
الرشـــــــــــاد برس | تقاريـــــــــــــــر
رغم مرور 80 عامًا على الجريمة النووية التي ارتكبتها الولايات المتحدة ضد اليابان في مدينتي هيروشيما وناجازاكي، لا تزال صور الدمار والضحايا شاهدة على قسوة الحرب وانعدام الإنسانية. غير أن مشاهد مشابهة – وربما أشد وحشية – تتكرر يوميًا في قطاع غزة، حيث تمارس إسرائيل إبادة جماعية منهجية ضد السكان المدنيين، وسط صمت دولي مريب وتخاذل من المنظومة الدولية.
هيروشيما.. بداية عهد الدمار الشامل
في السادس والتاسع من أغسطس عام 1945، أُلقيت قنبلتان ذريتان على مدينتي هيروشيما وناجازاكي، ما أسفر عن مقتل أكثر من 200 ألف إنسان، معظمهم من المدنيين، خلال لحظات. هذا الحدث الكارثي غيّر وجه العالم، ودشّن عهدًا جديدًا من التهديد النووي.
وقد تمّ اعتبار هذه الضربات، رغم قسوتها، جزءًا من “نهاية حرب عالمية”، لكن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، لم يعترف حتى اليوم بالمسؤولية الأخلاقية والقانونية عن تلك المجازر.
غزة.. جرح مفتوح وتاريخ من المجازر
أما في غزة، فإن المأساة مستمرة دون توقف. فالعدوان الإسرائيلي الأخير – الممتد على مدار شهور – أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، وتدمير البنية التحتية بالكامل، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء، باستخدام أسلحة متطورة ومحرمة دوليًا، بحسب تقارير حقوقية موثقة.
في هذه الحرب، لم تُستخدم قنابل نووية، لكن حجم الدمار والقتل العشوائي لا يقل بشاعة. القصف الإسرائيلي لا يفرق بين مقاتل ومدني، ولا بين هدف عسكري وروضة أطفال. غزة اليوم، وفقًا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، أصبحت “ساحة اختبار لقوة غير محدودة، ضد شعب أعزل”.
تشابه الجريمتين.. واختلاف الرواية الدولية
ما يجمع بين هيروشيما وغزة هو عنصر “القتل الجماعي غير المبرر”، إلا أن الفارق الرئيسي يكمن في الازدواجية الأخلاقية للمجتمع الدولي. فبينما يُستحضر ذكر هيروشيما باعتبارها مأساة إنسانية، تُبرر الجرائم في غزة تحت ذرائع “حق الدفاع عن النفس” و”محاربة الإرهاب”.
إن الضحايا في كلا الحالتين هم مدنيون عزل، لكن المعايير المزدوجة تسود، فالإبادة الجماعية في فلسطين تُقابل بالتواطؤ أو الصمت، بل وفي أحيان كثيرة، بالتشجيع والدعم العسكري واللوجستي لإسرائيل.
إسرائيل تمارس “هيروشيما يومية” في غزة
الواقع في غزة يُظهر أن إسرائيل تمارس “هيروشيما مصغّرة” بشكل يومي، دون الحاجة إلى قنبلة نووية. أساليب التدمير المنهجي، واستهداف التجمعات السكانية، وإغلاق المعابر، ومنع الغذاء والدواء، كلها سياسات تهدف إلى إبادة شعب بالكامل، ببطء وتدريج، أمام أعين العالم.
دعوات للمحاسبة.. أين العدالة الدولية؟
في الوقت الذي لا تزال فيه اليابان تطالب العالم بعدم تكرار مأساة هيروشيما، يصر الفلسطينيون على المطالبة بمحاسبة إسرائيل أمام محكمة الجنايات الدولية، باعتبار ما يجري في غزة جريمة ضد الإنسانية.
تقرير صادر عن لجنة أممية لتقصي الحقائق، وصف العدوان الإسرائيلي بأنه “قد يرقى إلى جرائم إبادة جماعية”، ما يفتح الباب – نظريًا – لمساءلة قانونية، لم تجد طريقها للتنفيذ، بفعل هيمنة قوى كبرى تعرقل العدالة حين لا تخدم مصالحها.
خاتمة: ذاكرة الشعوب لا تموت
من هيروشيما إلى غزة، قد تتغير الجغرافيا، لكن الألم واحد. وإذا كان المجتمع الدولي قد تعلم شيئًا من كارثة الحرب العالمية الثانية، فإن عليه أن يوقف المجازر اليومية في فلسطين، ويُثبت أن مبادئ الإنسانية لا تُجزأ حسب الهوية أو الدين أو الجغرافيا.
إن صمت العالم اليوم على ما يحدث في غزة ليس مجرد فشل أخلاقي، بل هو اشتراك ضمني في أبشع جرائم العصر الحديث.
أخبار ذات صلة.
