
عربي
بينما يعيش الاقتصاد الأميركي مرحلة دقيقة تتقاطع فيها إشارات التباطؤ في سوق العمل مع ضغوط التضخم المستمرة، دخلت "سيتي غروب" (Citigroup Inc) على خط التقديرات المستقبلية لتوقّع سيناريو مغاير: خفض الفائدة في 2025 يتبعه انتعاش اقتصادي يقود لاحقاً إلى دورة رفع جديدة للفائدة بحلول 2027.
هذا السيناريو، الذي تصفه المجموعة بمناخ "إعادة التضخم" (Reflation)، يفتح الباب أمام رهانات استثمارية معقّدة في السندات والأسواق المالية، ويرسم صورة لاقتصاد قد يواجه مراحل متناقضة من السياسات النقدية في فترة قصيرة.
وبحسب التقرير الذي أوردته اليوم الجمعة نقلاً عن خبيري "سيتي غروب" آدم بيكيت وديرك ويلر، فإن الأسواق قد تبالغ في تقدير ميل الفيدرالي نحو التيسير النقدي، خصوصاً أن ضعف سوق العمل يعكس في جانب منه زيادة الإنتاجية وليس مجرد وهنٍ دوري. واعتبر الاستراتيجيان أن الفيدرالي، وإن بدا "حمائمياً" في تصريحاته الحالية، فإنه يهيئ المناخ لـ"اقتصاد محموم" (run-it-hot) يستدعي في النهاية رفع الفائدة من جديد.
وأوصت "سيتي" بالرهان عبر عقود "SOFR Futures" المستقبلية، أي عقود مؤشر التمويل المضمون لليلة واحدة، وهي أدوات مالية مشتقة تُستخدم للتداول والتحوّط ضد تغيّرات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة. حيث يتوقعون أن يتحوّل الفرق بين عقود يونيو/حزيران 2026 ويونيو 2027، من مسار التيسير إلى التشديد. كما شجعت على التمركز الطويل في الأسهم والنحاس وعدد من العملات في الأسواق الناشئة باعتبارها مستفيدة من سيناريو إعادة التضخم.
لوغان: التضخم العائق الأكبر أمام الفيدرالي
على خط موازٍ، شددت لوري لوغان، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، أن الاقتصاد الأميركي لا يزال بعيداً عن تحقيق هدف التضخم البالغ 2% أكثر مما هو بعيد عن التوظيف الكامل. وفي تقرير مستقل نشرته بلومبيرغ الجمعة، أوضحت لوغان في مؤتمر بالمكسيك أن الخفض المفرط للفائدة يحمل مخاطر جدية، داعية إلى الحذر، خاصة أن معدل البطالة البالغ 4.3% يقترب من المستويات المستدامة على المدى الطويل.
وأضافت أن سوق العمل يرسل إشارات مختلطة من تباطؤ في نمو الوظائف يقابله استقرار في معدلات البطالة. كما لفتت إلى نقاش مهم داخل الفيدرالي حول إمكانية استبدال سعر الفائدة المرجعي التقليدي (الفيدرال فندز رايت) بمؤشر آخر أكثر استخداماً في الأسواق، وهو نقاش يعكس تحولاً محتملاً في أدوات السياسة النقدية نفسها.
جيفرسون: الفائدة والتوازن الهش بين التضخم والوظائف
من جهته، أعاد فيليب جيفرسون، نائب رئيس الفيدرالي، التحذير من صعوبة تحقيق التوازن بين مواجهة التضخم والحفاظ على سوق عمل قوية. وفي كلمته أمام منتدى اقتصادي في فيلادلفيا، أشار إلى أن حالة عدم اليقين ما زالت مرتفعة لكنها ستنحسر مع تبلور السياسات الحكومية المقبلة.
جيفرسون أكد أن تخفيض الفائدة الأخير في 2025 كان خطوة لدعم التوظيف، لكن مسار السياسة النقدية المقبلة سيبقى معلقاً على البيانات الاقتصادية وتطور المخاطر. واعتبر أن الإغلاق الحكومي الجاري لن يشكل عائقًا كبيراً أمام تقييم الوضع، إذ يمكن للفيدرالي الاعتماد على بيانات بديلة من القطاع الخاص.
وما بين رهان "سيتي غروب" على عودة رفع الفائدة بعد 2026، وتحذيرات لوغان من التضخم المتجذّر، وتنبيه جيفرسون إلى هشاشة سوق العمل، يبدو أن السياسة النقدية الأميركية مقبلة على مرحلة متناقضة من التيسير لكبح التباطؤ إلى التشديد إذا اشتعلت الأسعار مجدداً.
وهذا التذبذب المحتمل يضع المستثمرين أمام معادلة معقدة: كيف يستعدون لسوق قد تتأرجح بين ركود قصير الأمد وانتعاش تضخمي لاحق، في ظل بيئة سياسية مضطربة واقتراب انتخابات منتصف الولاية الأميركية في 2026؟
