجواب المتواصل". صحافيان آخران أكدا أن قوات الدعم السريع نشرت صورهما وأسماءهما على الإنترنت، مرفقة بتهديدات بالقتل، في محاولة لإسكات أي صوت مستقل يوثّق الانتهاكات. لا يواجه الصحافيون في الفاشر الخطر الأمني فحسب، بل يعيشون أيضاً تحت وطأة سلاح التجويع الذي تستخدمه الأطراف المتحاربة ضد المدنيين. منذ إبريل/نيسان 2023، فرّ أكثر من 600 ألف شخص من الفاشر والمخيمات المحيطة بها، وفق تقديرات الأمم المتحدة، فيما يواجه من تبقّى خطر المجاعة الحقيقية. وتشير المنظمة الدولية إلى أن نصف سكان السودان – نحو 25 مليون شخص – يعانون من الجوع، في ما يُعدّ إحدى أسوأ أزمات الجوع في التاريخ الحديث. الأسواق والمتاجر في الفاشر فارغة. المواد الغذائية نادرة وباهظة الثمن، ما يدفع السكان، ومن بينهم الصحافيون، إلى البحث عن أي وسيلة للبقاء. يقول الصحافي جهاد أحمد البدوي للجنة حماية الصحافيين: "نعيش على الأمباز الذي نطحنه ونحوّله إلى عصيدة وخنات. هو علف للحيوانات، لكن لا خيار آخر. تتشارك العائلات بضع ملاعق من العصيدة، ويبقون جائعين". الخوف اليومي الخوف أصبح جزءاً من يوميات الصحافيين. تقول الصحافية الناجية من الاغتصاب: "الأثر النفسي الذي تركه هذا فيّ لا يُطاق، فأنا أتحمل وطأته كل يوم. الجميع يخافون العمل". وتؤكد الصحافية لانا عوض حسن، التي أصيبت برصاصة في ساقها قبل أن تتمكن من الفرار من الفاشر قبل ستة أشهر: "الجميع يخشى العمل. حتى لو كتبت تقريراً جيداً، لا تنشره باسمك. كلٌ من قوات الدعم السريع والجيش يستهدف الصحافيين، لكن هذا لا يوقفنا". رغم المآسي المتراكمة، يواصل الصحافيون في الفاشر الكتابة والتوثيق، في ظروف أقرب إلى المستحيلة. لا كهرباء، لا إنترنت، لا طعام، ولا دواء، ومع ذلك يصرّون على أن تبقى أصواتهم شاهدة على ما يجري في دارفور، على أمل أن يسمعهم العالم. "نحن نتضور جوعاً ونُطارَد، لكننا ما زلنا نغطي الأحداث"، يكرر أحد الصحافيين من قلب المدينة المحاصرة. ويضيف: "أصواتنا هي الشيء الوحيد المتبقي".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية