
أعاد تأكيد وزارة الداخلية السورية قدوم منفذ تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق، من مخيم الهول في أقصى الشمال الشرقي من سورية، الضوء على هذا المخيم الذي لطالما وُصف بـ"القنبلة الموقوتة"، والتهديد الأخطر للأمنَين الإقليمي والدولي. وأعلنت الوزارة، مساء الثلاثاء الماضي، أن انتحاريين اثنين غير سوريين قدما من مخيم الهول عبر البادية السورية بعد إسقاط نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، "نفذ الأول تفجير الكنيسة الغادر"، الأحد الماضي، والثاني أُلقي القبض عليه من قبل جهاز الأمن العام في الوزارة، وهو في طريقه لتنفيذ تفجير انتحاري في مقام السيدة زينب في ريف دمشق الجنوبي. وقالت الداخلية إن تنظيم داعش يقف وراء الهجوم، في حين تبنت جماعة تسمي نفسها "سرايا أنصار السنة" العملية التي نُفذت في كنيسة مار إلياس بمنطقة الدويلعة في دمشق، والتي راح ضحيتها 25 قتيلاً و63 مصاباً.
لكن "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي تفرض سيطرتها شمال شرقي سورية، رفضت أول من أمس الأربعاء، ما أعلنته الحكومة السورية. ووصف المركز الإعلامي لـ"قسد"، في بيان، الاتهامات الصادرة عن وزارة الداخلية السورية بأنها "غير صحيحة" و"لا تستند إلى حقائق أو وقائع حقيقية". وأوضحت أنها بدأت، عقب صدور هذه المزاعم، بإجراء "مراجعة دقيقة وتحقيق شامل" أثبت عدم وجود أي أدلة على مغادرة أي أجانب للمخيم خلال الأشهر الأخيرة. وأضافت أن "التحقيق أكد أن الأشخاص الوحيدين الذين غادروا المخيم خلال هذه الفترة هم سوريون، وتم خروجهم بناء على طلب من الحكومة في دمشق"، مشيرة إلى أن العراقيين الذين غادروا تمت إعادتهم إلى بلادهم في إطار عمليات الإعادة التي تشرف عليها بغداد. وأضافت أن مخيم الهول "لا يضم مقاتلين إرهابيين أجانب".
مخيم الهول
يقع مخيم الهول الذي وصفته الأمم المتحدة بـ"قنبلة موقوتة" في شمال شرق الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي من سورية، غير بعيد عن الحدود السورية العراقية. ويضم آلاف الأشخاص من جنسيات مختلفة، خصوصاً من سورية والعراق، جلهم من عائلات مسلحي "داعش" الذي هُزم في شمال شرق سورية مطلع عام 2019، بعد معركة بلدة الباغوز في ريف دير الزور. وكانت "قسد"، الجهة المسيطرة على المخيم، نقلت الكثير من عائلات التنظيم إلى هذا المخيم الذي كان مكتظاً خلال السنوات الماضية، إلا أن أرقام قاطنيه تدنّت مع مغادرة عدة دفعات ضمت مئات العائلات العراقية، بتنسيق مع بغداد، إلى مخيم جدعة بمحافظة نينوى العراقية شمالي البلاد، خلال العامين الماضي والحالي.
وبحسب بيانات صدرت في فبراير/شباط الماضي، يؤوي مخيم الهول الذي يبعد نحو 13 كيلومتراً عن الحدود العراقية، نحو 37 ألف شخص يعيشون في ظروف متردّية، أغلبهم من النساء والأطفال، من بينهم نحو 16 ألف مواطن سوري ونحو 15 ألف مواطن عراقي، ونحو ستة آلاف من جنسيات أجنبية مختلفة. وبيّنت مصادر مطلعة على الأوضاع الداخلية للمخيم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مخيم الهول "ليس حديث النشأة، فهو أُقيم في عام 1991 من قبل النظام (السوري) البائد، لاستقبال لاجئين عراقيين جراء الحرب الذي دارت في ذلك العام بسبب غزو العراق للكويت". وأوضحت أن "المخيم تحوّل لملاذ آمن لعائلات سورية هربت من الأعمال العسكرية في البلاد بعد انطلاق الثورة ضد نظام الأسد في عام 2011، وتالياً ضم عائلات هربت من "داعش"، إبّان سيطرته على مساحات هائلة من سورية والعراق، مشيرة إلى أن قوات "قسد" وضعت عائلات مسلحي التنظيم، مع عائلات أخرى لا تمت إلى التنظيم بصلة". وبحسب المصادر فإنه "بسبب التنظيم القوي لدى عائلات مسلحي التنظيم، سيطرت على المخيم وحيّدت العائلات الأخرى بشكل كامل".
مصادر: تنظيم داعش نشط داخل مخيم الهول عن طريق النساء التابعات له
وأوضحت المصادر التي سبق لها زيارة مخيم الهول أكثر من مرة، أن التنظيم "نشط" داخل المخيم عن طريق النساء التابعات له كونهن والأطفال غالبية قاطني المخيم، مشيرة إلى أن "بعض نساء التنظيم يمارسن عدة أدوار منها معاقبة مخالفي قوانين التنظيم الدينية المتشددة والتي وصلت إلى حد القتل". ولفتت إلى أن جهات مجهولة تموّل عائلات التنظيم في المخيم، فضلاً عن المساعدات المقدمة من منظمات دولية للقاطنين، مبيّنة أن "سكان المخيم من أكثر من 50 جنسية". وهناك الكثير من الأطفال في المخيم، وفق المصادر، "كبروا وأصبحوا فتياناً وهم مجهولو النسب بسبب إتلاف الوثائق والمستندات، لأسباب أمنية أو ضياعها"، مضيفة أن "هؤلاء يُغذون بالأفكار المتطرفة منذ صغرهم، كونهم لم يخرجوا من المخيم الذي أصبح بيئة للتطرف والتشدد".
وأوضحت المصادر أن جهاز الأمن الداخلي التابع لـ"الإدارة الذاتية" في شمال شرق سورية، يتولى حماية المخيم بدعم من "قسد" والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن هذا الجهاز يقوم بين وقت وآخر بالتعاون مع "وحدات حماية المرأة" (التابعة لـ"قسد") بحملات أمنية داخل المخيم، في محاولة متكررة للحد من نشاط تنظيم داعش المتنامي. ولكن هذه المصادر تحدثت عن أن "البعض من عناصر الجهاز يهرّبون أشخاصاً وعائلات من المخيم مقابل أموال"، مشيرة إلى أنه يجري أحياناً "استخدام السيارات والصهاريج الذي تنقل المساعدات الغذائية والمياه للمخيم لتهريب أشخاص وعائلات إلى خارج المخيم مقابل أموال طائلة".
من جهته، بيّن عبد الحليم سليمان، وهو كاتب صحافي مقيم في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" ومطلع على الأوضاع في مخيم الهول، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه يوجد في المخيم نحو 32 ألف شخص يتوزعون ما بين سوريين وعراقيين وأجانب. وأشار إلى ان التنظيم "يعمل على تجنيد الخلايا والعناصر في المخيم، مستغلاً ظروفهم المعيشية، وانتماءهم لعائلات تضم مسلحين معتقلين من التنظيم"، لافتاً إلى أن قوات "قسد" لطالما قامت بحملات أمنية في المخيم، وهي مستمرة بالتنسيق مع التحالف الدولي على هذا الصعيد. وذكر سليمان أن التنظيم شن منذ بداية العام الحالي أكثر من 100 عملية ضد نقاط ومراكز وأفراد "قسد"، مضيفاً: التنظيم يستغل الفراغ الأمني، وهشاشة الوضع العام، خصوصاً أنه يوجد في المخيم الواقع في منطقة قاحلة وصعبة المناخ "توليفة اجتماعية غير متجانسة"، معتبراً أن للمخيم طابعاً أمنياً وإنسانياً، وبعض سكانه قد يشكلون خطراً على المجتمع المحلي.
