في فشل الحملة الإسرائيلية الأميركية علي إيران
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

لا يمكن إنكار أن إسرائيل حققت مكاسب مهمّة، لا سيما في الأيام الأولى من حملتها العسكرية المدعومة أميركياً على إيران، فقد تمكّنت من اغتيال العديد من القيادات العسكرية والعلماء النوويين الإيرانيين، إلى جانب استهداف منشآت نووية حسّاسة. ويمكن اعتبار تأخير البرنامج النووي الإيراني عدة أشهر أو سنوات بمثابة أبرز إنجاز إسرائيلي في هذه الحملة، حيث تحتاج طهران حالياً فترة معتبرة لإعادة ترميم ما جرى تدميره وإعادة البرنامج إلى النقطة التي وصل إليها قبل الهجوم.

لكن هذه المكاسب، رغم أهميتها، لا ترقى إلى مستوى "نصر استراتيجي"، وهو الهدف الذي كان يطمح إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حين قرّر خوض هذه الحرب. فمنذ البداية، أوحى بأن هدف الحملة يتجاوز تدمير البنية التحتية النووية، ليشمل إنهاء مشروع تخصيب اليورانيوم داخل إيران، والقضاء على برنامجها الصاروخي، وربما إسقاط النظام في طهران باعتباره حجر الأساس في كل ما تعتبره إسرائيل تهديداً وجوديّاً. لا شيء من هذا تحقق. فبالرغم من الضربات المؤلمة، استمرّ تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية، وربما بوتيرة أسرع وأكثر عناداً من السابق، كما أن البرنامج الصاروخي الإيراني قد اكتسب مصداقية أكثر في نهاية الحرب، كونه أثبت قدرته على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، وإدخال أغلبية المجتمع الإسرائيلي إلى الملاجئ. والأسوأ من ذلك كله بالنسبة للمحور الأميركي – الإسرائيلي، أن خيار المفاوضات بات أكثر تعقيداً، فالحرب التي لطالما لوّحت بها إسرائيل وأميركا ورقة ضغطٍ على طهران، جرى استخدامها فعليّاً، ولكنها لم تنجح في كبح طموحات إيران النووية. والنتيجة؟ تشكّك متزايد من طهران في أي مفاوضات مقبلة، ما دام الطرف الآخر قد أظهر استعداده لاستخدام القوة من دون القدرة على الحسم.

الحملة الإسرائيلية الأميركية على إيران لم تحقق أهدافها الاستراتيجية

أما النظام الإيراني، الذي توقع بعضهم سقوطه أو زعزعته على وقع الضربات، فقد بدا أكثر تماسكاً مما ظنّ كثيرون. لا بل شهد المشهد السياسي في الداخل الإيراني تماسكاً لافتاً، إذ التفّت حتى بعض أطياف المعارضة في الداخل والخارج حول النظام في لحظة مواجهة خارجية، ما عزّز من شرعيته الوطنية وأضعف آمال خصومه.

ومن الناحية الأمنية، تراجعت نظرية "الردع الإسرائيلي" التي لطالما شكّلت ركيزة العقيدة الأمنية للدولة العبرية، فقد بات واضحاً أن الصواريخ الإيرانية قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، من شمال البلاد حتى جنوبها، ما أثبت أن إيران قادرة على تهديد الأمن القومي الإسرائيلي بشكل مباشر. وهذا تطوّر نوعي لا يمكن تجاهله.

وقد تجلى الفشل الإسرائيلي بأوضح صوره في قرار وقف إطلاق النار بعد 12 يوماً فقط. إسرائيل التي صمّت آذانها على عامين أمام الدعوات الدولية إلى وقف عدوانها على غزّة لم تحتمل أسبوعين من الصواريخ الإيرانية، وهو ما يكشف أن الحملة لم تحقق أهدافها، وإلا استمرّت شهوراً أو حتى سنوات.

أثبتت طهران قدرتها على الردّ، وعزّزت معادلة ردع في الإقليم

هناك ثلاثة أسباب رئيسية تفسّر فشل الحرب الإسرائيلية الأميركية على إيران: أولاً، غياب الرؤية: لم يكن هناك اتفاق واضح بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الأهداف الاستراتيجية للحرب، بخلاف ما حدث في غزو العراق عام 2003، حيث كانت الرؤية الأميركية صريحة: إسقاط نظام صدّام حسين. أما في الحالة الإيرانية، فالموقف تذبذب بين وقف تخصيب اليورانيوم، تدمير البرنامج النووي، القضاء على البرنامج الصاروخي، وربما إسقاط النظام، من دون إجماع فعلي حول الأولويات والوسائل. ثانياً، ارتباك المنهجية: تراوحت المنهجية بين استخدام القوة العسكرية والعودة إلى طاولة المفاوضات. وقد أضعف هذا التردّد فاعليتي الخيارين. في حين لعبت الدبلوماسية في العراق دوراً مكمّلاً للعمل العسكري، وهنا حصل العكس. لقد راهن ترامب على أن الخيار العسكري من إسرائيل سيجبر إيران على توقيع الاتفاق على طاولة التفاوض، ولكن استخدام السلاح أضعف الثقة الضرورية لإنجاح أي مسار تفاوضي، خصوصاً من الجانب الإيراني، كما أن أميركا استنفدت الخيار العسكري الذي لطالما هددت به.

ثالثاً، محدودية الموارد. خصّصت الولايات المتحدة أكثر من 150 ألف جندي ومئات مليارات الدولارات لغزو العراق عام 2003، وأسقطت النظام خلال أشهر. أما في الحالة الإيرانية اليوم، فالحرب خاضتها إسرائيل مع دعم أميركي محدود، في ظل إدارة ترامب التي تتبنّى أجندة اقتصادية قائمة على خفض الإنفاق الخارجي. ببساطة، لم تكن هناك موارد كافية لحرب بهذا الحجم.

في الختام، يمكن القول إن الحملة الإسرائيلية الأميركية على إيران لم تحقق أهدافها الاستراتيجية. قد تكون أخّرت المشروع النووي الإيراني، لكنها لم توقفه، ولم تُسقط النظام، ولم تُنهِ تخصيب اليورانيوم، ولم تأخذ إيران إلى بيت الطاعة الدبلوماسي. بل على العكس، أثبتت طهران قدرتها على الردّ، وعزّزت معادلة ردع في الإقليم. ليست القوة العسكرية، مهما كانت دقيقة ومؤلمة، بديلاً عن الرؤية السياسية الواضحة، والمنهجية المتماسكة، والموارد الكافية. ومن دون هذه العناصر الثلاثة، قد تنتهي أي حرب، حتى وإن بدأت بيد من حديد، بهدنة مفروضة عاجزة عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية للتدخل العسكري التي لطالما حلم بها نتنياهو.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية