وادي السيليكون يتوشح بالبزة العسكرية الأميركية
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

في خطوة تعكس تحولاً عميقاً في العلاقة بين التكنولوجيا ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، أعلن الجيش الأميركي، هذا الشهر، عن تأسيس وحدة جديدة تحمل اسم "السرية 201" (Detachment 201)، تهدف إلى دمج خبرات كبار المسؤولين التنفيذيين في وادي السيليكون مع البنية العسكرية التقليدية. انضمّ إلى هذه الوحدة أربعة من كبار المسؤولين التنفيذيين التقنيين في كبرى شركات التكنولوجيا الأميركية، وحصلوا على رتبة "مقدّم" في احتياط الجيش الأميركي، في خطوة رمزية تبين ارتماء عالم التكنولوجيا المتقدمة في أحضان المؤسسة العسكرية.

المسؤولون الأربعة هم: كبير مسؤولي التكنولوجيا في شركة ميتا أندرو بوزورث، والمدير التقني في شركة بالانتير المتخصصة في العقود الدفاعية شايام سانكار، ورئيس قسم المنتجات في شركة أوبن إيه آي كيفن وايل، والمستشار في "ثينكينغ ماشينز لاب" المختصة بالذكاء الاصطناعي بوب ماغرو. وعلى الرغم من ارتدائهم الزي العسكري خلال مراسم القسم في 13 يونيو/حزيران الحالي، فإن الأربعة سيحتفظون بمناصبهم المدنية، ولن يتحولوا إلى جنود بدوام كامل، إذ يهدف البرنامج إلى تمكين كبار التقنيين من المساهمة في تطوير البنية التحتية الدفاعية الأميركية من دون التخلي عن وظائفهم في القطاع الخاص. وأكد الجيش الأميركي أن هذه الخطوة هي بداية لمهمة أكبر "لتشجيع المتخصصين في التكنولوجيا على الانخراط في الخدمة العامة، مع الحفاظ على مساراتهم المهنية في الشركات الخاصة".

تُمثل "السرية 201" تجسيداً للتحول التاريخي في العلاقة بين وادي السيليكون ووزارة الدفاع الأميركية، حيث بات الذكاء الاصطناعي والحوسبة المتقدمة يشكلان العمود الفقري للقدرات العسكرية المستقبلية.

في مقابلة مع منصة Pirate Wires الثلاثاء الماضي، أكد أندرو بوزورث الذي انضم إلى "فيسبوك" عام 2006 أن التحاقه بالجيش الأميركي جاء بدافع شخصي، رغم وجود بعض التحفظات داخل شركة ميتا. وقال: "حين تواصل معي شايام سانكار، لم أتردد أكثر من عشر دقائق. قلت له: نعم، سيكون شرفاً عظيماً في حياتي". وأضاف أن انضمامه غير مرتبط بشراكة "ميتا" الأخيرة مع شركة أندوريل الدفاعية لتطوير أجهزة الواقع المعزز الميدانية. وقبل مراسم القسم، زار بوزورث وزملاؤه قاعدة "فورت إروين" في كاليفورنيا، حيث تابعوا تمريناً عسكرياً ميدانياً يتضمن استخدام تقنيات متقدمة لتطوير مفاهيم القيادة والسيطرة في الجيل المقبل. وشرح بوزورث: "رأينا دبابات تتحرك عبر حقول مليئة بالعوائق المضادة للدبابات، وكان الجنود يستخدمون أدوات جديدة لمحاولة التغلب عليها، ليس بإطلاق الصواريخ، بل بطائرات مسيرة". وأضاف أنهم تلقوا إحاطة من كبير مسؤولي التكنولوجيا لدى رئاسة أركان الجيش، أليكس ميلر، عرض فيها تقييمات تفصيلية لما تحقق وما لا يزال بحاجة إلى تطوير في البنية التقنية للجيش الأميركي. من جهته، قال شايام سانكار إن وادي السيليكون "يعيد اكتشاف جذوره في الدفاع الوطني" التي تعود إلى الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. وأضاف: "التهديد بحرب في المحيط الهادئ أعاد تشكيل الأولويات الوطنية، وعلينا تسريع وتيرة التغيير داخل الجيش بما يتماشى مع الثورة التقنية".

