
عربي
في أزقة الأسواق السورية من دمشق إلى حلب وطرطوس، تتراقص اللافتات الملونة فوق رؤوس المارين، مكتوب عليها "خصومات لا تُقاوَم" و"تنزيلات هائلة".
أصوات الباعة تتداخل مع ضجيج الزحام، وعربات التسوق تصطف أمام المحال في انتظار فرصة للحصول على ما يسمى بالعروض المغرية. لكن ما وراء هذه اللافتات غالباً ما يختلف عن المتوقع.
المستهلكون يواجهون فجوة بين الإعلان والواقع، حيث تتحوّل مغريات التنزيلات إلى إحباط، والاقتطاعات المعلنة في كثير من الحالات مجرد أوهام تسويقية.
اقتطاعات البضائع الوهمية
سارة الحلبي، ربة منزل من دمشق، تتذكر تفاصيل تجربتها قائلة لـ"العربي الجديد": "ذهبت لشراء أدوات مطبخ بعد أن شاهدت خصم 50% على الملصقات، لكن تبين أن الخصم ينطبق على نوع واحد فقط. شعرت أنني وقعت في فخ إعلاني، فالمبلغ الذي توقعت توفيره كان أقل بكثير من الواقع".
محمد الأبرش، طالب جامعي من حلب، يروي تجربة مماثلة مع الهواتف المحمولة: "اشتريت هاتفاً بعد أن رأيت عرضاً مغرياً على الإنترنت، لكن بعد الدفع اكتشفت أن المنتج مختلف عن الصورة، وخدمة ما بعد البيع ضعيفة جداً. البحث عن عرض حقيقي أصبح مهمة شبه مستحيلة".
في حماة، أمجد فايز، موظف حكومي، يشير إلى أن اقتطاعات الملابس غالباً ما تكون مضللة: "الإعلان كان يشير إلى خصم نصف السعر على التشكيلة الكاملة، لكن العرض يقتصر على مجموعة صغيرة جداً من القطع. البقية تباع بأسعارها العادية".
وفي طرطوس، منى منصور، طالبة جامعية، تضيف: "كنت أتابع تنزيلات على الإنترنت، لكن عندما وصلت إلى الشراء، اكتشفت أن المنتج ليس كما في الإعلان، والأسعار المرتفعة تجعل أي فكرة عن الخصم الحقيقي مجرد وهم".
المنافسة والربح الفاحش
رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها، عبد العزيز المعقالي، يربط ظاهرة التنزيلات الوهمية بتنافس التجار ودخول بضائع من عدة دول.
ويقول في تصريح لـ"العربي الجديد": "بعض التجار ساهموا في ارتفاع الأسعار بالجشع والطمع والاحتكار، عبر تخزين السلع وعدم إعلان السعر، أو بالاتفاق على رفع الأسعار. بالمقابل، هناك محال تقدم السلع بسعر أرخص لجذب الزبائن، رغم انتشار ظاهرة العروض الكثيرة. دخول بضائع من تركيا والخليج وأوروبا ساهم في خلق منافسة حقيقية بين التجار، لكنها أحياناً تولد أوهاماً لدى المستهلكين".
ويضيف المعقالي: "حالياً لا يوجد شيء اسمه تسعير محدد، ونحن نطالب بوضع حد للربح الفاحش. صحيح أننا في حاجة إلى منافسة حرة لتطبيق مبدأ السوق الحر، والتخلص من فرق الأسعار بين أسواق الهال والمفرق، الذي يصل أحياناً إلى أربعة أو خمسة أضعاف السعر في سوق الهال. على المدى البعيد، سيكون هناك نوع من المنافسة بين التجار لأن التاجر يلجأ إلى تدوير رأس ماله".
التنزيلات بين الوهم والتجربة
من جانب التجار، يعترف حسن نادر، صاحب محل إلكترونيات في دمشق، بأن العروض ليست دائماً شفافة، لكنها وسيلة للبقاء في السوق: "نضطر أحياناً إلى عمل عروض وهمية لتسليط الضوء على منتجات محددة، لكن أحياناً يسيء الزبائن فهم العرض ويظنون أنه يشمل كل المنتجات".
وفي سياق مماثل، أمين خليل، تاجر مستلزمات منزلية في دمشق، يقول: "مع دخول بضائع كثيرة من الخارج، نحاول تقديم عروض لتنافسية الأسعار، لكن أحياناً تصبح هذه العروض مضللة، والزبائن يعتقدون أنها تخفيضات حقيقية على كل المنتجات".
تُظهر هذه التجارب أن التنزيلات الوهمية تؤثر على ثقة المستهلك بالأسواق، وتزيد إحباط المواطنين الذين يحاولون توفير جزء من دخلهم المحدود في ظل الأزمة الاقتصادية المستمرة. الخبراء يؤكدون أهمية التحقق من مصداقية العروض، وفحص الأسعار والمواصفات قبل الشراء، لتجنب الوقوع فريسة الإعلانات المغرية التي لا تعكس الواقع.
بين اللافتات الملونة والزحام، وبين أصوات الباعة المتداخلة ورائحة الأقمشة الجديدة والحقائب المعروضة على الأرصفة، يبقى المستهلك السوري مطالباً باليقظة وفحص العروض بعناية، بينما تحاول الجهات الرسمية حماية حقوقه وضبط الربح الفاحش، لتصبح فكرة التنزيلات فرصة حقيقية للتوفير، لا وهماً يكلفه أكثر مما يوفره.
