
رغم أن المرأة اليمنية شكلت عبر التاريخ رمزاً للصمود والمقاومة، وشاركت بفاعلية في ثورتي أكتوبر وسبتمبر وقادت الاحتجاجات في انتفاضة فبراير، إلا أن حضورها في صناعة القرار ظل هامشياً ومشروطاً بذكورية النخب السياسية، وكأنه امتياز يمنحونه متى شاؤوا وينزعونه منها متى أرادوا ذلك، مستندين بذلك إلى منظومة اجتماعية وقانونية تمييزية، بالإضافة إلى أعراف قمعية تسعى إلى تحجيم دور النساء في الحياة العامة بشكل عام، وفي الحياة السياسية على وجه الخصوص.
وهذا التحجيم ليس وليد اليوم، بل هو تراكم لثقافة ذكورية ممتدة، إلا أن المرأة اليمنية استطاعت إثبات نفسها في جميع المجالات وإرساء حضورها، بالرغم من كل محاولات تغييبها في مختلف المراحل التاريخية وعلى كافة المجالات وبطرق شتى بدءاً بالأعراف وليس انتهاءً بالقوانين التمييزية.
فمشاركتها في العملية السياسية حق اكتسبته عبر نضال طويل، إلا أن وجودها في السلطة في السابق كان شكلياً ويخضع لمزاجية ذكورية صناع القرار. فكانت هذه المشاركة شكلية مقابل إقصاء فعلي من دوائر القرار.
وإذا ما عدنا إلى الماضي قليلاً نجد أن المرأة اليمنية كانت تُمنح حقيبة وزارية مثل الشؤون الاجتماعية والعمل، وإذا أرادوا التغيير منحوها وزارة حقوق الإنسان، وظلت لعقود طويلة تُتبادل هاتان الوزارتان بين امرأتين تنتميان للحزب الحاكم فقط، ما يعني أن وجودهن كان شكلياً وليس الهدف منه إشراك النساء في المراكز الأولى لصناعة القرار، بل كان خاضعاً بشكل رئيسي لموافقة سلطة الذكور في الحزب الحاكم.
حتى بعد انتفاضة عام 2011م، ورغم زيادة عدد النساء المشاركات إلى ثلاث وزيرات في أول حكومة مشكلة، وأربع وزيرات في حكومة (2014–2015)، إلا أن تمثيلهن ظل شكلياً مقابل السلطة الفعلية للرجال، حيث استمر حصر الوزارات السيادية (الدفاع، الداخلية، المالية) حصراً بالرجال.
وفوق ذلك، تم تغييب المرأة تماماً في التشكيلات الحكومية المتلاحقة منذ انقلاب جماعة الحوثي (أنصار الله) على السلطة وحتى اليوم، حيث تشكلت خمس حكومات متعاقبة دون وجود امرأة واحدة، وهو ما يعكس تعمد السلطة الذكورية على إقصاء ممنهج لوجود النساء في مراكز صنع القرار. ويظهر أن تواجدهن في السابق كان مجرد ديكور سياسي، فالغياب المتكرر للنساء عن الحكومات المتعاقبة لا يعكس عجزاً نسوياً بقدر ما يعكس إرادة سياسية ذكورية واعية بتهميشهن، وهو ما يجعل مسألة التمكين مجرد شعار إعلامي بلا مضمون، بالرغم من أن الحكومة الشرعية تتبنى مخرجات الحوار الوطني وتقاتل لأجل تنفيذها، إلا أنها تتجاهل مبدأ تخصيص 30% كوتا نسائية في أماكن صنع القرار حسب ما جاء في مخرجات مؤتمر الحوار.
ولا يقتصر الأمر على السلطة الحاكمة فقط، بل حتى على مستوى الأحزاب السياسية حيث ظلت المرأة لدى بعض الأحزاب الدينية مجرد أداة انتخابية، حصرت مهمتها في إعطاء صوتها للذكور من مرشحي أحزابها، دون أن تتجرأ حتى على تقديم نفسها كمرشحة، كما غُيبت من المكاتب التنفيذية أو القيادة العليا وصناعة القرار داخل حزبها، والأمر ذاته ينطبق على الأحزاب اليسارية والمعتدلة، رغم وجود قطاعات نسوية وتقدم نسبي في إشراك النساء في مستويات حزبية عدة داخل هذه الأحزاب، إلا أن القرار النهائي ظل بيد القيادة الذكورية.
أما في المفاوضات السياسية، ففي مشاورات الكويت (2016) ومفاوضات ستوكهولم (2018)، لم تُمنح النساء سوى مقاعد استشارية أو مواقع في فرق ثانوية، بينما القرار الفعلي ظل بيد القيادات الذكورية، وقد انعكس غياب النساء عن مفاوضات السلام في تجاهل قضايا عدة مثل العدالة الانتقالية، حماية النازحات، والاعتراف بدور النساء في بناء السلام المحلي.
The post المشاركة السياسية للنساء في اليمن رهينة ذكورية صناع القرار appeared first on منصتي 30.