
عربي
استناداً إلى رواية الكاتب الإيطالي أنطونيو سكوراتي، الحائزة على جائزة ستريغا الأدبية، والتي تصدّرت قوائم المبيعات منذ صدورها عام 2018، يأتي المسلسل القصير "م: ابن القرن" (M. Il figlio del secolo) ليحمل إلى الشاشة حكاية نشأة الفاشية في إيطاليا وصعود بينيتو موسوليني إلى السلطة. الرواية التي تحوّلت إلى ظاهرة أدبية عالمية، وجدت طريقها إلى الشاشة عبر معالجة درامية من ثماني حلقات، من إخراج البريطاني جو رايت (كبرياء وتحامل، أعظم ساعة). وقد عُرض العمل للمرة الأولى عالمياً في الدورة الـ81 من مهرجان البندقية السينمائي الدولي، قبل أن يُطرح على منصة موبي.
المسلسل يرسم بورتريهاً وحشياً ومفتوناً في آنٍ بالديكتاتور الإيطالي، متتبعاً سنواته السياسية المبكرة بين عامي 1919 و1925: من تأسيس الحركة الفاشية بعد الحرب العالمية الأولى، مروراً بصعوده بين الهامش والسلطة، وصولاً إلى خطابه الشهير في البرلمان بعد اغتيال النائب الاشتراكي جياكومو ماتيوتي، وهو الحدث الذي شكّل نقطة التحوّل الحاسمة في ترسيخ الديكتاتورية.
جو رايت اختار أن يتعامل مع المادة بطريقة تجريبية قصوى. فالمسلسل ليس سرداً تقليدياً، بل عرض متعدد الوسائط: جزء مسرحي يعتمد على المشهدية المباشرة، جزء سينمائي في تصويره وزواياه، جزء أوبرالي في إيقاعه ونبرته العالية، إضافة إلى لمسات من التركيب الفني والفيديو آرت. حتى الموسيقى (بتوقيع توم رولاند من فرقة "كيميكل براذرز") أقرب إلى مزيج من التكنو والأناشيد السياسية.
العمل ينهال على الحواس بكثافة: الجميع يصرخ، لا أحد يتحدث بهدوء؛ الكاميرا تلتقط الوجوه والزوايا الغريبة؛ الدماء والعنف يملآن الشاشة؛ والإيقاع اللاهث يجعل من المشاهدة تجربة خانقة تشبه حضور عرض أوبرالي لا ينتهي. إنها مقاربة مقصودة، إذ يحاكي رايت أسلوب التعبيرية الألمانية التي ظهرت في العشرينيات ذاتها، لكنه بذلك يضع المشاهد في مواجهة مستمرة مع عصابة من الفاشيين الهائجين، كأنك محاصر لثماني ساعات في سيرك دموي.
في قلب العمل يقف لوكا مارينيلي مجسداً شخصية موسوليني. خطيب بارع، ذكي سياسياً، يحيط نفسه بعصابة من البلطجية الذين عُرفوا بالقمصان السوداء. شيئاً فشيئاً، ورغم خلفيته السابقة كصحافي "مثقف"، يتحوّل هو نفسه إلى بلطجي، مطنِب، ساخر، عدواني. يضيء المسلسل على علاقته المتوترة بزوجته راشيل (بينيديتا سيماتي)، وعلاقاته الكثيرة بعشيقاته، خصوصاً الكاتبة مارغريتا سارفاتي التي لعبت دوراً محورياً في تلميع صورته. كما يرصد مواجهاته مع الأسطورة غابرييل دانونزيو، وعدد من أبرز منافسيه السياسيين، إلى جانب استعادة جرائم الفاشيين بحق معارضيهم، من الضرب والتعذيب إلى الاغتيالات.
لكن "م: ابن القرن" لا يتوقف عند التاريخ. فبنيته نفسها تستدعي مقارنات مع الحاضر. موسوليني، الرجل القادم من خارج الجسم السياسي التقليدي، الذي تسلّل مع مجموعة صغيرة من "المجانين والبلطجية" إلى قلب النظام، يشبه في كثير من ملامحه صعود اليمين الشعبوي الجديد في العالم. الاستياء الاجتماعي بعد الحرب، انعدام الفرص للمحاربين العائدين، إحباط الطبقات الوسطى، كلها عوامل غذّت قاعدته الشعبية، قبل أن ينقلب عليها لصالح البرجوازية العليا.
المسلسل لا يخفي هذه المقارنة: موسوليني يصرخ "لنجعل إيطاليا عظيمة من جديد"، جملة لا تحتاج إلى عناء كي نجد صداها في خطابات دونالد ترامب، أو جاير بولسونارو، أو خافيير ميلي. هذه المقارنات تعزز راهنية العمل، لكنها لا تقلل من صعوبة تلقيه.
هناك ما هو مبهر في هذه المعالجة: تصوير هشاشة الديمقراطية أمام أقلية عنيفة، إظهار الجانب الجبان والخجول في شخصية موسوليني خلف خطابه العدواني، استعادة الجو النفسي والجمالي لعصر كامل.
لكن في المقابل، فإنّ الإفراط في الأسلوب المسرحي والأوبرالي، واللجوء إلى الصخب المستمر والعنف المباشر، يجعل من متابعة الحلقات الثماني تجربة مرهقة، أشبه بالاستماع إلى خطاب سياسي طويل ومزعج: لا يُطاق ومثير للإعجاب في الوقت نفسه.
رواية سكوراتي ليست وحيدة، بل الأولى ضمن مشروع روائي ضخم مؤلف من خمس روايات يغطي مسيرة موسوليني كاملة. "ابن القرن" هو البداية فقط. وإذا استمر المشروع درامياً، فهذا يعني أن الجمهور قد يجد نفسه أمام ساعات أطول من الفاشية الدموية. لذلك، قد يكون خيار العودة إلى النصوص الأدبية أكثر إغناء وأقل إنهاكاً من متابعة النسخة التلفزيونية.

أخبار ذات صلة.

بانيايا يراكم الفشل في منافسات "موتو جي بي"
العربي الجديد
منذ 10 دقائق

مقتل سبعة جنود في كمين لإرهابيين في نيجيريا
الشرق الأوسط
منذ 19 دقيقة

قطاع التبغ.. منصة حوثية سرية لتمويل الحرب
العين الإخبارية
منذ 20 دقيقة