
أثار الانخراط الأميركي في جبهات عدة، سواء في الصدام المسلح بين باكستان والهند، مروراً بالتأثير على مسار الحرب الروسية الأوكرانية، وأخيراً التدخّل العسكري المباشر في الحرب الإسرائيلية الإيرانية، تساؤلات بشأن مقاربة الصين تحالفاتها وشراكاتها الاستراتيجية في ظل التطورات الراهنة، ومدى تأثير ذلك على حضورها الدولي باعتبارها قوة وزانة، خصوصاً بعدما اكتفت ببيانات الشجب والإدانة إزاء تعرض المنشآت النووية الإيرانية لقصف أميركي. أمر اعتبره مراقبون تخلياً عن حليف استراتيجي يمثّل الضلع الثالث في الثالوث المناهض (بالإضافة إلى روسيا والصين) للهيمنة الأميركية.
قراءات الصين للمشهد العام
في قراءة الصين للمشهد العام، ركّزت وسائل إعلام صينية على الدروس المستفادة من الضربات التي تعرض لها الحلفاء، وتعاملت مع الأمر باعتبارها قصة يمكن استخلاص العبر منها، والتعلم من أجل تعزيز جدران الحماية وسد الثغرات أمام القوى المعادية. في هذا السياق، تساءلت صحيفة ساوث تشاينا مورنيغ بوست، أول من أمس الأربعاء الماضي، إذا كانت الضربات الأميركية للمنشآت النووية الإيرانية تشكل جرس إنذار للصين بشأن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات الولايات المتحدة. وقالت إن الهجمات ترسل إشارة قوية وواضحة حول التدخّل الأميركي المحتمل في الصراعات المحتملة في تايوان أو بحر الصين الجنوبي. وأضافت الصحيفة الصينية: بينما تُثير الضربات الجوية الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية تساؤلات حول موقف ترامب المناهض للحرب، فإنها قد تعزز أيضاً افتراضات بكين بشأن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات الإدارة الأميركية. ولفتت إلى أن الهجمات قد تعزز الاعتقاد في بكين بأن واشنطن قد تتدخّل في الصراعات الإقليمية، ما يدفع إلى استعدادات استراتيجية أقوى في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان.
يوان تشو: الصين ليست طرفاً في أي معاهدة دفاع مشترك مع أي دولة
ويأتي هذا التقييم بعد ضربة جوية أميركية غير مسبوقة على إيران بأقوى أسلحتها غير النووية، تلتها ضربة إيرانية انتقامية على القاعدة العديد الأميركية في قطر. وخلال حملته الانتخابية، قدّم ترامب نفسه مراراً وتكراراً باعتباره رئيساً مناهضاً للحرب ووسيط سلام، ووعد بوضع "أميركا أولاً" من خلال إنهاء التدخل الأميركي في الصراعات الخارجية الخطيرة والمكلفة، ولكن ترامب لم يفِ بعد بوعوده الانتخابية بإنهاء الحروب في أوكرانيا وغزة بسرعة، ومع قصف إيران، يبدو أنه تحول عن موقفه المناهض للحرب، على الرغم من إعلانه وقف إطلاق النار.
وفي تعليقه على الموقف الصيني، قال الباحث في الشؤون العسكرية في معهد نان جينغ للبحوث والدراسات الاستراتيجية، يوان تشو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن موقف بكين ثابت وواضح بشأن النزاعات الإقليمية والدولية، فهي تدعو إلى حل جميع الخلافات عبر الحوار والقنوات والدبلوماسية، وترفض بشكل قاطع فرض منطق القوة العسكرية الذي تحتكم إليه الولايات المتحدة. وأوضح أن الصين ليست طرفاً في أي معاهدة دفاع مشترك مع أي دولة أخرى بما في ذلك الدول الحليفة، وبالتالي هي ليست ملزمة قانونياً بالتدخّل العسكري في أي نزاع أو صدام مسلح ما لم يمس ذلك سيادتها وسلامة أراضيها وأمنها القومي. وتابع: مع ذلك انطلاقاً من مكانتها الدولية وباعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن، تسعى الصين إلى التوسط في حل النزاعات وتحافظ على علاقات جيدة مع جميع الأطراف، وهذا دور بالنسبة لها أهم وأجدى من الانخراط العسكري غير المحسوب في حروب خارج حدودها، فضلاً عن أن أي تدخّل لبكين على وجه التحديد في أي صدام عسكري تكون الولايات المتحدة طرفاً فيه، قد يكون سبباً في إشعال حرب عالمية ثالثة.
ليو مينغ: صمت الصين إزاء الهجمات الأميركية سيخلق حالة من الفتور مع إيران
فتور مرتقب بين الصين وإيران
في المقابل، أعرب أستاذ العلاقات الدولية في معهد وان تشاي للأبحاث والدراسات في هونغ كونغ، ليو مينغ، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن صمت الصين إزاء الهجمات الأميركية التي تعرضت لها حليفتها إيران سيخلق حالة من الفتور في العلاقة بين البلدين من جانب القيادة السياسية في طهران، لأن قوة التحالفات تكمن في المواقف أثناء الأزمات والحروب. وأضاف أن الدول تسعى إلى تعزيز تحالفاتها الأمنية والعسكرية مع القوى الكبرى، تحسباً لمثل هذه الأيام التي نشهدها اليوم، وعندما يلتزم الحلفاء الصمت في الظروف الحرجة وعند الحاجة، ينبغي إعادة النظر في التحالف وهذا أمر متوقع خلال الفترة المقبلة، إذ لا يمكن الوثوق بالصين كحليف يمكن الاعتماد عليه في وقت الأزمات.
وتابع ليو: لا يُعقل أن تتعامل بكين مع حلفائها كحقل تجارب للتعلم من أخطائهم، لأن هذه الاستراتيجية في التعامل ستجعلها وحيدة في نهاية المطاف حين تواجه سيناريوهات مماثلة. لذلك ينبغي على الصين إعادة تقييم استراتيجيتها، في ظل التطورات الراهنة وسقوط حلفائها واحداً تلو الآخر، بدءاً من سقوط النظام السوري السابق بعد انكفاء الدور الروسي، وصولاً إلى ضرب المنشآت النووية الإيرانية، والتي سيكون بالضرورة لها تأثير كبير على مكانة إيران الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط. وخلص إلى القول إن الصين تخسر ولا تربح في التزامها الصمت ومحاولة الظهور بمظهر الدولة المسؤولة، في حين أن الولايات المتحدة تبسط نفوذها وتتدخل بالقوة العسكرية لحماية حليفتها إسرائيل.
بدوره، أكد وزير الدفاع التايواني ويلينغتون كو، أمس الخميس، أن تايوان مصممة على الدفاع عن نفسها وحماية أسلوب حياتها، وذلك خلال مناقشة الاستعدادات لمناورات هان كوانغ السنوية، المقررة الشهر المقبل. وفي حديثه إلى لجنة شكّلها الرئيس لاي تشينغ تي لتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة هجوم صيني محتمل، أكد ويلينغتون أن التدريبات العسكرية ستبدأ بسيناريو "حصول توغلات صينية في الجزيرة... تتطور إلى هجوم"، مشيراً إلى أن القوات المسلحة التايوانية ستتدرب على صدّ عملية إنزال صينية. وكشف أنه سيتم استخدام أنظمة صواريخ المدفعية الجديدة عالية الحركة (هيمارس)"، في هان كوانغ للمرة الأولى، مع صواريخ سكاي سوورد أرض-جو التي طورتها تايوان.

أخبار ذات صلة.
