
عربي
بينما تستعد المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا، لإجراء المرحلة الثالثة من انتخابات المجالس البلدية في 20 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، يثور تساؤل جوهري: هل يمكن لهذه الانتخابات المحلية أن تشكل مدخلاً لحل الأزمة الليبية المزمنة، أم إنها مجرد محطة شكلية في مشهد الانقسام؟ بالنظر إلى حجم المشاركة في المرحلتين السابقتين من هذه الانتخابات، بنسبة 50% بالمرحلة الأولى نهاية العام الماضي، ونسبة 70% بالمرحلة الثانية في أغسطس/آب الماضي، تبدو الإجابة أنها تحمل مفتاح الحل إذا نجحت في كسر هيمنة النخب المرتبطة بالأجسام السياسية الحاكمة، وتمكنت من بناء قيادة محلية تتمتع بشرعية شعبية حقيقية. فحجم المشاركة المتدرج في الارتفاع في المرحلتين السابقتين، يعكس مؤشراً مشجعاً على وعي مجتمعي متزايد ورغبة الليبيين في إدارة شؤونهم المحلية بعيداً عن الصراعات في السلطة المركزية.
لكن في الوقت نفسه فإن هذا الإقبال المتدرج في الارتفاع تواكبه مخاوف حقيقية، فالمشهد السياسي لا يزال مرتهناً لقوى تملك أدوات العرقلة، سواء في الشرق والجنوب من خلال هيمنة عائلة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أو في الغرب من خلال نفوذ حكومة الوحدة الوطنية. وبالتالي لن يصل إلى الحكم المحلي إلا من يواليهما، بالإضافة إلى تعزيز الحسابات الإقليمية المتشابكة، إذ تواصل مصر وروسيا دعم حفتر، فيما تحتفظ تركيا بثقلها في طرابلس. من هنا تبدو الانتخابات البلدية خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها لن تكون مفتاحاً للحل ما لم تتحول إلى نموذج للحكم المحلي الرشيد يعيد الثقة في العملية الانتخابية ويمهد لتأسيس شرعية أوسع على مستوى الدولة. فنجاح الانتخابات مرتبط بقدرة الليبيين على خلق طبقة من القادة المحليين المستقلين عن شبكات النفوذ في مراكز القوى المتصارعة.
وفي هذا الخضم تبرز خطة بعثة الأمم المتحدة الأخيرة لتثير مخاوف جدية، فقد منحت مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة؛ المجلسين اللذين فقدا الشرعية، أداة التحكم في المسار الانتخابي عبر ضرورة توافقهما على إعادة تشكيل مجلس المفوضية العليا للانتخابات، في أولى مراحل خريطة الطريق السياسية الجديدة. يشكل ذلك تهديداً حقيقياً للانتخابات البلدية إذا ما عيّن المجلسان شخصيات موالية لهما في مجلس مفوضية الانتخابات، وهذا يعني إعادة إنتاج الأزمة بتمكين المجلسين من التوغل في مستقبل الحكم المحلي، بل ووضعه تحت رحمة المجلسين. فهل تدرك البعثة الأممية أن خريطتها قد تهدد الشرعية الوليدة التي يمكن أن تتشكل من القاعدة البلدية؟
