
مثلت التحركات الاقتصادية الأخيرة للبنك المركزي في عدن حدثاً محورياً تركز عليه اهتمام اليمنيين، وخاصة أنه ياتي بعد سنوات من المعاناة التي سحقت الشعب بيد المضاربين بالعملة الذين انخفضت بسلوكايتهم الجشعة قيمة الريال أمام العملات الاجنبية، وهو ما شكّل فصلاً مأساوياً من المعاناة أُضيف لحياتنا اليومية، عجزنا فيه عن سد احتياجات أسرنا في حدها الأدنى، وتُعدّ هذه الانفراجة الأخيرة والمتمثلة بتعافي جزئي لعملتنا الوطنية خطوة اولى في طريق الحرب الاقتصادية التي تخوضها الحكومة الشرعية ممثلة بالبنك المركزي والحكومة وبدعم المجلس الرئاسي.
حتى اليوم لايزال المواطنون يبدون تخوفاً من عودة مسلسل انهيار العملة الوطنية، ولهم الحق في ذلك بالتأكيد، نظراً لحالة اليأس التي سيطرت خلال السنوات الماضية، مع أني لست متشائماً البتة باعتبار أن التحسّن ليس ناتجاً عن عمليات مضاربة إنما عن مصفوفة من الإجراءات التي نفذها البنك ولازالت مستمرة، ومن المنتظر أن تنعكس ايجاباً بمزيد من التحسن للعملة الوطنية، وخاصة أن توقيت هذه التحركات يأتي متزامناً مع مزاج دولي نحو تشديد الخناق على جماعة الحوثي الأرهابية التي تعزى اليها أغلب أسباب التدهور المتصاعد خلال السنوات الماضية.
كل مايريده اليمنيون اليوم أن يشعرون بوجود حقيقي للدولة التي تحافظ على عوامل التعافي والاستقرار الاقتصادي، ولا تتهاون مع الجهات أو الأشخاص الذين يتلاعبون بقوت المواطن، ولن يتحقق ذلك إلا باستمرار الإجراءات والقرارات التي تحافظ وتحسن من قيمة العملة الوطنية، كون عامة الشعب يعتمدون عليها في شراء متطلبات حياتهم اليومية، وكل قرار أو تحرك في هذا الشأن يلزمه وجود ألية متابعة قابلة للتطبيق، وتتسم بالديمومة والسلاسلة والمنطقية، حينها فقط باستطاعتنا أن نُسكت المتشائمين، ونصفع الذين تضررت مصالحهم الخاصة نتيجة هذا التحسن .
ندرك جيداً أن ما يحصل في بلدنا من مآسي في كل مجالات الحياة كان سببه الرئيسي الانقلاب الحوثي، فهو الذي اسقط الدولة ونهب مؤسساتها وصادر احتياطاتها النقدية، ولم يقف عند ذلك الحد لكنه أيضاً منع تصدير النفط الذي يعد مصدر الدخل الرئيسي للعملة الصعبة، ثم نشر شبكات مشبوهة تضارب بالعملات في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، وكل هذه الممارسات تضاف إلى جرائم هذه الجماعة الإرهابية بحق اليمن واليمنيين، والتي لم تدع مجال في حياتهم إلا وزرعت فيه الفوضى والآلام، ولن يتحقق الخلاص النهائي من الحالة القائمة إلا بالتوجه نحو استكمال اسقاط الانقلاب واستعادة الدولة اليمنية الجامعة، بعيداً عن أي مشروعات صغيرة سلالية طائفية كانت أو جهوية، أو تحت أي راية غير راية الوطن الواحد الذي يتساوى ويتصالح ويتعايش فيه الجميع .
دمتم سالمين ..