ذكرى مجد متجدد..
أهلي
منذ 6 أيام
مشاركة

في المعارك الكبرى، حين تحل المصائب والرزايا بالأوطان والشعوب، يبرز إلى الواجهة قادة أفذاذ يتنكّبون على عواتقهم المهمات الصعبة، ويتولّون قيادة اللحظة بمجموعها ومتطلباتها، وفي سبيلها يكرّسون الجهود ويقودون الجموع ويوجهونها لمجابهة الأخطار المحدقة بناسهم وأوطانهم.

هكذا تجري الأمور ماضيًا وحاضرًا عند كل الشعوب، بما في ذلك شعبنا اليمني الذي تعرّض لانقلاب جماعة عنصرية استعلائية استعبادية، بتعاون قوى حاقدة على الشعب والوطن، وضعت الإمكانيات العسكرية والبشرية تحت تصرّف تلك المليشيات، مما سهّل لها إمكانية السيطرة على عاصمة الجمهورية وشنّ حرب شعواء ضد اليمنيين في كل منطقة وجغرافيا.

حينذاك سقطت الجمهورية سقوطًا مدويًا، وكادت قوى الانقلاب إحكام سيطرتها على البلد، بما يعنيه ذلك من ويلات ومآسٍ للشعب. يومها انتصبت مأرب وحيدة شامخة في وجه الطاعون القادم من الشمال، برجالها وشبابها وسكانها عامة، لتضع حدًا لتغوّل قوى الموت وعبثها بالأرض والإنسان.

هنا حُشد المقاتلون وجُمعت الأسلحة والذخائر وما تيسّر من الأغذية والخيام وغيرها، استعدادًا للمنازلة المرتقبة مع قوى الغزو والعدوان التي حاولت –على أكثر من جبهة ومن أكثر من اتجاه– الوصول إلى عمق مأرب والاستيلاء على عاصمتها.

لقد قاتل المأربيون قتالًا منقطع النظير، وسطّروا ملاحم بطولية مجيدة وخالدة، قدّموا خلالها تضحيات جسيمة من الشهداء والجرحى كضريبة لا بدّ منها، وهم يحطّمون بكل فخر واعتزاز غطرسة ووحشية المليشيات على أسوار محافظتهم.

يومذاك برز إلى الواجهة قادة مأرب العظام، من بينهم القائد البطل الفريق/ عبد الرب الشدادي، القائد الذي قاد ووجّه المقاتلين، وشاركهم في كل جبهة وموقع منتصب القامة.

وفي خضم المعارك استُشهد الكثيرون، بل إن أعظم القادة من الرجال والشباب كانوا يتدافعون إلى الصفوف الأولى والمتقدمة، يجودون بأرواحهم ودمائهم الزكية حتى شكّلوا سورًا منيعًا، تحطّمت أمامه غطرسة المليشيات وهوسها.

لقد كانت المواجهة شرسة وقاسية، ولم يكن أمام المأربيين من خيار غير خوضها وعدم الاستسلام لأهداف ورغبات مليشيات كهنوتية استعلائية.

وليشهد التاريخ أن القائد عبد الرب الشدادي ورفاقه قد خاضوا غمار المعركة والمواجهة بإرادة لا نظير لها، صنعت موقفًا عظيمًا يفتخر به كل مأربي وكل يمني حر.

وهكذا ستبقى المآثر والبطولات التي اجترحت ذكرى مشرقة للأجيال المتعاقبة، وهم يمضون نحو حياة حرة وكريمة، بعيدًا عن كل أشكال الظلم والاستعباد والعنصرية البغيضة.

صحيح أنّ ذكرى استشهاد القائد عبد الرب الشدادي حزينة كلما أعادها الزمن، ولن يستطيع الكاتب إيفاء هذا القائد حقّه أو الإلمام في عجالة بكل جوانب حياته واهتماماته المتعددة، وعدّ مثله النبيلة وقيمه الرفيعة، فمثل ذلك يتطلّب الوقت والجهد الكافيين من كُتّاب وباحثين أكفاء، كونه يعني تدوين جزء مهم ورئيسي من تاريخ مجيد لأسرة وقبيلة ومحافظة وشعب.

ومع ذلك لا بدّ من التأكيد على أنّ تضحيات الشهداء والجرحى كانت لهدف سامٍ، يجدر بالأحياء مواصلة المشوار لتحقيقه، بعيدًا عن أي تفريط أو ممارسة عبثية تسيء لسمو الهدف وجسامة التضحية، وأن يحاربوا كل ميل لاستغلال تضحيات الناس والاستحواذ على ما ليس لأحد به حق، وألا يسمحوا للفاسدين واللصوص بالسطو على حقوق الغير وتصدّر المشهد العام بأي حال من الأحوال، وإلا فإنّ الجميع بكل بساطة يخونون الشهداء ودماءهم ومآثرهم.

إنّ خسارة مأرب كبيرة، والمصاب جلل، والحزن عميق لاستشهاد هذا القائد البطل، لكن بطولاته ستبقى معينًا لا ينضب يتزوّد منه الأحرار والمكافحون من أجل الحياة الحرة الكريمة، وفي طليعتهم زملاء ورفاق السلاح الذين حملوا الراية وهي مشبعة بدماء الشهيد الزكية.

ودون شك سيتحقّق النصر المؤزر بإذن الله، حينها ستتلاشى الأحزان وينزاح مصاب الناس وذوي الشهداء، ويعود رفاق السلاح إلى القرى والعُزل ليلتقوا أهاليهم وذويهم، وينجبون الأطفال ويزرعون الحقول ويربّون مواشيهم، ولديهم متسع من الوقت ليقصّوا لأبنائهم وأحفادهم، لأبناء الشهداء وأحفادهم، قصصًا وحكايات مجيدة لبطولات أولئك الرجال الذين جادوا بأرواحهم النبيلة على مذبح الحرية والفداء، كالفريق عبد الرب الشدادي ورفاقه الذين قضوا وهم يدافعون عن وطنهم ويتصدّون لعدوّ طاغٍ، موضّحين أنّ الشهداء لا يموتون، بل إنهم أحياء عند ربهم يُرزقون، فيما تحلّق أرواحهم عاليًا كصقور ترقب الأفق وتحرس الأرض وناسها الطيبين من الأشرار والقتلة باستمرار.

المجد والخلود والرحمة للشهيد القائد الفريق/ عبد الرب صالح الشدادي ورفاقه الشهداء، والعزة والشموخ لمأرب الأبية.

The post ذكرى مجد متجدد.. appeared first on يمن مونيتور.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية