ترشيح ترامب لنوبل السلام: جدل في باكستان ومخاوف من تبعات
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

في خطوة أثارت استغراب واستياء الكثيرين في باكستان، رشحت الحكومة الباكستانية الرئيس الأميركي دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام لعام 2026 بدعوى أن الرئيس الأميركي تمكن من احتواء الصراع والحرب القائمة بين باكستان والهند في مايو/أيار الماضي، معتبرة ذلك دبلوماسية عملية من أجل السلام في المنطقة. على النقيض من ذلك، اعتبرت شريحة كبيرة في باكستان تصرف ترامب مع الملف الهندي- الباكستاني أنه كان من منطلق المصالح الأميركية ولم يكن من أجل باكستان ولا المنطقة. ورأى هؤلاء أن ما فعله ترامب كان مناورة سياسية تهدف إلى استعادة التوازن بين علاقات باكستان التقليدية مع الصين وبين التقارب مع أميركا. ورأى بعض المراقبين أن خطوة ترشيح ترامب لنوبل السلام قد تكون جيدة وفق الحسابات الباكستانية، كما أنها قد تكون نافعة لمستقبل العلاقات الباكستانية - الأميركية، لكنها لم تأت في وقت مناسب، وأنها قد تدمر العلاقات الباكستانية بالدول الإسلامية، كما أنها ستضر بسمعة إسلام أباد في أوساط الشعوب الإسلامية، خصوصاً أن خطوة ترشيح ترامب لنوبل السلام أتت في وقت كانت فيه الحرب مستعرة بين إسرائيل وإيران، وكانت سياسات ترامب حيال تلك القضية واضحة بدعم إسرائيل بشكل كامل، علاوة على ضرب النووي الإيراني من قبل سلاح الجو الأميركي.

امتعاض من ترشيح ترامب لنوبل السلام

كما جاء ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام من قبل باكستان في وقت فشلت فيه كل الجهود الرامية لوقف الإبادة الجماعية في غزة، وواشنطن تساعد تل أبيب التي تنفذ تلك الإبادة وتقتل أهل غزة. وفي هذه الظروف المأساوية، جاء إعلان إسلام أباد ترشيح ترامب لنوبل السلام، ما أثار امتعاضاً في الشارع الباكستاني بأطيافه المختلفة، وصرح البعض بأن التقدم الدبلوماسي الذي أحرزته باكستان بسبب تأييدها غزة، وبسبب تفوقها العسكري على الهند في الحرب الأخيرة، قد ضاع بسبب هذا الإعلان.


المولوي فضل الرحمن: القول إن ترامب يعمل للسلام كاذب


وقال الإعلامي الباكستاني أمين الحق قريشي، لـ"العربي الجديد"، إنه "كان لترامب دور كبير في تهدئة الأوضاع والصراع بين الهند وباكستان، وفعلاً لو حدثت الحرب بين الدولتين النوويتين لكانت دمرت المنطقة بأسرها، والرئيس الأميركي تمكن من تهدئة الأوضاع وإقناع إسلام أباد ونيودلهي بوقف إطلاق النار. ولكن علينا أن نفكر ملياً في وضع العالم الإسلامي كله، ولا نقرر فقط وفق حسابات ومصالح بلادنا، فنحن جزء من هذا العالم وجزء من العالم الإسلامي". وأضاف: "ترامب الذي تمكن من تهدئة الأوضاع بين الهند وباكستان هو نفسه يدعم إسرائيل في إبادة غزة وأهلها، وهو نفسه كان يدعم إسرائيل ضد إيران ولبنان وسورية، من هنا، كان يحق لباكستان أن تتجنب مثل هذه الخطوة وهي غير ضرورية أصلاً".

وأشار قريشي إلى أن "لباكستان مكانة مرموقة في العالم الإسلامي، وقضية غزة وفلسطين على رأس الأولويات لكل العالم الإسلامي، من هنا كان يجب على باكستان أن تأخذ بعين الاعتبار هذه القضية"، مضيفاً أن "باكستان لها مصالح مع أميركا وهي بحاجة إلى تقوية تلك العلاقات، لكن ترشيح ترامب لنوبل السلام قضية تؤثر على الرأي العام أكثر من تأثيراتها على العلاقات الرسمية بين الدول، وكل العالم مشغول بهذه القضية، وكان على باكستان أن تكون أكثر عقلانية وتتجنب اتخاذ قرارات عاطفية".

ودان الكثير من الساسة المعارضين الحكومةَ وحتى بعض مؤيديها، قرار ترشيح ترامب لنوبل السلام وطلبوا إعادة النظر به، والأخذ بعين الاعتبار ما حل بغزة وفلسطين. وقال زعيم جمعية علماء الإسلام، كبرى الأحزاب الدينية في البلاد، المولوي فضل الرحمن، في بيان، إن "القول إن ترامب يعمل للسلام كاذب ومن يقوله يخدع نفسه. واشنطن سعت لتهدئة الأوضاع بين باكستان والهند وذلك بعد أن دمرت باكستان القوة الجوية للهند، ولكن لماذا لم تعمل لإنهاء الحرب على غزة وفي فلسطين بشكل عام، بل هي تدعم إسرائيل، وهذا الأمر ليس في فلسطين وحده، بل أيضاً في لبنان وسورية وأخيراً ضد إيران. من هنا ترامب ليس داعية للسلام، بل هو من يولع الحرب". كما دعا الحكومة إلى إعادة النظر في قرارها ترشيح ترامب لنوبل السلام موضحاً أن "ترامب دعا قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير إلى الغداء معه، ونحن من شدة الفرح، ظننا أن ترامب داعية سلام، ولكن هذا ليس إلا خداعاً للنفس وللغير".

من جهته، قال القيادي في حزب حركة الإنصاف علي محمد خان، في حديث لوسائل إعلام، إنه "بعد كل ما حصل من دمار وإبادة جماعية في غزة، يظهر لنا ما الهدف الحقيقي لترامب، وبعد كل هذه الإبادة التي تقوم بها إسرائيل المدعومة من أميركا والرئيس الأميركي له دور فعال في هذا، نأتي لنرشح ترامب لجائزة نوبل للسلام. هذا أمر مقلق للغاية".

وليس المعارضون فحسب بل حتى أعضاء في الحكومة وقياديون في الحزب الحاكم أيضاً انتقدوا الخطوة بشدة. وقالت النائبة في البرلمان من حزب "حركة إنصاف" الحاكم نوشين افتخار، لـ"العربي الجديد": "لا شك أن ترامب قام بدور في تهدئة الأوضاع بين باكستان والهند وهو أمر مهم، لكن علينا أن ننظر إلى بلادنا ضمن العالم الإسلامي كله، فإذا كان لترامب دور في تهدئة الأوضاع بين الهند وباكستان، فلماذا لا يلعب دوره في وقف الإبادة الإسرائيلية على غزة؟ ولماذا دعمت، ولا تزال، إسرائيل ضد الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والإيرانيين؟ إذاً، ما يفعله الرجل ليس للسلام بل للمصالح، لذا فإن ترشيح ترامب لنوبل السلام أمر غير صحيح، وتجب إعادة النظر فيه".

دفاع عن قرار باكستان

لكن القيادي في الحزب الحاكم النائب عقيل أنجم، المقرب من رئيس الوزراء شهباز شريف، قال لـ"العربي الجديد": "علينا أن ننظر إلى القضية بحسابات بلادنا وليس بحسابات العالم. ترامب ساعدنا في تهدئة الأوضاع مع الهند، وقد توقف حمام الدم، وإلا لكانت الحرب بين الدولتين النوويتين أغرقت المنطقة كلها في الويلات، من هنا رشحته الحكومة الباكستانية لجائزة نوبل للسلام، ولم نرشحه لأنه قام بالشيء نفسه لدول أخرى. إن ملف الهند وباكستان ملف مستقل عن الملفات الأخرى".


عقيل أنجم: علينا أن ننظر إلى القضية بحسابات بلادنا وليس بحسابات العالم

وثمة من يرى أن اللقاء الذي جمع ترامب بقائد الجيش المشير عاصم منير، في 19 يونيو/حزيران الجاري، في واشنطن، كان السبب وراء ترشيح ترامب لنوبل السلام وأن قرار الترشيح كان من قائد الجيش وحده، من دون الأخذ بعين الاعتبار رأي الساسة وحتى الحكومة. وليس السياسيون وحدهم، بل الإعلاميون والنشطاء وصفوا اللقاء بين ترامب ومنير والغداء في البيت الأبيض بأنه "وجبة غالية"، وأن باكستان ستدفع الكثير مقابل تلك الوجبة. ثمة من يخاف أن يقوم منير بالدور نفسه الذي قام به الرئيس العسكري السابق برويز مشرف إبان الحرب على الإرهاب في أفغانستان عام 2001. وفي هذا السياق، قال المحلل الأمني الباكستاني شفاعت علي خان، لـ"العربي الجديد"، إن "عاصم منير رجل جريء، لكنه في الوقت نفسه ديكتاتور رقم واحد، وهو الآن أقرب الشخصيات إلى الولايات المتحدة في باكستان. من هنا ثمة خشية في باكستان من أن يُستخدم الرجل أميركياً ضد الجيران، مثل أفغانستان وإيران، في المستقبل، وأنه قد يضر بالعلاقات الصينية - الباكستانية"، موضحاً أن "الدعم الأميركي، سواء كان مادياً أو غير مادي، لن يكون من دون تكلفة".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية