أي برلمان "منتخب" تنتظره سورية؟
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
لا تكتمل سلطات الدولة (لتكون دولة، وإن شكلياً) من دون السلطة التشريعية. هذا هو السبب لإجراء الانتخابات النيابية أخيراً في سورية، في الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. المشكلة أن هذه الانتخابات ليست مباشرةً، وهو ما تقوله السلطة. والمقصد هنا أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع كلّف لجنةً عليا للانتخابات الإشراف على تشكيل اللجان الفرعية في المحافظات كلّها، وشكّلت المحافظات الهيئات الانتخابية (ضمنها فقط حصل الترشّح والانتخاب)، ويعود إقرار تلك الهيئات إلى اللجنة العليا. إن مجموع أعضاء الهيئات الانتخابية سبعة آلاف شخص في المحافظات السورية التي انتخبت، ولم تُجرَ الانتخابات في ثلاثٍ منها، هي الحسكة والرقة والسويداء. إن سبعة آلاف اختاروا 119 عضواً، وسيعيّن الرئيس أحمد الشرع (وفق الإعلان الدستوري) 70 عضواً. ولكن مشكلة المحافظات الثلاث قائمة (لها 21 عضواً) تظلّ أنها لم تنتخب، لوجود خلافات سياسية بين ممثّليها وسلطة دمشق، وتتعلّق بكيفية إدارة الدولة والسلطة، والإصرار على أن تكون السلطة شاملةً وممثِّلةً للسوريين كافّة. العدد الإجمالي للسوريين هو 23 مليوناً، وهناك من يقول أكثر، وبالتالي، لا يمكن أن يشكل عدد سبعة آلاف تمثيلاً جادّاً، وبأيِّ صيغة من الصيغ للسوريين، وضمناً الانتخابات التي انتهت. كان هناك اقتراح يسدّ ثغرة فراغ السلطة التشريعية، ووفق الحالة الانتقالية والمُعقّدة التي تمرّ فيها سورية، وهو أن تشكّل جمعية تأسيسية بإشراف أحمد الشرع، من خبرات سورية في المجالات كافّة، ومن شخصياتٍ مستقلّة ووطنية، وبما يلبّي حاجات التشريع، وتترافق معها الدعوة لانتخابات مجالس وإدارات محلّية، ومجالس النقابات واتحادات للطلبة وللفلاحين، وبما يُدرِّب الناس على الانتخاب الحرّ، وفي الوقت نفسه يتعرّف الشعب إلى الكفاءات، والشخصيات النزيهة والوطنية، وينتخبها لاحقاً لمجلس النواب، وتمتلك سياسات وبرامج تتجاوز المحلّيات والطائفية والقومية المتعصّبة والعشائرية، وهذا يراعي وجود كتلة سكّانية في المنافي، لم تعد بعد إلى منازلها، وأيضاً غير حائزة على وثائق رسمية كما تدّعي السلطة. هناك اعتراضاتٌ على العملية المسمّاة بـ"الانتخابية"، وتتصل بعدم تمثيل مناطق كثيرة أو نسبة معقولة من الناشطين الثوريين منذ 2011، ولا نتكلّم عن المحافظات الثلاث، وأن هناك تحالفات مالية وسياسية تمّت لإقصاء الناشطين، وهناك تأثير للأمانة العامة للشؤون السياسية، وهي الجهة السياسية الوحيدة الفاعلة في سورية، والتابعة لوزارة الخارجية (!)، وللمحافظين، وللقادة العسكريين، وأن كل آليات تشكيل اللجان الفرعية والهيئات الناخبة كانت تتعرّض لضغوطٍ من هذه الجماعات المرتبطة بالسلطة... تؤكّد "قسد" أن الانتخابات كان يجب أن تجري تحت إشرافٍ دوليٍّ، وأن تكون حرّةً وديمقراطيةً لم يُنتخَب من أصل 119 نائباً سورياً سوى ستّة نساء، وهذا يعني سيطرة ذكورية كاملة على المجلس، قبل تعيينات الرئيس الشرع المرتقبة. بعد قراءة عديد من البرامج الانتخابية في وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هناك مشكلة كبيرة في فهم دور المجلس التشريعي سلطةً مستقلّةً، وهناك بند في الإعلان الدستوري يمنعه من مساءلة الحكومة أو المطالبة بطرد وزير أو المطالبة بحلّ الوزارة بأكملها. إن وظيفته هي الاستماع والإنصات لها، وإذا علمنا أن الأحزاب غير ممثّلة في المجلس، وبما يعاكس الشروط الأولى للمجالس التشريعية في العالم، وأن يتمثّل فيها مرشّحو الأحزاب السياسية، وأن يتنافسوا برنامجيّاً ويناقشوا كيفية تلبية شؤون المواطنين، وبدءاً من إقرار القوانين الأكثر واقعية، فإن الحصيلة هنا أن البرلمان المقبل لن يكون ممثّلاً للشعب، بل للسلطة، ولتمرير القوانين التي تشاء. الكلام هذا معطوف على أن أغلبية من فازوا بالانتخابات هم في الأصل مرشّحون من الجماعات أعلاه أو هي راضية عنهم، ولدينا 70% من الأعضاء المعيّنين من الرئيس الانتقالي. وبالتالي، يأتي تشكيل المجلس هذا لغايات تتعلّق بتشريعات وقوانين أصبحت السلطة بحاجة إليها، وكذلك دعايةً إعلاميةً لها أمام العالم بأنّها أصبحت شرعية: ألا يمثّل المجلس التشريعي الشعب؟ هناك لقاءات جديدة ستجريها اللجنة العليا والرئيس والشخصيات المقرّبة منه لمناقشة الانتخابات التي أجريت. وبالتالي، على الرئيس ملء الفراغات، وتذليل المشكلات التي برزت، بدءاً من زيادة عدد التمثيل النسائي، وإجراء مفاوضات جادّة لتعيين أعضاء المحافظات الثلاث، وبموافقة القوى الفاعلة فيها، وليس فرض شخصيات موالية للسلطة، فهذا سيعزّز الفرقة والجفاء وعدم الثقة بالسلطة، وتمثيل المناطق التي لم تتمثّل بشكل جادّ في الانتخابات، فهل سيفعل ذلك أحمد الشرع، أم سيتّجه نحو تعيين شخصيات ثقاة منه، يساهمون في إقرار قوانين أو تعديل قوانين قديمة، وبما يتوافق مع رؤيته لقيادة سورية عبر الخطوات السياسية السابقة (مؤتمر النصر، والحوار الوطني، والإعلان الدستوري، والآن... الانتخابات غير المباشرة)، وفي تعزيز سلطته الفردية، والمحاسيب الدائرين في فلكه. قد تتحوّل الانتخابات غير المباشرة في سورية أداةً لتعزيز سلطة الفرد لا لإرساء الديمقراطية رفضت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) الانتخابات، وتحت سيطرتها هناك خمسة ملايين سوري، في الرقة والحسكة ومناطق في دير الزور وحلب. وطبعاً هناك رفض كامل من السويداء للانتخابات. تؤكّد "قسد" أن الانتخابات كان يجب أن تجري تحت إشرافٍ دوليٍّ، وأن تكون حرّةً وديمقراطيةً. ابتعدت السويداء كثيراً، وهناك مطالبات بحقّ تقرير المصير، وربّما الانفصال. وبالتالي، ليست المحافظة معنيةً بما يسمّى بـ"العملية الانتخابية". ما العمل الآن، وهل سيتمكّن الشرع من ترميم ما حدث من أخطاء منذ الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، وليس في الانتخابات النيابية فقط؟ لا يمكن للعالم أن يتعامل مع هذه الانتخابات بجدّية، لا سيّما أن هناك ثلاث محافظات لم تُجرَ فيها الانتخابات. وأيضاً، لم ينتخب الشعب ممثّليه مباشرة، وهناك تشكيك واسع في جدوى هذه العملية. الدول التي تبنّت الانفتاح على الشرع وسلطته ستتعامل مع الحدث باعتباره انتخاباتٍ "استثنائيةً"، في ظروفٍ استثنائية. ولكن هذا لن يعطي السلطة شرعية تمثيل الدولة بشكلٍ حقيقي. يستطيع أحمد الشرع شرعنة سلطته في الحالتَين أعلاه بأن يستغلّ الثلث الخاصّ به، وأن يُعيِّن 70 شخصية وطنية، وبذلك يُدعّم الثقة به من جديد، ولا بدّ من استقطاب المحافظات الثلاث أيضاً، وهناك العودة إلى الجمعية التأسيسية بدلاً من هذه الانتخابات، ولكن، وفي حال استغلّ النوابَ السبعين، يستطيع أن يُغيّر بهم التمثيل الفاشل في الانتخابات الحالية. فهل تغيّر السلطة رؤيتها للانتخابات الحالية التي تراها ضروريةً لـ"ثورة تشريعية" من أجل مصالحها الخاصّة، إلى رؤية تمثّل مصالح السوريين كلّهم. إن رفض الاعتماد على الأسس الوطنية في الانتخابات الراهنة، وعبر كتلة أحمد الشرع، سيشكّك في شرعية السلطة، وستظلّ تواجه مشكلةَ بقاء ثلاث محافظات خارج سيطرتها، ليتراجع الدعم الدولي، ولم يرفع قانون قيصر بل جمّد فقط، وهذا يؤثّر في الانفتاح الدولي، وفي الوقت ذاته، يؤمّن دعماً لـ"قسد" وللسويداء، وسيثير الأمر مزيداً من الابتعاد الشعبي عن السلطة. إذاً هناك طريقان لتفعيل مسألة الانتخابات وتمثيل الشعب، وعليهما سيكون مصير السلطة الانتقالية في دمشق؛ فأيهما ستختار؟

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية