"فاغنر السود" أو أفارقة الجيش الروسي في حرب أوكرانيا
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
ظاهرة وجود المقاتلين الأفارقة في الجيش الروسي على جبهات القتال مع أوكرانيا تلقى المزيد من الاهتمام الإعلامي منذ بداية العام الحالي، وذلك بعد أن أخذت السلطات الأوكرانية تعرض أمام وسائل الإعلام الدولية بعض الأسرى، الذين ألقت القبض عليهم في ميدان المعركة، وهم يرتدون ملابس عسكرية روسية. وقدمت وسائل إعلام غربية على مدار عام حالات عدة تكشف عن الخداع الذي مارسته روسيا للإيقاع بمواطنين أفارقة بهدف تجنيدهم، ومن أبرز التحقيقات ذلك الذي نشره موقع قناة بي بي سي أفريقيا في إبريل/ نيسان الماضي، تناولت فيه حكاية شاب سنغالي يدعى مالك ديابو، أُسر على يد القوات الأوكرانية، وقُدِّم على أنه مرتزق أفريقي يقاتل مع القوات الروسية. وتمكنت "بي بي سي" من التواصل مع بعض أصدقائه، الذين أكدوا أنه طالب سنغالي يقيم في روسيا منذ عامين. عمره 25 عاماً وينحدر من بلدة كور ماندومي، الواقعة في منطقة كافرين بوسط السنغال، كان طالباً سابقاً في جامعة بالسنغال، وحصل على منحة دراسية عام 2023 للدراسة في جامعة لوباتشيفسكي في نيجني نوفغورود، روسيا. وأُعلن عن أسره من قبل جنود أوكرانيين في 23 إبريل الماضي. الأفارقة... وقود روسيا في حرب أوكرانيا ونشرت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية في يوليو/تموز الماضي شهادات حول استخدام روسيا الأفارقة وقوداً للمدافع في حربها ضد أوكرانيا بسب افتقارها إلى المقاتلين. وقالت إنها تجنّد من جميع الجهات، حتى لو تطلب ذلك خداع الأفارقة بإغرائهم بفرص عمل مجزية، ونقلت شهادات جمعها الجيش الأوكراني من جنود فارين أو أسرى. ومن هؤلاء جان أونانا البالغ من العمر 36 عاماً، الذي كان يقيم في ياوندي عاصمة الكاميرون، شرح للمحققين الأوكرانيين أنه كان عاطلاً عن العمل في بلاده يُكافح لإعالة زوجته وأطفاله الثلاثة، فانتهز الفرصة لتكوين ثروة صغيرة. استوفى معايير عرض العمل في مصنع للشامبو في روسيا، وبعد أن جمع مدخراته، سافر إلى موسكو في مايو/أيار الماضي. وهناك، انضم إلى العديد من الشباب الأفارقة الآخرين الذين قدموا للدراسة أو العمل في روسيا. ولكن، بدلاً من أن تُحلّ أزمته المالية، أوقعته رحلته في جحيم الجبهة الشرقية الأوكرانية، وكادت أن تودي بحياته. وقال، بعد أن وضع أقدامه، بالكاد، على الأراضي الروسية، اعتُقل مع عشرة أشخاص آخرين من بنغلاديش، والكاميرون، وزيمبابوي، وغانا. قيل لهم إنهم ليسوا هنا للعمل، بل لتوقيع عقد لمدة عام واحد مع الجيش الروسي والخدمة على الجبهة الأوكرانية. الإغراء الأساسي للانضمام إلى "فاغنر" هو الرواتب المجزية بدأت القضية تتحرك في عدة دول أفريقية مثل نيجيريا والسنغال وتوغو، بعد أن أخذت تصلها رسائل من الهيئات الدولية كالصليب الأحمر، تخبرها عن وجود مقاتلين أفارقة اعتقلتهم أوكرانيا يطلبون تدخّل أهاليهم للإفراج عنهم، وتؤكد أغلب الرسائل المتداولة أن أغلب هؤلاء من فئة الشباب القادرين على حمل السلاح والقتال، وأنهم يتوزعون إلى فئتين. الأولى، الذين ذهبوا في بعثة دراسية في الجامعات الروسية لكنهم وجدوا أنفسهم بعد وصولهم يساقون للتدريب السريع، ومن ثم لجبهات القتال. والثانية هي، من الباحثين عن العمل الذي وقعوا عقوداً مع شركات روسية، لكنهم حينما وصلوا هناك تم إرسالهم للقتال.  في الحالين تعرضت أغلبية هؤلاء إلى عملية خداع مدروس، وقد اضطرت روسيا أخيراً إلى قوننة مسألة تجنيد الأفارقة في جيشها نظراً لافتضاح الأمر، وتحوله إلى قضية دولية، ونظراً لوجود أسرى لدى أوكرانيا ووصول قضيتهم إلى منظمات دولية، بالإضافة الى وقوع أعداد كبيرة منهم قتلى، وفقدان أخبارهم، ومطالبة أهاليهم ووزارات خارجية دولهم. لتعويض الخسائر التي تكبدتها في ساحة المعركة، من دون إثارة موجة ثانية من التعبئة، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أغسطس/آب الماضي مرسوماً يسمح للأجانب بالخدمة في الجيش الروسي، ليس فقط خلال حالة الطوارئ أو الأحكام العرفية، ولكن أيضاً خلال فترة التعبئة، ومن أجل توسيع جهود موسكو في التجنيد العسكري، سيسمح الكرملين أيضاً للمتخصصين المؤهلين الذين بلغوا السن القانونية بتوقيع عقود مع جهاز الاستخبارات الخارجية (SVR)، وجهاز الأمن الفيدرالي (FSB)، أو أجهزة أمن الدولة الأخرى. حتى أغسطس الماضي، لم يكن يُسمح للأجانب بالخدمة في الجيش الروسي إلا خلال حالة الطوارئ أو الأحكام العرفية، والتي لم تُعلنها موسكو على الرغم من غزوها الشامل لأوكرانيا قبل ثلاث سنوات ونصف. وهذا يعني أمرين، الأول هو التغطية القانونية لآلاف المواطنين الأفارقة الذين يقاتلون في جيشها. والأمر الثاني هو الحاجة إلى مقاتلين لرفد جبهة القتال، وذلك من أجل تعويض النقص الكبير بالمقاتلين الذي تعاني منه روسيا بسبب خسائرها البشرية الفادحة. تتحدث وسائل إعلام غربية عن آلاف من الأفارقة الذين وجدوا أنفسهم يُقاتلون في الخطوط الأمامية. وتم توظيف كثيرين غيرهم في المصانع للحفاظ على استمرارية أعمالهم، وبات هؤلاء يعرفون باسم "فاغنر السود"، عطفاً على القوات التي شكلها يفغيني بريغوجين المعروف بـ"طباخ بوتين"، الذي قُتل في حادث تحطم طائرته قرب موسكو في أغسطس 2023 ومن بعده تغيرت طبيعة ومهمة القوات، التي باتت متمركزة بشكل رئيسي في عدد من البلدان الأفريقية، خصوصاً شرق ليبيا إلى جانب جيش اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، ودولتي مالي وأفريقيا الوسطى. الإغراء الأساسي للانضمام إلى "فاغنر" هو الرواتب المجزية، والوعود بالتوظيف، أو حتى إمكانية الحصول على الجنسية الروسية. ومنذ بداية عام 2024، حصل ما مجموعه 3344 مواطناً أجنبياً ممن ذهبوا للقتال في أوكرانيا على الجنسية الروسية، وفقاً لوزارة الداخلية الروسية. وانضم آلاف من الأفارقة طواعية إلى صفوف جيش المرتزقة. لكن بالنسبة للآخرين الذين تم الزج بهم على جبهات الحرب في أوكرانيا، فإنّ القصة أكثر تعقيداً، والشائع أنه قد تم التلاعب بهم وتجنيدهم قسراً. حصل 3344 مواطناً أجنبياً قاتلوا في أوكرانيا على الجنسية الروسية يأتي هؤلاء من عدة دول نيجيريا، زامبيا، تنزانيا، توغو، جمهورية أفريقيا الوسطى، الكاميرون. منهم من هو متأثر بهذه الظاهرة أكثر من غيره، لكن السيناريو هو نفسه دائماً، يسافر الشباب الأفارقة إلى روسيا، أملاً في العثور على عمل، وينتهي بهم الأمر في جبهات القتال من دون تدريب كاف، الأمر الذي يحولهم كوقود للمدافع، بعضهم يفقد حياته، وتنقطع أخباره نهائياً، والبعض الآخر في السجن، أو عالق على خط المواجهة بين روسيا وأوكرانيا. يتوسلون إلى حكوماتهم لإعادتهم إلى أوطانهم، وأخيرا تناقلت الأنباء نداء استغاثة من 14 غانياً عالقون في خضم القتال في دونيتسك. وبعد تحرك الأهالي، شرعت العديد من الحكومات الأفريقية بتحذير طلابها من عمليات الاحتيال في التعليم الروسي، ومن مخاطر الحصول على منح دراسية روسية مزيفة، حيث يُجبر العديد من الطلاب الذين يقبلونها على الانضمام إلى الجيش الروسي وإرسالهم إلى جبهات القتال في أوكرانيا. اعتقال توغوليين في أوكرانيا وفي مايو/ أيار الماضي أعلنت وزارة خارجية توغو أن أوكرانيا اعتقلت واحتجزت مواطنين توغوليين بعد مشاركتهم "في عمليات عسكرية إلى جانب القوات المسلحة الروسية". وأضافت: "غادرت غالبية المواطنين، وخاصة الطلاب الشباب، توغو بناء على منح دراسية مزعومة تقدمها منظمات يُفترض أن مقرها روسيا". وكشف السفير الروسي في نيجيريا أندريه بودليشيف عن خطط لزيادة عدد المنح الدراسية للأفارقة في المؤسسات الروسية بشكل كبير، مشيراً إلى وجود حوالي 32 ألف طالب أفريقي مسجلين في الجامعات الروسية، من بينهم حوالي ألفي نيجيري. يعتبر القانون الدولي التجنيد القسري، أو بدافع المال، نوعاً من الاتجار بالبشر، لأن بعض هؤلاء الأشخاص خُدعوا. سافروا بحجج واهية، وكان ينبغي إخبارهم بدقة بما سيفعلونه. ووفقا لمجلة منتدى الدفاع الأفريقي (ADF)، قاتل حوالي ألفي مواطن من أكثر من 50 دولة في منطقة دونباس الأوكرانية (تضم إقليمي لوغانسك ودونيتسك)، 75% منهم دعماً لروسيا. ولا يقتصر تجنيد الأجانب على روسيا فقط، بل إن أوكرانيا تعتمد على ذلك أيضاً، وقد أنشأ الجيش الأوكراني الفيلق الدولي، وهو مجموعة من الجنود من جميع أنحاء العالم يأتون للقتال إلى جانبه.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية