مستقبل اقتصاد إسرائيل بعيداً عن دعم أوروبا
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
ألقت ادعاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 15 سبتمبر/أيلول 2025 بأن إسرائيل ستضطر إلى أن تكون أكثر اعتماداً على نفسها ومكتفية اقتصادياً في السنوات القادمة، وستصبح "أسبرطة عظمى" بسبب عزلة متزايدة تعاني منها الدولة على الساحة العالمية، الضوء على حجم الدعم الأوروبي لاقتصاد إسرائيل وضيق القادة الأوروبيين بسياسات نتنياهو في غزة. وقال نتنياهو في مؤتمر للمحاسب العام لوزارة المالية في القدس المحتلة إن إسرائيل تحت تهديد العقوبات وحظر الأسلحة ليس أمامها خيار سوى تبني الاكتفاء الذاتي الاقتصادي والعسكري، لأن "الهجرة اللامحدودة" أنتجت أقليات مسلمة "عدوانية للغاية" في أوروبا، مما أجبر حلفاء كانوا موالين له سابقاً على تبني سياسات معادية لإسرائيل. فهل يملك الاقتصاد الإسرائيلي والصناعات العسكرية مقومات الاكتفاء الذاتي والنمو بمعزل عن دعم أوروبا، التي وصف قادتها بالضعفاء الذين يستسلمون للأقليات المسلمة المتطرفة في بلدانهم، وهو أكثر الساسة الإسرائيليين إدراكاً لحجم الدعم الذي تتلقاه إسرائيل سنوياً بحكم طول بقائه في رئاسة الوزراء لمدة 17 عاماً وتوليه وزارتي المالية والخارجية في عهد أرئيل شارون؟! دعم أوروبي تاريخي تتلقى إسرائيل دعماً اقتصادياً وتقنياً وعسكرياً وأمنياً وسياسياً أكثر من أي دولة أخرى في العالم. ومنذ قيام الدولة في سنة 1948 وما قبلها، تعتمد إسرائيل كلياً على أوروبا درعاً واقياً في وقت الأزمات، ومانحاً للمساعدات المالية والعسكرية والاقتصادية والغطاء الدبلوماسي الحيوي في أروقة الأمم المتحدة في الشدة والرخاء. وبعد دخولها في حماية الولايات المتحدة منذ سنة 1967 لم ينقطع الدعم الأوروبي عن إسرائيل. يتجذر دعم إسرائيل في الضمير الأخلاقي والسياسي الأوروبي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية. ولولا الدعم الوجودي ما قامت إسرائيل ولتفككت قبل عقود. وتلتزم ألمانيا، على وجه الخصوص، صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا والثالث عالمياً، بدعم إسرائيل بسبب عقدة الجرائم النازية ضد اليهود، الهولوكوست بالألمانية، خلال الحرب العالمية الثانية، حيث أقر مستشار ألمانيا الغربية، كونراد أديناور في عام 1951 بأن ألمانيا ارتكبت جرائم لا توصف ضد اليهود. وفي عام 1952، عقدت ألمانيا وإسرائيل مفاوضات بشأن التعويضات، حيث وافقت ألمانيا على دفع أموال ضخمة وصلت في مجموعها إلى 100 مليار دولار، كتعويضات لضحايا الإبادة الجماعية النازية. وفي عام 1965، أقامت الدولتان علاقات دبلوماسية. ومنذ ذلك الحين، واصلت ألمانيا دعم إسرائيل في القدرات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، وأرسلت معداتٍ عسكريةً وأفراداً لتحديث إسرائيل وإعمارها، وأرست أساساً مبكراً لقدراتها الاقتصادية والعسكرية في الإقليم. وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، رفعت ألمانيا صادرات الأسلحة إلى إسرائيل عشرة أضعاف مقارنة بعام 2022. ومن بين 218 ترخيصاً لتصدير السلاح لإسرائيل في عام 2023، جرت الموافقة على 185 ترخيصاً خلال الهجوم الإسرائيلي. وبحسب تقرير صادر عن معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام في مارس/آذار 2024، وفرت ألمانيا 30% من واردات إسرائيل من الأسلحة في سنة 2023، في مقابل 69% من الولايات المتحدة. وكشف المستشار السابق أولاف شولتز عن أنه تعهد للقادة الإسرائيليين بتقديم "أي دعم مطلوب". وفي عام 1965، زودت بريطانيا إسرائيل بنحو 180 دبابة سنتوريون استعداداً لعدوان 1967، وقبل أسبوع واحد فقط من الحرب، زودتها مرة أخرى بالأسلحة والذخيرة، والتي أثبتت فاعليتها الكبيرة في هزيمة إسرائيل جيوش مصر وسورية والأردن واحتلال سيناء ومرتفعات الجولان وقطاع غزة والضفة الغربية في ستة أيام. وحديثاً تمتلك النرويج أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم، بأصول تبلغ قيمتها تريليوني دولار، تستثمر أمواله في 9 آلاف شركة حول العالم. تتكتم إسرائيل على حجم استثمارات الصندوق في شركاتها ومجالات عملها. مصادر إعلامية تعلن أن الصندوق يستثمر 1.8 مليار دولار في 38 شركة إسرائيلية. وفي رسالة إلى وزارة المالية النرويجي، كشف رئيس الصندوق، نيكولاي تانجن، أن الصندوق يستثمر 2.3 مليار دولار في 61 شركة إسرائيلية. وسائل إعلام أوروبية كشفت عن استثمار الصندوق في شركات حيوية تصنع محركات الدبابة ميركافا وصواريخ هجومية ومحركات طائرات عسكرية وطيران العال. بسبب إدانة المحكمة الجنائية نتنياهو، أعلن رئيس الصندوق مؤخراً عن بيع استثماراته في 23 شركة إسرائيلية، بقيمة 4 مليارات كرونة (تعادل 400 مليون دولار). ولا يزال الصندوق يحتفظ بـ19 مليار كرونة (تعادل 1.9 مليار دولار) يستثمرها في 38 شركة إسرائيلية، ولكنها تخضع للتدقيق كل ثلاثة شهور لبيع من يشارك منها في العدوان على غزة أو الضفة. وقبل أيام، أعلن الصندوق أنه انسحب من خمسة بنوك إسرائيلية متهمة بتمويل بناء مستوطنات غير قانونية في الضفة الغربية. أوروبا تعاقب نتنياهو الاتحاد الأوروبي، أكبر شريك تجاري لإسرائيل، يستقبل ثلث تجارها. عقد الاتحاد اتفاقيات كثيرة وكبيرة، رافعة للاقتصاد الإسرائيلي، مثل اتفاقية سنة 1964 التي بموجبها تحظى المنتجات الإسرائيلية بإعفاء من الرسوم الجمركية، واتفاقية التجارة الحرة في سنة 1975، واتفاقية الزراعة ومصايد الأسماك سنة 2010، والتي تمكن من وصول منتجات إسرائيل إلى الأسواق الأوروبية، واتفاقية "الأجواء المفتوحة" سنة 2018، والتي تدعم السفر الجوي بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وغيرها الكثير. وفي سنة 2024، بلغ حجم التجارة بين الجانبين 42.6 مليار يورو، الواردات الإسرائيلية من الاتحاد الأوروبي نحو 26.7 مليار يورو، والصادرات الإسرائيلية إلى الاتحاد 15.9 مليار يورو. كما يدعم الاتحاد الأوروبي إسرائيل بالعلوم والتكنولوجيا منذ سنة 1995 من خلال برنامج شراكة سهّل مشاركة إسرائيل في مبادرات الاتحاد الأوروبي، كان آخرها قبولها في برنامج الأفق في عام 2021 للبحث والابتكار للاتحاد الأوروبي، وهو وسيلة للنمو الاقتصادي والتوظيف، ولإضفاء الشرعية على الباحثين والجامعات الإسرائيلية. في منتصف سبتمبر المنصرم، اقترحت المفوضية الأوروبية تعليق اتفاقية التجارة مع إسرائيل لأن المحكمة الجنائية الدولية دانت قادة حكومتها بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وما زال المقترح تحت البحث. القرار سيكون سبباً في فقدان صادرات إسرائيل لأسواق، وزيادة البطالة وتراجع الدخل وتراجع في الاستثمارات الأجنبية بسبب تزايد المخاطر الاقتصادية والسياسية، وصعوبة الحصول على المواد الخام والمعدات الضرورية للصناعة المحلية. وقبل أسبوع، قدمت مجموعة من المنظمات والمحامين في مبادرة "العدالة والمساءلة من أجل فلسطين" شكوى جنائية أمام المدعي العام الفيدرالي الألماني، تستهدف 11 مسؤولاً حكومياً، على رأسهم المستشاران الألمانيان الحالي والسابق، ميرز وشولتز، بتهمة مساعدة إسرائيل على ارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في حق الشعب الفلسطيني. وضمت الشكوى أربعة مديرين تنفيذيين في شركات تزود دبابات الميركافا بمحركات الديزل الألمانية العملاقة، وتزود المسيرات والصواريخ بالمكونات التقنية، ما يكشف حجم اعتماد الصناعة العسكرية الإسرائيلية على التكنولوجيا الألمانية. مستقبل اقتصادي غامض بعد دقائق فقط من تصريحات نتنياهو بخصوص أسبرطة، انخفضت مؤشرات بورصة تل أبيب 2% دفعة واحدة. وعبرت مجموعات صناعة التكنولوجيا الفائقة عن الرعب والغضب من وقف الدول الأوروبية دعم اقتصاد إسرائيل، وألقت بالمسؤولية على نتنياهو في عزل الاقتصاد الإسرائيلي. وقال رئيس اتحاد مصنعي إسرائيل، رون تومر، إن نتنياهو قال علناً ما كنا نحذر منه، وهو أن العلامة التجارية الإسرائيلية المبدعة والناجحة والمطلوبة تضررت بشكل خطير في العالم، وإن الاكتفاء الذاتي سيكون كارثة على الاقتصاد الإسرائيلي. ورد منتدى التكنولوجيا الفائقة لإسرائيل على دعوة نتنياهو لعزل إسرائيل عن اقتصاد أوروبا في بيان يقول: "هل هذه هي رؤية رئيس الوزراء، أن نعود إلى كوننا بائعي برتقال؟!". وقال زعيم المعارضة يئير لبيد في بيان، إن العزلة ليست قدراً، إنها نتيجة سياسة خاطئة وفاشلة لنتنياهو وحكومته، اللذين حوّلا إسرائيل إلى دولة من دول العالم الثالث. وعبر رئيس الحزب الديمقراطي، يئير غولان، عن غضبه بالقول، إن نتنياهو يقول لشعب إسرائيل: "أحتاج إلى حرب وعزلة أبدية، وستضحون جميعاً بالدولة والاقتصاد ومستقبل أطفالكم وعلاقاتكم بالعالم، وإن ردنا على هذا الرجل الحقير هو: هذا العام، سنستبدلكم ونُنقذ إسرائيل". إسرائيل اليوم بين أن تزيح نتنياهو وتتوقف حرب الإبادة، أو تلقى مصير أسبرطة، التي بشر بها نتنياهو، تلك المدينة اليونانية التي اشتهرت بعسكرة سكانها ودخولهم في حروب مستمرة مع مدن اليونان من حولها، وبعد فترة قصيرة من سيادتها، استطاع جيش مدينة تدعى طيبة هزيمتها.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية