
عربي
يعاني مئات آلاف اللاجئين السودانيين الذين يعيشون في مخيّمات بائسة شرقي تشاد، من شح المواد الغذائية، وانعدام الرعاية الطبية، وندرة مياه الشرب في ظلّ ارتفاع درجات الحرارة.
يتوزّع مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين على نحو 20 مخيّماً في شرقي تشاد، في ظروف بالغة التعقيد، خصوصاً سكان مخيّم أدري المخصص لاستقبال اللاجئين الجُدد، وأعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة تقليص حجم المساعدات الغذائية التي يقدّمها للاجئين السودانيين في دول جوار السودان بسبب قلة التمويل من الجهات المانحة.
وساهم تقلص المساعدات التي كانوا يحصلون عليها من المنظمات الدولية في تفاقم حالات سوء التغذية، وتفشي الأمراض بين النساء والأطفال والمُسنين، فضلاً عن انتشار الجريمة، وقطع الطُرق بين المخيّمات والمُدن والقرى المجاورة.
وبحسب التقديرات الرسمية، تضم مخيّمات تشاد ما يزيد عن 800 ألف لاجئ سوداني، من بينهم أكثر من ثلاثين ألف لاجئ في مخيّمات عطشانا وأم جرس وكرينك، ويضم مخيّم أب تنقي نحو 45 ألف لاجئ، بينما في مخيّم مجي 60 ألف لاجئ، وفي مخيّم أركوم 40 ألفاً، وفي مخيّم فرشانا 30 ألفاً، وفي مخيّم دوكي 50 ألف لاجئ، وفي مخيّم حجر حديد 20 ألفاً، وفي مخيّم تلوم 35 ألفاً، وفي مخيّم أردمي 30 ألفاً، وفي مخيّم علاشا 65 ألفاً، وفي مخيم قوز بيضة 50 ألفاً، وفي مخيّم ظابو 40 ألفاً، وفي مخيّم قاقا 50 ألفاً.
من مخيّم أدري للاجئين، يقول قمر عبد الرحمن لـ"العربي الجديد": "أوضاع اللاجئين الذين وصلوا إلى المخيّم في غاية السوء، وبعضهم تعرض على الطريق إلى انتهاكات، وسلبت ممتلكاتهم، وقتل بعض أفراد أسرهم، ويعيشون حالياً معاناة أخرى تتمثل في نقص المواد الغذائية، وسوء الرعاية الطبية مع انعدام الأدوية. مئات اللاجئين يعانون من سوء التغذية، ويحتاجون بصورة عاجلة إلى الغذاء والدواء. توجد مراكز صحية، لكنها تفتقر للإمكانيات اللوجستية وللأطباء، وتقدم خدمات ضعيفة لمئات اللاجئين الذين وصلوا حديثاً من مدينة الفاشر، ومن مناطق أخرى في إقليم دارفور".
ويضيف قمر: "قطع اللاجئون مئات الكيلومترات للوصول إلى المخيّم، وغالبيتهم يعانون من حالة متأخرة من الهزال نتيجة الجوع، وآخر مساعدات جرى توزيعها كانت في أغسطس/آب الماضي، وكانت غير كافية للأعداد الموجودة، إذ منح كل لاجئ ملوة ذرة تعادل حوالى 3 كيلوات من الدقيق، وأقل من لتر من الزيت، وكيلو عدس، ورطل ملح. يفترض أن ينتظر اللاجئون لشهرين قادمين حتى يحصلوا على ذات الكمية التي لا تكفي لأسبوع واحد، وقد لا تأتي في الوقت المحدد، لأن التوزيع غير منتظم، وربما تتقلص الكمية على قلتها".
ساهم تقلص مساعدات المنظمات الدولية في تفاقم حالات سوء التغذية بين اللاجئين السودانيين في تشاد، بينما يواجه سكان مخيّمات اللجوء صعوبات في الحصول على الرعاية الطبية
ويتفق اللاجئون على أن المساعدات غير كافية، ورغم قلتها، وينتظر سكان بعض المخيّمات شهوراً إضافية بعد مرور المدة المعينة حتى يحصلوا على حصتهم. من مخيّم كرينك، يقول آدم عبد الله لـ"العربي الجديد": "ننتظر المساعدات منذ نحو شهرين، ولم تصل حتى اليوم. وصلنا بشق الأنفس إلى المخيّم الذي يفتقر إلى الخدمات والرعاية الطبية ومياه الشرب، بعد أن قطعنا مئات الكيلومترات سيراً على أقدامنا، ورغم معاناتنا الشديدة، لم نحصل على المساعدات الغذائية الضرورية، ولا نعرف متى نحصل عليها".
ويواجه سكان المخيّم صعوبات في الحصول على الرعاية الطبية، ويصف آدم عبد الله الوضع الصحي بالبائس، قائلاً: "توجد ثلاثة مراكز صحية في المخيّم، من بينها مركز تديره منظمة أطباء بلا حدود، وهو الأفضل، أما بقية المراكز، فتعاني من نقص حاد في الأودية، وضعف كبير في الخدمات الطيبة، ورغم قلة الأطباء، يجد اللاجئون صعوبات في التعامل معهم بسبب حاجز اللغة، فالأطباء يتحدثون الفرنسية التي لا يعرفها اللاجئون، ما يحرمهم من شرح أوجاعهم".
في مخيّم مِجي، الذي يسكنه نحو 60 ألف لاجئ، زادت المعاناة بعد توقف تقديم المواد الغذائية، واستبدالها بالدعم النقدي، والذي يعادل 37 ألف جنيه سوداني (18 دولاراً)، وهي توزع كل شهرين أو ثلاثة أشهر. وتقول مريم جبريل التي وصلت من الفاشر إلى مخيّم مِجي لـ"العربي الجديد": "كان يُوزع علينا قليل من المواد الغذائية، ورغم أنها لم تكن تكفي إلّا لأيام معدودة، لكنها كانت أفضل من النقود، لأنّ السلع غير متوفرة في المخيّم، ولا يستطيع اللاجئون جلبها من الخارج، لأن المنطقة وعرة، والحركة شبه متوقفة نهائياً".
تضيف جبريل:" كنّا نحصل كل شهرين إلى ثلاثة أشهر على كميات قليلة من العدس والذرة والأرز والزيت والملح، لكنّهم استبدلوها بالنقود، ما تسبب في شح المواد الغذائية، وضاعف معاناة اللاجئين، فالمخيّمات لا تتوفر فيها أسواق توفر المواد الغذائية التي يحتاج إليها سكان المخيّم، والنقود صرفها غير منتظم، ويمكن أن تتأخر لأشهر إضافية، ولا نحصل على أي فروقات في الصرف ناتجة عن التأخير".
وتعيق وعورة الطُرق والأوضاع الأمنية غير المستقرة وصول فرق توزيع المساعدات النقدية إلى المخيّمات، ما يتسبب في عدم حصول اللاجئين على النقود المخصّصة لشراء الطعام لأشهر. من مخيّم أب تنقي، يقول اللاجئ السوداني رزق التوم لـ"العربي الجديد": "مئات الأطفال يعانون من سوء التغذية بسبب الجوع وندرة الغذاء، والتأخر في صرف المستحقات المالية التي لا تكفي الأسرة لشراء الطعام لثلاثة أيام، ورغم ذلك تأتي كل شهرين، وفي بعض المرات كل ثلاثة أشهر، وأحياناً تزيد المدة. حتى لو توفرت النقود، فإنه لا توجد مواد غذائية يمكن أن يشتريها اللاجئون".
ويشير رزق إلى أن اللاجئين بجانب الجوع يواجهون مشقة الحصول على مياه الشرب النقية؛ لأنها غير متوفرة في معظم المخيّمات، ويقول: "العطش والجوع والمرض هي السمات البارزة في حياة اللاجئين، إذ نحصل على مياه الشرب بشق الأنفس بعد انتظار يصل في بعض الأوقات إلى عشر ساعات يتمكّن خلالها الفرد من الحصول على لترات معدودة لا تكفيه طوال اليوم، والمياه تأتي لأيام قليلة من الأسبوع، ولا تستمر لفترة طويلة، واللاجئون ليس لديهم أدوات مناسبة لتخزين المياه، ولذلك هم في حالة عطش دائم".
وتُحد الحالة الأمنية غير المُستقرة من حركة اللاجئين، خاصة النساء. تقول كلثوم محمد من مخيّم دُوكي لـ"العربي الجديد": "إلى جانب الجوع وندرة الغذاء، تعاني النساء في المخيمات من ضعف الرعاية الصحية، وغياب متابعة الأطباء، وبعض المخيّمات لا توجد فيها مراكز طبية، ولو أرادت النساء الذهاب إلى العيادات في المخيّمات الأخرى يتعرضن لانتهاكات جسدية وجنسية، ولهذا تعاني الحوامل والنساء عموماً من مصاعب عديدة".
وتضيف كلثوم: "النقود التي توزع على اللاجئين لا تكفي إطعامهم أياماً، ولا تمكّنهم من الحصول على الرعاية الطبية خارج المخيّمات. كيف يمكن للإنسان أن يعيش بأقل من ثلاثين دولاراً لمدة شهرين؟ يستحيل البقاء على قيد الحياة بهذه الطريقة، ولذلك يلقى كثير من الأطفال والنساء وكبار السن حتفهم بأمراض بسيطة يمكن الشفاء منها، لكنّها تفتك بهم بسبب ضعف مقاومتهم الناتج عن الجوع المستمر لأكثر من عامين. لو استمر الوضع على هذه الشاكلة سوف يموت كثير من اللاجئين بسوء التغذية والأمراض وانعدام الرعاية الطبية والدواء الضروري لجلب العافية، والطعام الذي يمدّ الجسم بالمناعة لمقاومة الأمراض".
وساهمت قلة الأمطار في مناطق شرق تشاد في معاناة اللاجئين السودانيين الذين كانوا يستفيدون من الأمطار في توفير مياه الشرب والزراعة، وتقول سلوى محمدين من مخيّم أركوم لـ"العربي الجديد": "شهد هذا العام أقل معدل هطول أمطار، ما حرم اللاجئين من زراعة الذرة التي تحتاج إلى مياه كثيرة حتى تنتج. وكانت المساحات الصغيرة التي يزرعها اللاجئون تساهم في تخفيف الجوع والمعاناة، لكن هذا العام، وبسبب قلة الأمطار، لم نمارس أيّ نشاط زراعي، ما زاد من المعاناة في هذه الشهور مع قلة المواد الغذائية في الفترة ما بين أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، وترتفع الأسعار لأعلى مستوى لها".
وارتفعت وفيات الأطفال دون سنة الخامسة إلى مستويات مقلقة، ويقول طبيب طلب عدم كشف هويته ومكانه عمله لـ"العربي الجديد": "خلال الأشهر الثلاثة الماضية، لقى نحو 170 طفلاً مصرعهم بالأمراض وسوء التغذية نتيجة عدم توفر الرعاية الصحية الأولية".
