
عربي
تشير المؤشرات التركية والدولية إلى بدء تحسن الأداء الاقتصادي العام في تركيا، مدفوعًا بارتفاع الطلب المحلي وزيادة إنفاق الأسر، ما يحفّز نمو الناتج المحلي الإجمالي، بعد تراجع نسبة النمو العام الماضي إلى 3.2%، مقارنة بـ5.1% عام 2023. وتدل مؤشرات التعافي، بعد نمو الاقتصاد التركي بنحو 2% خلال الربع الأول ونحو 4.8% خلال الربع الثاني، متجاوزًا التوقعات، على تحسن واضح في الأداء، الأمر الذي دفع البنك الدولي إلى رفع توقعاته للاقتصاد التركي أمس من 3.1% إلى 3.5% للعام الجاري، ومن 3.6% إلى 3.7% للعام المقبل.
جاء ذلك ضمن تقرير نشره البنك الدولي، أمس الثلاثاء، بشأن اقتصادات أوروبا وآسيا الوسطى وشرق آسيا والمحيط الهادئ وجنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
وجاءت توقعات البنك الدولي أعلى من تلك الواردة في البرنامج الاقتصادي التركي متوسط المدى للفترة 2026 – 2028، الذي أعلنه نائب الرئيس جودت يلماظ الشهر الماضي، مبرّرًا التعديلات على معدلات النمو والبطالة والتضخم بأنها أكثر واقعية من الخطة السابقة المتفائلة. وأكد أن الهدف الاستراتيجي يظل إعادة التضخم إلى مستوى أحادي دائم في نهاية المدى المتوسط، من خلال اتباع سياسات نقدية ومالية صارمة ومنسقة.
ويُظهر البرنامج متوسط المدى تراجعًا واضحًا في أهداف النمو مقارنة بالخطة السابقة؛ فقد خُفّض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2025 إلى 3.3% بدلًا من 4%، فيما جرى تعديل هدف عام 2026 من 4.5% إلى 3.8%، وتراجع مستهدف عام 2027 من 5% إلى 4.3%، أما عام 2028 فحدّد له معدل نمو قدره 5% كخاتمة لفترة البرنامج. وذلك بعد أن كانت الخطة السابقة (2024 – 2026) تتوقع نموًا نسبته 4.5% لعام 2025 و5% لعام 2026، مع الحفاظ على وتيرة نمو قريبة من 5% سنويًا ضمن أفقها الزمني.
وفي السياق، يقول المحلل التركي باكير أتاجان، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، إن اقتراب انتهاء الحرب في المنطقة وبدء تحسن الإنتاج والصادرات التركية، إلى جانب ارتفاع الطلب المحلي وزيادة الطلب الخارجي، كلها عوامل دفعت البنك الدولي لرفع توقعاته لنمو الاقتصاد التركي. وأوضح أن الاقتصاد التركي، رغم تراجعه الكبير خلال العام الماضي عن ارتفاعاته القياسية، كان قد حقق نموًا تجاوز 7% سنويًا في أعوام 2018 و2019، بل وصلت نسبة النمو إلى نحو 9% خلال الربع الثالث من عام 2021 قبل أن يتراجع تدريجيًا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لتبقى تركيا ثالث أسرع اقتصاد نموًا ضمن مجموعة العشرين.
وأضاف أتاجان أن الظروف الموضوعية في المنطقة العربية، وحتى لدى شركاء تركيا الرئيسيين في القارة الأوروبية، من تضخم وصراعات وظروف مالية، تؤثر على أداء الاقتصاد التركي وسرعة نموه. ومع ذلك، فإن بدء سياسة التيسير النقدي وتخفيض أسعار الفائدة وعودة النشاط إلى القطاعات الإنتاجية وقطاعي العقارات والسياحة، عزّزت الآمال بعودة النمو بالتوازي مع تراجع التضخم واستعادة الثقة، وبالتالي زيادة حجم الاقتصاد التركي، الذي قد يصل إلى نحو تريليوني دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أشار خلال منتدى كفاءة الطاقة في إسطنبول، أول من أمس (الاثنين)، إلى أن الحكومة تخطط لرفع حجم اقتصاد البلاد إلى 1.9 تريليون دولار، والدخل القومي للفرد إلى 21 ألف دولار بحلول عام 2028. كما تهدف الخطة الحكومية، بحسب الرئيس، إلى رفع حجم الصادرات إلى 300 مليار دولار، وإيرادات السياحة إلى 70 مليار دولار. وتتوقع الخطة الاقتصادية الحكومية الجديدة ارتفاع الصادرات تدريجيًا من 273.8 مليار دولار في عام 2025، إلى 282 مليارًا في 2026، ثم 294 مليارًا في 2027، وصولًا إلى 308.5 مليارات دولار بحلول عام 2028.
كما تتوقع الخطة متوسطة المدى تحسن مؤشرات القطاع الخارجي، وأن يتراجع عجز الحساب الجاري إلى ما يعادل 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، ثم إلى 1.3% في 2026، قبل أن يستقر عند 1.2% في 2027 وينخفض إلى 1% بحلول عام 2028. وفي القيم المطلقة، يُقدّر أن ينخفض العجز من 22.3 مليار دولار في 2026 إلى نحو 18.5 مليار دولار في 2028. كما لم تغفل الخطة معايير الانضباط المالي الدولية المتعلقة بعجز الموازنة، إذ توقعت أن ينخفض العجز تدريجيًا إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2026، ثم إلى أقل من 3% بحلول عام 2028، وهو مستوى يتوافق مع معيار "ماستريخت" الأوروبي.
