لبنان: تعميم لوزير العدل لتجنّب "اللائحة السوداء" يثير تساؤلات
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
أحدث تعميم صادر عن وزير العدل في لبنان عادل نصّار ضجة كبيرة في أوساط الكتاب العدل والقانونيين، الذين اعتبروا بعض البنود الواردة فيه غير قابلة للتطبيق، ومن شأنها أن تجعل منهم ضابطة عدلية وتدخلهم في زواريب سياسية لا علاقة لهم بها، مع رفضهم استغلالهم لتنفيذ أي أجندات داخلية وخارجية، في ظلّ الضغط الحاصل دولياً على السلطات اللبنانية لتضييق الخناق على حزب الله، سواء عسكرياً أو سياسياً وكذلك مالياً. وأصدر نصّار، المحسوب حكومياً على حزب الكتائب اللبنانية برئاسة النائب سامي الجميل، المعارض لحزب الله، في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تعميماً من تسعة بنود، يستند فيه إلى نظام كتاب العدل ورسوم كتابة العدل القانون رقم 337/1994، والقانون رقم 44/2015، المتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، و"مقتضيات المصلحة العامة"، ويطلب فيه من الكتاب العدل القيام ببعض المهام، أبرزها، عند تنظيم الوكالات والمعاملات، التحقق من أن كل أطراف الوكالة غير مدرجين على لوائح العقوبات الوطنية والدولية، والامتناع عن تنظيم المعاملات في حال حصول العكس، وإعلام وزارة العدل وهيئة التحقيق الخاصة بالأمر. كذلك، يطلب وزير العدل من الكتاب العدل التحقق من مصدر الأموال وذكره في المعاملة أو العقد المنظّم لديه، فإذا كان مصرفياً يجب ذكر اسم المصرف ورقم الشيك أو الحوالة، وإذا كان نقدياً ذكر مصدر المبلغ النقدي، إلى جانب امتناع الكتاب العدل عن تنظيم أو تصديق أي سند إذا تعذّر عليه التثبّت من هوية صاحب الحق الاقتصادي، كما سؤال أطراف المعاملة عن وجود سمسار لمعاملة بيع أو إيجار، والتحقق من هويته ورقمه الضريبي. في هذا الإطار، علم "العربي الجديد" أن اجتماعاً سيعقد اليوم الاثنين بين الكتاب العدل ونصّار للوقوف عند التعميم ووضع ملاحظات عليه، خصوصاً أن هناك بعض البنود غير الواضحة وأخرى غير قابلة للتطبيق، بحيث أن هناك امتعاضاً في صفوف الكتاب العدل، الذين يعتبرون أن هذا التعميم يحوّلهم لضابطة عدلية ويدخلهم في زواريب سياسية لا يريدون الدخول بها، ويرفضون بالتالي تحميل القطاع أي تداعيات سياسية لأي قرار يتخذ، فهم "لا علاقة لهم بالسياسة، بل هم رجال قانون يتحدثون بالقانون، ويعطون وجهة نظرهم القانونية بما يطلب منهم". وتبعاً للمعلومات، من الممكن أن يُطرح هذا التعميم على طاولة مجلس الوزراء بعد ظهر اليوم الاثنين، الذي يبحث في جلسته بنوداً حساسة، على رأسها تقرير الجيش الشهري حول خطته لحصرية السلاح، وواقعة إنارة صخرة الروشة، والتي من المتوقع أن تشهد سجالات على خطي وزراء حزب الله ومعارضيه، الذين يؤيد منهم تعميم وزير العدل وضرورة تنظيم العمليات الحاصلة عبر الكتاب العدل، لوضع حدّ لشبكات تمويل حزب الله. ويقول مصدر مقرّب من وزير العدل لـ"العربي الجديد"، إن التعميم يهدف إلى تنظيم عمل الكتاب العدل أكثر، ومكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، فموقع لبنان دقيق دولياً، وهناك ثغرات تسمح بتسهيل هذه العمليات يجب سدّها ومعالجتها، وتالياً تكثيف الرقابة، لافتاً إلى أن التعميم لا يقتصر فقط على العقوبات الأميركية، بل كل العقوبات الأوروبية والدولية، وسيستند إلى تعاميم مصرف لبنان أيضاً بهذا الشأن، وستكون هناك تسهيلات لعمل الكتاب العدل للوصول إلى المعلومات. ويأتي تعميم وزير العدل بينما يستعد لبنان لتقديم تقرير مفصّل إلى مجموعة العمل المالي (فاتف)، في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، حول الإجراءات التي يتخذها من أجل رفع اسمه عن القائمة الرمادية، وتجنّب إدراجه على اللائحة السوداء. ومن شأن هذا التعميم أن يؤثر على تعاملات عدد من الشخصيات، منها السياسية المدرجة على لائحة العقوبات الأميركية، وذلك في الداخل اللبناني، ومن بينها على سبيل المثال رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، رئيس كتلة حزب الله النائب محمد رعد، النائب علي حسن خليل، الوزير السابق يوسف فنيانوس، وغيرهم. وبحسب عدد من الكتاب العدل الذين تواصل معهم "العربي الجديد"، فإنّ "التعميم فيه تجاوز للصلاحيات، كما أنه يصعب تنفيذه، خصوصاً ما يتعلق بالتحقق من مصدر الأموال، فهذه ليست من مهامهم، هم ليسوا ضابطة عدلية، فكيف عليهم أن يتحقّقوا من ذلك ومما إذا كان الشخص مدرجاً على لائحة العقوبات سواء العائدة إلى مجلس الأمن أو الأميركية وغيرها، كما أنّه ماذا تعني لائحة العقوبات الوطنية، من هم المدرجون عليها، وكيف على الكتاب العدل أن يعرفوا ذلك؟ فالموقوف مثلاً في السجن، وطالما ليس محكوماً، فمن حقه أن يوكل محامياً ويمارس كل حقوقه بشكل طبيعي في البيع والشراء، وذلك لحين صدور حكم بحقه من محكمة الجنايات". ويؤكد الكتاب العدل أنهم لا يريدون الدخول في مواجهة مع وزير العدل، لكنهم في الوقت نفسه لا يريدون إدخالهم في زواريب السياسة، ولا سيما الانتخابية، مع اقتراب موعد الاستحقاق النيابي في مايو/ أيار المقبل، وسيوصلون رسالتهم بهذا الإطار، كما يشددون على أنهم يريدون الحصول على تفاصيل أكثر وتوضيحات حول بعض البنود وكيفية تطبيقها، وما إذا كانت وزارة العدل ستزوّدهم بأسماء معينة أم لا، مؤكدين كذلك أنهم ليسوا سبب الانهيار في لبنان، في بلد بات اقتصاده مبنياً على الكاش، وليسوا السبب وراء وضعه على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (فاتف). من جهته، يقول الأستاذ في مادة القانون في الجامعة اللبنانية المحامي جاد طعمه، لـ"العربي الجديد"، إن "لا خلاف على حق وزير العدل في إصدار التعاميم التي عادة تهدف إلى تنظيم شؤون وزارته، لكن الكاتب العدل ليس من موظفي الوزارة بالمفهوم الوظيفي، بل يخضع لإشراف وزارة العدل ويتبع لمجلس الكتاب العدل، بالتالي، أي قرار يصدره الوزير يتعلق بشؤون المهنة لا بد من مراجعة المجلس والتشاور معه". ويضيف طعمه أن "التعميم غريب، لأنه عملياً يقول إن على الكاتب العدل أن يدقق بصاحب الحق الاقتصادي بأي معاملة، وأن يمتنع عن القيام بأي عملية بيع أو تأجير لمن عليه عقوبات محلية أو دولية، علماً أن العقوبات المحلية إذا لم تنزع من الفرد أهليته فلا يمكن للتعميم أن يفقد الإنسان أهليته القانونية للتعاقد أو التصرف، فهذه قضية كبيرة تمسّ بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن كونها تؤثر على الحقوق المدنية وفيها مخالفات لاتفاقات دولية لبنان موقع عليها". ويشير طعمه إلى أنه "لمجلس الكتاب العدل أن يطعن بالتعميم أمام مجلس شورى الدولة، وأن يُطلب رأي هيئة التشريع والاستشارات، علماً أنه معروف أن لدى وزير العدل مجموعة من القضاة مفترض أن يستشيرهم قبل إصدار تعميم كهذا، ما يطرح العديد من علامات الاستفهام، منها، هل هناك موافقة من قبل مستشاريه القضائيين على تعميم كهذا ينزع من بعض الأشخاص أهليتهم؟ وهل إذا فرضت أميركا أو أي بلد آخر مثلاً عقوبات على شخصية لبنانية غير ملاحقة داخلياً، وغير صادر بحقها حكم قضائي، يجب تنفيذها فوراً ولو أنها قد تكون جائرة؟ هذا الأمر فيه مسّ بمبدأ السيادة". ويلفت طعمه إلى أن غلاف التعميم الظاهري "نظام كتاب العدل ورسوم كتابة العدل والقانون المتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، لكن عندما نريد مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ونفرض التزامات على الكتاب العدل، يجب اللجوء إلى مجلس النواب وطلب تعديل القانون المتعلق بمهنة الكتاب العدل، وبعدها يصدر مثل هذا التعميم، وبالتالي من المتوقع أن نكون أمام جدل قانوني كبير حول مدى تحوير السلطة التي استخدمها وزير العدل عند إصداره هذا التعميم". في السياق، توقف حزب الله من جهته عند هذا التعميم، حيث أشار عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب رائد برو إلى أن "وزير العدل أصدر تعميماً يمنع فيه الكتاب العدل من إجراء أي معاملة قانونية لأي لبناني مدرج على لوائح العقوبات الأميركية، فهل تحوّل وزير العدل لضابطة عدلية للإدارة الأميركية؟".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية