هموم جزائرية على اليمن: الورتلاني وبومدين
أهلي
منذ أسبوع
مشاركة

لَلصداقة والأُلْفَة بين الشخصيات والرموز الوطنية دور في بناء العلاقات بين الدول من خلال أجهزتها الرسمية. لم يمنع البعد الجغرافي بين اليمن (المشرق) والجزائر (المغرب) من وجود شخصيات فكرية وسياسية تنويرية، نقطة التقائها كانت نضال التحرر الوطني.

الدكتور عبدالعزيز المقالح، في أحد أبحاثه اللامعة بمنتصف الثمانينيات، أقام جسراً بين شخصيتين من الجزائر: الفضيل الورتلاني، رائد من رواد الفكر الإسلامي والعربي الحديث، وهواري بومدين، الثائر والرئيس.

جاء الورتلاني إلى اليمن في الثلاثينيات والأربعينيات، الذي كان غارقاً في ظلام التخلف الإمامي، «فدار بزر دولابها التاريخي دورة جديدة»، وهو أيضاً ثائر في بلده الجزائر على المُستعمِر الفرنسي الأفظع في التاريخ. لم تكن محاولة تحرير اليمن من العبودية وإخراج شعبها إلى النور أقل شأناً «من تحرير الجزائر، وقد تكون الطريق الصحيح إلى تحرير ذلك الشعب العربي والتمكين لثورته من الانتصار».

قدم الورتلاني تقريراً إلى الإمام يحاول بالنصح إقناعه بشق الطريق وتوفير الدواء وشراء جهاز راديو. والنتيجة معروفة من الإمام المتحجّر. لكن الورتلاني بشخصيته وسحر بلاغته جذب الأحرار وجمع شملهم في «الميثاق الوطني المقدس». وانتهى الدرب إلى نزيف نزفت فيه خيرة الرجال التنويريين الذين حلموا بالارتقاء وأن تُفتح نوافذ النور لهذا البلد وأن تسري داخل كيانه السياسة والأدب والتاريخ والفكر الحديث. ولهذا لا عجب أن تُصَفّ صورهم وتُستدعَى سِيَرهم إلى جانب الخلَف من السبتمبريين.

وجاء العقيد بومدين، وهو وزير للدفاع في الستينيات، بعد عامين كاملين من قيام ثورة سبتمبر، فقد تحرر «اليمنيون والجزائريون في عام واحد (1962)». وسيكون اجتماعهما هنا على الرؤية المشتركة إزاء واقع اليمن وتخلفه على امتداد عقدين. خطب الرئيس المرحوم بومدين في القصر الجمهوري عند زيارته صنعاء. «أذهله وضع اليمن كما أذهل الفضيل الورتلاني من قبل، وأحزنه ألا يجد طريقاً معبداً أو شارعاً مرصوفاً أو مطاراً صغيراً تهبط فيه الطائرة. رافقه الغبار من وسط قطعة الأرض التي هبطت فيها الطائرة بصعوبة إلى غرفته في القصر الجمهوري. وكان يتأمل في وجوه الناس وفي ثيابهم فيبكي». وقد جاء في خطابه أن ما صنعه النظام الإمامي الظالم في اليمن هو أقسى بما لا يقاس بما صنعته فرنسا في الجزائر، وأنه لو كان يعلم أن ذلك هو حال اليمن لآثر الانضمام إلى صفوف أحرار اليمن بدلاً من الانخراط في صفوف جيش التحرير الجزائري.

توحَّد همّ الثائرين الجزائريين على حال اليمن، وأفزعهما انسحاق الإنسان الذي رأياه بأعينهما. كما أفزعهما وجود نظام حكم على هذه الأرض يمثل واحداً من أعتى أنظمة الحكم التخلفية المستبدة التي عرفتها الإنسانية، والذي استطاع بوسائله الطاغوتية أن يُحوّل الشعب إلى أحط درجات التخلف العام والشامل، وأن استمرار تلك الأوضاع سيجعله في طريق الانقراض والفناء من على وجه الأرض.

ولـ «بومدين» دور لا يُغفل إبّان حصار السبعين على صنعاء. فقد سعَت جحافل الإمامة لتكرار «48» على ساكنيها. لذا، أرسل وفداً جزائرياً على رأسه شريف بلقاسم، وزير الخزانة، حاملاً شيكاً بمليار فرنك جزائري. لم يتخوف هذا الوفد من سوء القدر في تصميمه على تنفيذ مأمورية العقيد بومدين لزيارة العاصمة صنعاء رغم قصف مدفعية العدو، وكان الهدف هو أن يكون وصول وفده إليها نصراً معنوياً يُبطل الدعاية المترددة عربياً بسقوطها، وقد تحقق له ذلك. بهذا، صنع بومدين عروبته وعروبة الجزائر قولاً وفعلاً، مسانداً كل قطر عربي.

زار صنعاء مرة ثانية وأخيرة أواخر السبعينيات بعد مقتل إبراهيم الحمدي، إذ كان معجباً بشبابية هذا الرئيس الذي يصغره بسنوات وبمشروعه التحديثي، أسوةً بما كان هو عليه من نهضة وتحديث للجزائر، مع حفظ فارق إمكانيات البلدين. ولا شك أن تلك الزيارة الأخيرة، وعلى مقربة من مفارقته الحياة، قد عاين فيها إنجازات تتحقق في مختلف ميادين الحياة.

The post هموم جزائرية على اليمن: الورتلاني وبومدين appeared first on يمن مونيتور.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية