
سبتمبر نت/ مقال – عميد ركن/ نجيب سعد الناصر
في ضوء مبادئ علم الإدارة والقيادة، يمتلك القائد سلطة تقديرية تمكّنه من تحليل المواقف بدقة، واستيعاب الظروف المحيطة بها، بما يسهم في أداء واجباته على نحو فعّال، وممارسة صلاحياته بما ينسجم مع متطلبات الموقف. وفي بيئة العمل الشرطي تبرز حقيقة أساسية، وهي أن كل ضابط أو فرد مكلف بأداء خدمة أمنية هو قائد في موقعه، وعليه أن يكون حاضرًا جسدًا وروحًا في كل لحظة من مهامه. فالقيادة الأمنية ليست مجرد رتب أو مناصب أو أوامر تصدر، بل هي قيم راسخة تسكن قلب القائد، وانعكاس صادق للأثر الذي يتركه في نفوس من حوله. ومن هنا تتجلى القيادة كفن عميق يتجاوز الشكليات ليصل إلى جوهر السلوك والممارسة.
وانطلاقًا من ذلك، يمكن لنا تسليط الضوء على أهم ركائز القيادة في البيئة الأمنية من خلال ثلاثة محاور رئيسية:
أولاً: القائد يصنع من يشبهه
الأفراد والضباط ما هم إلا مرآة لقائدهم؛ فإذا كان الرجل الأول مضطربًا ويعمل بلا رؤية واضحة انعكس ذلك سلبًا على كامل الفريق. وعلى العكس، عندما يكون القائد واثقًا ومنضبطًا ومتمسكًا بالقيم المهنية والأخلاقية، فإنه يصنع قادة من حوله، ويبني رجالًا يشبهونه في النزاهة والشجاعة والانضباط. فالقائد الحقيقي لا يكتفي بالكلام المجرد، بل يترك أثره من خلال سلوكه اليومي الذي يترسخ في نفوس مرؤوسيه، ونحن بدورنا نتعلم منه ونعمل على تكرار هذه السلوكيات الإيجابية لتعزيز روح القيادة في فريقنا.
ثانيًا: القيادة ترسم ثقافة العمل الأمني
وإذا كان القائد يصنع من يشبهه، فإنه في الوقت نفسه يشكّل الثقافة العامة للمرفق الأمني. فالقائد ليس مجرد مصدر للتوجيهات والتعليمات، بل هو من يصوغ ثقافة المؤسسة بكاملها. فطريقته في التعامل مع المواطنين، والتزامه بالعدالة والشفافية واحترام الوقت، تؤثر بشكل مباشر في تشكيل المزاج العام لمكان العمل. ومع مرور الوقت يتحول هذا السلوك إلى منهج يُحتذى ويُقلّد من قبل الجميع، ونحن بدورنا نحرص على تبني هذه المعايير وتطبيقها لنصبح جميعًا صناع ثقافة إيجابية تدعم بيئة العمل الأمني.
ثالثًا: القيادة مسؤولية مشتركة
وإلى جانب صناعة القادة ورسم الثقافة، تبقى القيادة مسؤولية لا يتحملها الرجل الأول وحده. فكل فرد مكلف بمهمة، مهما كانت صغيرة، يمارس تأثيرًا يجعله قائدًا في موقعه. إن الإرث الثقافي والتنظيمي للمرفق الأمني لا يُبنى من قرارات القائد فقط، بل من سلسلة مواقف وسلوكيات يومية يقوم بها الجميع. ونحن نؤمن بأن كل فرد منا يملك سلطة التأثير، ما يفرض علينا أن نكون شركاء في صناعة التغيير لا منتظرين له.
ختاماً: نؤكد أن القيادة الأمنية ليست فقط مجرد مهارة إدارية أو سلطة رسمية، بل هي روح ملهمة تدفع الآخرين للسير في طريق القيم والمبادئ. إنها مسؤولية تبدأ من القائد الأول وتمتد إلى أصغر فرد في المرفق الأمني، لتصنع ثقافة أمنية راسخة تجسد الانضباط والعدالة والشفافية. وعندما نؤمن نحن بدورنا في إحداث التغيير، يصبح المرفق الأمني أكثر قوة وفاعلية، وقادرًا على مواجهة التحديات وبناء مستقبل مشرق لمؤسساته الأمنية.