وأشار إلى أن تفكيك مخيم الهول من أبرز التحديات ذات الأبعاد الاجتماعية والأمنية في المنطقة، على الرغم من الجهود المشتركة بين الحكومة في دمشق والإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، والتي أثمرت عن إخراج عدة دفعات من النازحين بشكل طوعي، لكن لا تزال العملية تواجه عوائق متعددة. ولفت إلى أن "الإدارة الذاتية" لم تفرض على أحد مغادرة المخيم، بل جرت عمليات الإخراج بطلب من الحكومة السورية، وفي أغلب الأحيان عبر مبادرات وكفالات اجتماعية تضمن عدم تورط المغادرين في أعمال عنف أو تطرف. وأشار إلى أن استمرار بقاء قسم كبير من السكان داخل المخيم يعود إلى جملة من الأسباب منها أمنية، حيث يشكل وجود بعض الأفراد داخل المخيم خطراً على المجتمعات، سواء المحلية أو البعيدة عن المنطقة، بسبب احتمال انتمائهم لتنظيمات متشددة. وبيّن أن هناك أسباباً اجتماعية ومعيشية، حيث الكثير من العائلات لا تستطيع العودة إلى مناطقها الأصلية بسبب دمارها أو عدم توفر البنية التحتية. وأضاف أن تيارات متطرفة مرتبطة بتنظيم داعش تنشط في المخيم لإعادة تشكيل خلاياً، مضيفاً: هناك تقارير عن عمليات سرية لنقل مساعدات مالية وحتى تهريب أسلحة إلى داخل المخيم، إما عبر التسلل أو عبر بعض المقيمين.
أخطر المخيمات
ترفض الكثير من الدول إعادة رعاياها سواء من مخيم الهول أو من السجون العديدة التي تضم مسلحين متطرفين يحملون جنسيات هذه الدول، والتي كما يبدو تخشى من تبعات أمنية تهدد استقرارها في حال عودة هؤلاء. ونفذ سجناء "داعش" على مدى السنوات أكثر من عملية استعصاء في السجون التي تديرها "قسد"، كما أن التنظيم شن هجوماً واسع النطاق مطلع عام 2022 على سجن الحسكة لإطلاق سراح المحتجزين فيه من مسلحي التنظيم. ويضم السجن نحو خمسة آلاف من المحتجزين منذ سنوات، وعدداً غير معروف من الأطفال لم يتلقوا أي تعليم داخل السجن.
فضل عبد الغني: تراجع الدعم والاهتمام الدولي بسكان مخيم الهول في الفترة الأخيرة
ووصف مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، مخيم الهول بأنه "من أخطر المخيمات في العالم"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "يضم أعداداً كبيرة جداً من السكان، تراجع الدعم والاهتمام الدولي بهم في الفترة الأخيرة". ورأى عبد الغني أن هناك "فشلاً أمنياً ذريعاً من قبل قوات قسد في التعامل مع الأوضاع داخل المخيم"، مشدداً على ضرورة "فتح تحقيق بهذا الأمر لتبيان إن كان الأمر فشلاً أم استهتاراً أدى إلى تسلل عناصر من المخيم". ولفت إلى أن إدارة مثل هذه المخيمات "معقدة"، مشيراً إلى أن تفكيكه أيضاً "عملية معقدة"، مطالباً بتسليم الإدارة إلى الحكومة السورية. وبرأيه فإن تأكيد وزارة الداخلية أن منفذ تفجير الدويلعة تسلل من المخيم "مؤشر غير مريح"، مضيفاً أن هناك "خشية من تسلل آخرين ما يتطلب إجراءات أمنية مشددة كي لا تحدث خروقات أمنية ويتكرر تفجير الدويلعة". وطالب عبد الغني الدول "باستلام رعاياها الموجودين في المخيم لتفكيكه"، مشيراً إلى أنه "يجب إجراء محاكمات عادلة للسوريين الموجودين في المخيم لحسم أوضاعهم". وقال: "يجب إطلاق سراح أي سوري غير متهم موجود حالياً في المخيم. السوريون في المخيم بمثابة المحتجزين قسراً". كما دعا إلى إشراك الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع الدولي والدول الصديقة والداعمة لتفكيك المخيم، والبدء في برامج إدماج وتأهيل اجتماعي ونفسي للخارجين من المخيم وحتى للموجودين داخله.
