
عربي
يتشارك ليبيون كثيرون الخوف من الوجود الكثيف للمهاجرين في بلدهم، والذين يؤثرون سلباً على جوانب من حياتهم ومعيشتهم، ويتظاهر بعضهم للتعبير عن استيائهم ورفضهم استمرار الوضع على حاله في ظل عدم تجاوب السلطات.
عاد ملف المهاجرين السريين في ليبيا إلى الواجهة مجدداً عبر تظاهرات حاشدة شهدتها مدينتا طرابلس ومصراتة أخيراً، وشارك فيها مئات المواطنين الذين عبّروا عن رفضهم لمحاولات توطين المهاجرين، ودعا بعضهم إلى ترحيل المهاجرين في شكل عاجل إلى بلدانهم الأصلية.
في ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس، احتشد متظاهرون رفعوا لافتات أبرزها "ليبيا ليست مكاناً للمهاجرين" و"لا لتوطين المهاجرين"، وأكدوا أن الوجود الكثيف للمهاجرين يُهدد هوية البلاد وتركيبتها الاجتماعية. وأطلق بعضهم هتافات دعت السلطات إلى اتخاذ مواقف حاسمة وواضحة من الظاهرة، مستنكرين الصمت الرسمي الذي يعتبرون أنه يفتح الباب أمام تفاقم الوضع وخروجه عن السيطرة.
وفي مدينة مصراتة (شرق) انجرفت التظاهرات الى العنف بعدما اقتحم عدد من المشاركين سوقاً عشوائياً للأفارقة يُعرف محلياً بـ"سوق الأفارقة"، وطردوا من في داخله وحطموا أمتعتهم، ما أثار مخاوف لدى عدد كبير من الحقوقيين والنشطاء من احتمال انزلاق الغضب الشعبي من تزايد أعداد المهاجرين الى أعمال عنف أكثر حدة وأوسع انتشاراً. ووسط الغضب استنكر متظاهرو مصراتة "جرائم" يرتكبها مهاجرون، وحمل بعضهم السلاح، والمخاطر الأمنية والاجتماعية المرتبطة بتجمعاتهم العشوائية داخل الأحياء السكنية.
على الصعيد الرسمي أبدى عميد بلدية مصراتة، محمود السقوطري، قلقه من أعمال العنف والاعتداءات التي طاولت المهاجرين، ووصفها بأنها "ممارسات لا يقبلها عقل ولا منطق ولا دين". وأوضح أن "ظاهرة المهاجرين السريين مسؤولية من يؤمن الحدود الليبية خصوصاً تلك في الجنوب".
وأشار إلى أن مصراتة من أكثر المدن الليبية تحمّلاً لأعباء المهاجرين، وأن مجلسها البلدي يعمل منذ سنوات لتنظيم العمالة عبر لجنة خاصة للتواصل مع الحكومة، لكنه أدان "أي خروج عن المسار الشرعي، خصوصاً الاعتداء على أبرياء يشارك بعضهم الليبيين دينهم وعقيدتهم، ولجأ بعضهم إلى ليبيا هرباً من الحرب والقتل في بلدانهم".
ويستنكر عدد من النشطاء والحقوقيين ما وصفوه بأنه "اختراق محرضين على الكراهية ضد المهاجرين دعوات التظاهر ضد التوطين". ويعتبر رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أحمد عبد الحكيم حمزة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن سلوكات التحريض على الكراهية ضد المهاجرين قد يعرض ليبيا لمسؤوليات قانونية دولية خطيرة. ويعتبر أن "المعالجة الحقيقية لملف تنظيم وجود الأجانب والحدّ من الهجرة غير السرية يجب أن تحصل عبر مؤسسات الدولة، وعلى رأسها وزارات الداخلية والعمل والتأهيل". ويشدد على "ضرورة تأمين الحدود الجنوبية ووقف عمليات الإعادة القسرية للمهاجرين من البحر المتوسط إلى ليبيا".
من جهته، يشجب عيسى جاب الله، من سكان مصراتة، الاعتداء على المتظاهرين ودفع التظاهرة إلى مسار العنف، لكنه يؤكد أن الوضع في أحياء كثيرة في مصراتة بات لا يطاق مع تزايد أعداد المهاجرين. ويقول لـ"العربي الجديد": "يواجه سكان بعض الأحياء مشكلات يومية تتعلق بانتشار السرقات والتعدي على ممتلكاتهم، ما يخلق حال توتر دائم بينهم وبين المهاجرين".
وفيما يبدي جاب الله استياءه من عدم تقديم السلطات أي حلول ملموسة رغم الشكاوى المتكررة من السكان، يؤكد أن عدم التجاوب الحكومي دفع السكان إلى الخروج في تظاهرات للتعبير عن استيائهم ورفضهم استمرار الوضع على حاله.
وفي حي غوط الشعال، أكثر الأحياء الذي تتركز فيه أعداد كبيرة من المهاجرين في العاصمة طرابلس، يُبدي المواطن أنس وريث استياءه من صمت الحكومة، ويقول لـ"العربي الجديد": "تظاهر أهالي الحي مرات للمطالبة بحلّ جذري للمشكلة، لكن من دون جدوى، وباتت المنطقة مكتظة بالمهاجرين الذين ينتشرون في الأحياء في شكل يثير الخوف حتى على من يخرجون إلى وظائفهم وأعمالهم بعيداً عن بيوتنا، والحكومة لا صوت لها، ولا تتخذ إجراءات فعلية للحدّ من مشاكل السكان".
وتفيد وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية بأن نحو 3 ملايين أجنبي يوجدون في ليبيا، دخل 80% منهم البلاد سرياً، وسط تحذيرات متزايدة من أن استمرار هذا الواقع قد يحوّل ليبيا من بلد عبور إلى بلد استقرار للمهاجرين، ما يهدد الهوية الوطنية والنسيج الاجتماعي، ويضع البلاد أمام تحديات محلية ودولية متشابكة.
وسبق أن نظمت السلطات في طرابلس وبنغازي لقاءات دولية شارك فيها مسؤولون أوروبيون وأفارقة لمناقشة ملف الهجرة السرية، وطالبت خلالها بضرورة أن يتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته في المساهمة بحلّ الأزمة. وأكدت أن ليبيا دولة ممر وليست دولة مصدر للمهاجرين، وأن أي حل جذري يستلزم معالجة الأسباب من جذورها في دول المنشأ ودول العبور.
