
عربي
شهد موسم محصول القطن (الذهب الأبيض) في الجزيرة السورية تراجعاً حاداً في المساحات المزروعة، رافقه تدنٍ ملحوظ في الأسعار التي حددتها هيئة الزراعة التابعة للإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية بـ600 دولار للطن الواحد، وانخفضت كمية الإنتاج نتيجة للظروف التي رافقت الحرب، وتأثيرها المباشر بالواقع الزراعي بشكل عام، وسيطرة الجفاف وقلة المياه.
وتراجعت المساحات المزروعة من 52 ألف هكتار خلال عام 2011 إلى أقل من 7 آلاف هكتار لموسم 2025، وافتتحت ثلاثة مراكز رئيسية لاستلام المحصول: مركز أقطان الرقة، ومركز الـ7 كم في دير الزور، ومركز محلجة الحسكة. من جانبه، قال سعد موسى، مزارع من ريف القامشلي الجنوبي، لـ"العربي الجديد": " لم نعد نزرع القطن لأنه في السنة الماضية، قالوا لنا ازرعوا القطن وسندعمكم بالمازوت وسنشتري المحصول، والذي حصل أنهم لم يدعمونا بالمازوت وحتى لم يشتروا المحصول، خسرنا خسارة فادحة".
وأضاف أنه "لأجل ذلك لن نعيد الكرة ولن نزرع القطن حتى ولو قدموا لنا الدعم المالي، لأن أسعار المحروقات غالية، وأسعار البذار غالية، والأيدي العاملة أيضاً غالية، وأكياس الشحن غالية، والتجار يتحكّمون بالأسعار، وفي النهاية هي عملية خاسرة ولن نخوض فيها". أما محمود مسعود موسى، مزارع من ريف ناحية تل حميس في محافظة الحسكة، فقد قال لـ"العربي الجديد": بالنسبة لوضع الزراعة فهو سيئ جداً، لا تتوفر مقومات الزراعة ولو عشرة بالمائة، وليس هناك أي تسهيلات للمزارع ليزاول مهنته ويبدأ بالزراعة".
وأضاف أن "هناك نقصاً شديداً في توزيع المحروقات، وخاصة عندما تكون هناك حاجة قصوى لها. تستطيع أن تقول إنهم يوزعون بالقطارة. قطاع الزراعة على وجه الخصوص ليس له أي دعم. الأسعار هي بالدولار مقابل الليرة السورية، وهكذا دائماً المزارع هو الخاسر". وأشار إلى أن" تغييرات المناخ تؤثر بهطول الأمطار التي بدورها تؤثر في منسوب مياه الآبار".
وأكمل قائلاً "بالإضافة إلى ذلك، قلة اليد العاملة وتوجّه الشباب في الأرياف إلى المدينة حيث تتوفر فرص عمل أكثر هناك. كان لدينا مئة هكتار فيها ثلاث آبار ارتوازية للري، والآن هذه الآبار جرى توقيفها. أغلب المزارعين توقفوا عن الزراعة لأنها لم تعد مربحة، حيث يستثمر فيها لكنها لا تدر عليه أي أرباح".
من جهته، قال المزارع عبد الحليم سعدي، من ريف ناحية القحطانية، لـ"العربي الجديد"، إنه "زرع القطن في إبريل/ نيسان 2025 على مساحة 20 دونماً، وواجه صعوبات كبيرة في عملية الري بسبب نقص المحروقات ورداءة جودتها". كما أشار إلى أنه "لم يحصل على أي نوع من البذار أو السماد من الجهات الرسمية، واضطر لتأمين مستلزماته الزراعية بمجهوده الشخصي، مستفيداً من موجة الحر التي ساعدت في القضاء على دودة القطن دون الحاجة لاستخدام مبيدات".
كان القطن قبل سنة 2011 يشكّل نحو 30% من مجمل الصادرات الزراعية لسورية، وكان المصدر الثالث للنقد الأجنبي بعد النفط والقمح. وحققت سورية تقدماً كبيراً من حيث "مردود الإنتاج في وحدة المساحة" عام 2007، إذ احتلت سورية المرتبة الثانية عالمياً بعد أستراليا، بواقع 3.9 أطنان في الهكتار الواحد. وصل إنتاج القطن في سورية عام 2011 إلى 717 ألف طن من مساحة مزروعة بلغت 175 ألف هكتار. وقد بيّنت دراسة أعدتها وزارة الصناعة في وقت سابق أن إنتاج سورية من القطن يبلغ وسطياً 750 ألف طن، ينتج عنها 250 ألف طن قطن محلوج، يُصدر منها خمسون ألف طن، ويوفر العمل فيه 5.2 ملايين فرصة عمل.
وبحسب تقرير صدر عام 2025 عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، تمر سورية بأسوأ موجة جفاف منذ نحو 36 عاماً نتيجة تراجع الهطولات المطرية. وسجلت محافظة الحسكة انخفاضاً في الهطولات بنسبة 69% مقارنة بالمعدل طويل الأمد، فيما بلغ متوسط العجز على المستوى الوطني نحو 54%.