عقود ضخمة

يأتي هذا التطور في الوقت الذي منحت فيه وزارة الدفاع الأميركية شركة أوبن إيه آي عقداً قيمته 200 مليون دولار لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي رائدة يمكن استخدامها في مجالات حيوية للأمن القومي، تشمل ساحات القتال والبنية التحتية. أعلنت الوزارة هذا العقد لمدة عام خلال يونيو الحالي، بعد شهور من إعلان الشركة نيتها التعاون مع شركة أندوريل الناشئة في مجال تكنولوجيا الدفاع لنشر أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة في مهام الأمن القومي. وأفاد بيان وزارة الدفاع الأميركية بأنه "بموجب هذا العقد، ستقوم الشركة المنفذة بتطوير نماذج أولية من قدرات الذكاء الاصطناعي المتقدمة لمعالجة تحديات أمن قومي حرجة، سواء في ميدان المعركة أو في المجالات الإدارية". ويُعد هذا أول عقد تسجله وزارة الدفاع مع "أوبن إيه آي" على موقعها الرسمي. وقال الرئيس التنفيذي لـ"أوبن إيه آي"، سام ألتمان، خلال ندوة في جامعة فاندربيلت شارك فيها مع الجنرال السابق في وكالة الأمن القومي بول ناكاسوني: "علينا المشاركة في مجالات الأمن القومي، ونحن فخورون بذلك ونرغب حقاً فيه". وفي منشور على مدونتها، أكدت "أوبن إيه آي" أن العقد هو جزء من مبادرة ستتيح للمؤسسات الحكومية الأميركية الوصول إلى نماذج ذكاء اصطناعي مخصصة للأمن القومي، إلى جانب الدعم الفني وخطط تطوير المنتجات. وذكرت الشركة: "سيساعد هذا العقد، الذي يصل إلى 200 مليون دولار، وزارة الدفاع في استكشاف وتطوير كيف يمكن للذكاء الاصطناعي المتقدم أن يُحدث تحولاً في العمليات الإدارية، من تحسين رعاية الصحة للعسكريين وعائلاتهم، إلى تبسيط آليات مراجعة البيانات، وصولاً إلى دعم الدفاع الإلكتروني الاستباقي". وأكدت أن جميع الاستخدامات يجب أن تتماشى مع سياساتها وإرشاداتها.

وفي الوقت نفسه، تعمل "أوبن إيه آي" على تعزيز قدراتها الحاسوبية داخل الولايات المتحدة. ففي يناير/كانون الثاني الماضي، ظهر ألتمان إلى جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض للإعلان عن مشروع ستارغيت بقيمة 500 مليار دولار لبناء بنية تحتية خاصة بالذكاء الاصطناعي في البلاد.

يُشار إلى أن العقد الجديد يُشكّل جزءاً صغيراً من إيرادات الشركة التي تتجاوز 10 مليارات دولار سنوياً، في حين أعلنت في مارس/آذار عن جولة تمويل بقيمة 40 مليار دولار وتقييم سوقي وصل إلى 300 مليار دولار.

وفي سياق العقود بين شركات وادي السيليكون ووزارة الدفاع، حصلت "أندوريل"، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، على عقد قيمته مائة مليون دولار. وفي إبريل/نيسان الماضي، أعلنت "مايكروسوفت"، المزود الرئيسي للبنية التحتية السحابية لـ"أوبن إيه آي"، أن وكالة نظم معلومات الدفاع الأميركية (DISA) أجازت استخدام خدمة "أزور" مع المعلومات المصنفة سرية.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت شركة أنثروبيك، المنافسة لـ"أوبن إيه آي"، عن تعاونها مع "بالانتير" و"أمازون" لتقديم نماذج ذكاء اصطناعي لصالح وكالات الدفاع والاستخبارات الأميركية. وأفادت الشركة بأن هذا التعاون سيزود وكالات الدفاع والاستخبارات الأميركية بأدوات ذكاء اصطناعي قوية قادرة على معالجة وتحليل كميات هائلة من البيانات المعقدة بسرعة كبيرة". وأضافت: "سيحسن هذا التحليل الاستخباراتي، ويعزز عمليات اتخاذ القرار، ويقلّص المهام المرهقة، ويرفع كفاءة العمليات عبر الأقسام المختلفة".

كما كشفت "ميتا" عن خطة تسمح لوكالات حكومية أميركية ومتعاقدين مثل "بالانتير" و"لوكهيد مارتن" و"بوز ألين" باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر Llama لتطبيقات تتعلق بالدفاع والأمن القومي. ستستخدم هذه النماذج في تلخيص الوثائق، وتسريع توليد الشيفرات، وتعزيز الدفاعات السيبرانية، كما ستتاح للوكالات ضمن تحالف "العيون الخمس" الاستخباراتي الذي يضم الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا.

وفق تقرير صادر في مارس عن معهد بروكينغز في واشنطن العاصمة، ارتفعت قيمة العقود الفيدرالية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي بنسبة 150% بين أغسطس/آب 2022 وأغسطس 2023، لتصل إلى 675 مليون دولار. وتعتبر وزارة الدفاع الأميركية من أبرز الفاعلين في هذا المجال، إذ قفزت قيمة عقود الذكاء الاصطناعي لديها من 190 مليون دولار إلى 557 مليون دولار خلال الفترة نفسها.

جدل مستمر في وادي السيليكون

رغم النمو السريع للعلاقات بين شركات التكنولوجيا الكبرى في وادي السيليكون والقطاع العسكري الأميركي، لا يخلو الأمر من جدل وانتقادات داخلية في هذه الشركات والمجتمع التقني. فعام 2018، احتج آلاف موظفي "غوغل" على مشاركتها في مشروع ميفن التابع للبنتاغون، والذي استخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين تحليل فيديوهات ضربات الطائرات المسيّرة. اضطرت "غوغل" لإنهاء العقد. ومع ذلك، تظل "غوغل" منخرطة في عدة عقود دفاعية، وهو ما أثار جدلاً جديداً هذا العام حين وقع نحو 200 موظف في مختبرها للذكاء الاصطناعي "ديبمايند" رسالة احتجاجية، معبرين عن خشيتهم من استخدام تقنياته في تطوير أسلحة.

ويرى منتقدو هذه الموجة الجديدة بأنها استعادة لنفوذ شركات مثل "بالانتير" و"أندوريل" والمستثمرين المقربين من تيارات اليمين، مثل بيتر ثيل وأندريسن هورويتز.

لكن العلاقة بين وزارة الدفاع ووادي السيليكون كانت دائماً متأرجحة، إذ ازدهرت في خمسينيات القرن الماضي وثمانينياته، وتراجعت في التسعينيات، ثم عادت بقوة بعد هجمات 11 سبتمبر 2022، قبل أن تنكفئ مجدداً. واليوم، تعود هذه العلاقة بقوة، مدفوعة بتقاطع الذكاء الاصطناعي والاضطرابات الجيوسياسية. ويحذر مراقبون من احتمال اهتزاز هذا التحالف في حال استخدام التقنيات المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي والمركبات ذاتية القيادة، في تطبيق سياسات داخلية مثيرة للجدل، كتعزيز الرقابة أو تنفيذ عمليات أمنية داخل المدن الأميركية. ويبدو شركات التكنولوجيا الكبرى لا تمانع، ولو كان ذلك يعني إعادة تعريف مهمة التكنولوجيا من تمكين الأفراد إلى تسليح الدول.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية