
عربي
في نهاية شهر مزدحم، يقف شاب من "جيل زد" أمام شاشة هاتفه يُرّتب ميزانيته ويسأل عن وظيفة تُوازن بين الأجر والمرونة والمعنى. هذا المزاج وثّقته "ديلويت" (شركة خدمات مهنية متعددة الجنسيات ببريطانيا) في مسحها العالمي في 14 أيار/مايو 2025، أولوية عنده للتعلّم المستمر، والصحّة النفسية، وأجور تكفي تكلفة المعيشة. وكأنّ هذا الشاب يعبّر عن ملايين من أقرانه حول العالم، يقفون عند مفترق الطموح والقلق، يبحثون عن معنى في زمن لا يكفي فيه الراتب ولا تصمد فيه الوظائف.
دور جيل ألفا
هذه هي الخشبة التي سيصعد عليها "جيل ألفا" المولود ما بين 2012 و2020 ليؤدّي دوره التالي في الاقتصاد. هذا الجيل الذي وُلد وفي كفّه شاشة. في بيت عادي بأيّ مدينة، يمدّ طفل في الحادية عشرة معصمه لجهاز الدفع فيُسجّل اشتراكا رقميا ويُضاف خصم إلى محفظة العائلة. ليس مشهدا دعائيا، بل نتيجة عقد كامل من تحوّل الدفع حول العالم: تُظهر "وورلد باي المتحدة" (شركة أميركية لمعالجة المدفوعات ومزوّد للتكنولوجيا تتخذ من أوهايو مقرا لها) في تقرير بعنوان "المدفوعات العالمية 2025" الصادر في 10 مارس/آذار 2025 أنّ المدفوعات الرقمية قفزت من 34% من التجارة عبر الإنترنت في 2014 إلى 66% في 2024، ومن 3% إلى 38% داخل المتاجر. فوراء هذه الأرقام حياة جديدة: طفل يشتري لعبته ببطاقته الائتمانية، وأب يتابع فواتيره من هاتفه، ومتجر يبيع أكثر عبر الإنترنت مما يبيعه عبر الأبواب. الاقتصاد تغيّر، والجيل الجديد بات يتعامل مع المال كما يتعامل مع لعبة إلكترونية. إنها الطفرة التي جاء معها "جيل ألفا" الذي تعلّم كيف يدفع قبل أن يتقن التوقيع.
ووثّقت "أوفكوم" (الهيئة التنظيمية البريطانية لقطاعات البث والإنترنت والاتصالات) في تقرير "استخدام الإعلام لدى الأطفال والآباء" في 19 إبريل/نيسان 2024 أنّ "امتلاك هاتف محمول في سن الـ11 أصبح قاعدة"، ووثّقت أن تسعة من كل عشرة أطفال في هذا السن يملكون هاتفا خاصا. أي أن مشهد طفل في الابتدائية يحمل هاتفا لم يعد رفاهية، بل هو القاعدة الجديدة، والباب الذي يدخل منه إلى عالم يتعلّم فيه كيف يستهلك، ويشارك، ويتفاعل قبل أن يتعلّم كيف يكتب بخطّ اليد.
المعاملة الرقمية
وبالتالي لا عجب في أن المعاملة الرقمية أضحت عادة يومية عند "جيل ألفا" الذي دخل العالم الرقمي وهو في بطن أمه. فداخل البيت، "جيل ألفا" ليس متلقّيا بل "مدير تسوّق" صغير. هذا ما يؤكده تقرير "دي كيه سي أناليتيك" (شركة أبحاث واستطلاعات رأي وبحوث السوق والعملاء) الصادر في 6 أغسطس/آب 2025 الذي قدّر إنفاق "جيل ألفا" المباشر في الولايات المتحدة بأكثر من 101 مليار دولار سنويا، ويعلن حسب 58% من الأباء الذين شملتهم الدراسة أنهم أكدوا أن أبناءهم الذين تتراوح أعمارهم بين ثماني سنين و14 سنة يُؤثّرون في 42% من إنفاق الأسرة وترتفع النسبة إلى 49% عند الأسر ذات الدخل المرتفع. وعليك أن تتخيّل أنّ طفلا في العاشرة من عمره هو من يقرّر نوع الحليب الذي تشتريه الأسرة أو اللعبة التي ستُضاف إلى العربة، إنّه مستهلك صغير بعقل مؤثّر، يُحرّك السوق من غرفة الألعاب.
الأرقام مرشّحة للارتفاع وفقا لعديد الدراسات، آخرها دراسة شركة "ماكريندل" الاستشارية القائمة على الأبحاث في 3 مايو/آيار 2024، والتي قدّرت أثر "جيل ألفا" الاقتصادي بـ5.46 تريليونات دولار بحلول 2029. أي أن هذا الجيل الصغير، الذي لم يدخل بعد الجامعة، يستعد لأن يكون القوة الشرائية الكبرى في العالم خلال أقل من خمس سنوات.
وقالت "ماكريندل" إنه في الفضاءات الافتراضية حيث يقضي أفراد جيل ألفا الكثير من الوقت، "يُركز التفاعل عبر الإنترنت أو الرقمي بالكامل تقريبا على الجانب التجاري"، وأشارت إلى أنه "لا شيء يمنع جيل ألفا من شراء سلع عبر الإنترنت من خلال منصات دفع أخرى قد تكون مرتبطة بحساب أحد الوالدين". وأضافت أنه نتيجة لذلك، فإنهم يتعلمون "أن يكونوا مستهلكين جادين في سن مبكرة أكثر من أي وقت مضى". وبالتالي النتيجة أنّ من يتسوّق بلمسة اليوم، سيستثمر ويقود الشركات غدا. مما يعني أن "جيل ألفا" يوجّه سلّة الشراء اليوم، وغدا سيشتري باسمه.
