مخدرات قاتلة في شوارع بريطانيا... مطالب بحلول عاجلة
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

تنتشر في سوق سوداء بريطانيا أشكال مموّهة من المخدرات الاصطناعية التي تُسوّق على أنها أدوية شائعة مثل "ديازيبام" و"بروميثازين"، والحقيقة أنها مركبات قد تكون أقوى مئات المرات من الهيروين، ما يجعل حتى جرعاتها الصغيرة قاتلة.

كشفت حادثة مأساوية تصاعد أزمة المخدرات الاصطناعية في بريطانيا بعد وفاة شخصين تناولا حبوباً خضراء مجهولة المصدر تُباع سراً في منطقة ساوثهول غربي لندن، في 27 مايو/ أيار الماضي. وتلا الحادث تحذير مجلس بلدية إيلينغ غربي لندن السكان من عدم التهاون مع أي أعراض صحية مفاجئة، وتشديده على ضرورة طلب المساعدة الطبية فور ظهور أي علامات غير اعتيادية. ومثلت هذه المأساة حلقة جديدة في سلسلة حوادث تشير إلى تفشي مخدرات فتاكة تصنع غالباً خارج بريطانيا، وعلى رأسها مركبات "نيتازين" و"زيلازين".

منذ منتصف عام 2023، سُجّل ما لا يقل عن 400 حالة وفاة في المملكة المتحدة مرتبطة بـ"نيتازين" بحسب بيانات رسمية، منها 230 ربطتها الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة مباشرة بهذه المركّبات حتى يونيو/ حزيران 2024، كما أظهر مشروع تحليل المواد المخدرة أن أكثر من 130 شخصاً تلقوا أقراصاً ملوثة بمركبات "نيتازين" بدلاً من أدوية حاولوا الحصول عليها عبر وصفة طبية، ما يعكس اتساع نطاق الخطر.

ورداً على تصاعد الظاهرة، أعلنت حكومة المملكة المتحدة في يناير/ كانون الثاني 2025 إجراءات جديدة شملت حظر 22 مادة كيميائية، من بينها "نيتازين"، ورفع تصنيفها إلى الفئة "أ"، ما يجعل ترويجها أو حيازتها جريمة خطيرة، كما أدرج "زيلازين" ضمن الفئة "ج"، وأخضع رجال الشرطة لتدريب على استخدام عقار "نالوكسون" لعكس تأثير الجرعات الزائدة، وتطوير قدرات الكشف في الجمارك من خلال تدريب كلاب حرس الحدود لرصد هذه المواد، في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها عالمياً.

لكن هذه المقاربة الأمنية لم تنل إجماع ممتهني الصحة النفسية والناشطين في إصلاح السياسات، وتقول تارا أوستن، مديرة الحملة في منظمة "بار غلوبال"، لـ"العربي الجديد": "سياسات المخدرات في المملكة المتحدة بعيدة كل البعد عن أحدث ما توصل إليه العلم، ولا تشبه بأي حال استراتيجية الحد من الضّرر. لا نزال نعيش في ظل مفاهيم قديمة وتصنيفات زائفة لا تخدم أحداً". وترى أوستن أن العلاجات الجديدة مثل "سيلوسيبين"، وهو مركّب طبيعي موجود في أنواع معينة من الفطر، قد تكون جزءاً فعالاً من استراتيجية شاملة للحد من الضرر، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية مزمنة مثل الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة، وتقول إنّ "هذه العلاجات تُظهر نتائج واعدة في تقليل الاعتماد على المواد الخطرة، لكنها تظل محظورة بموجب التصنيف الحالي ضمن "الجدول 1"، ما يمنع البحث السريري واستخدامها العلاجي تحت إشراف طبي.

وتدعو أوستن إلى إعادة تصنيف "سيلوسيبين" ضمن جدول أدنى وتبسيط إجراءات البحث، وتخصيص تمويل حكومي لدعم الدراسات العلاجية، كما تطالب بإنشاء برامج "استخدام رحيم" للمرضى الذين لم تنجح معهم العلاجات التقليدية، إلى جانب تدريب متخصّصين مؤهلين لتقديم هذا النوع من العلاج. وتوضح أن حملة "بار"  تعمل لكسر الوصمة المحيطة بهذه العلاجات عبر حملات توعية علمية ونشر قصص شخصية، وتقديم تقارير إحاطة لصنّاع السياسات. وشملت مبادراتها عريضة وقّع عليها أكثر من 11 ألف شخص، وتوزيع منشورات تثقيفية على عشرات آلاف المنازل، وأيضاً التواصل المباشر مع النواب.

في غضون ذلك، أطلقت السلطات الصحية في لندن نداءً عاماً للسكان، حثت فيه كل من تظهر عليه أعراض غير معتادة مثل الهلوسة أو فقدان الوعي على الاتصال فوراً بخدمة الإسعاف، وحذرت من الاعتماد على "حلول شعبية" قد تفاقم الحالة. وبينما تتصاعد التحذيرات من المخدرات الاصطناعية، تتنامى المطالب بإعادة النظر في المقاربة القانونية والتنظيمية. ففي عام 2023، كلّفت وزارة داخلية بريطانيا المجلس الاستشاري لمكافحة إساءة استخدام المخدرات بمراجعة العوائق التي تعرقل إجراء بحوث علمية في المواد المصنفة ضمن "الجدول 1"، مثل "سيلوسيبين"، وأوصى المجلس بتقليل هذه الحواجز ودراسة إعادة التصنيف.

بدورها، دعت "لجنة الشؤون الداخلية في مجلس العموم"، إلى نقل بعض هذه المواد إلى "الجدول 2"، لتسهيل استخدامها في الدراسات الطبية شرط وجود رقابة صارمة، لكن الحكومة لم تُصدر، حتى فبراير/ شباط 2025، أي رد رسمي على هذه التوصيات، ما أثار انتقادات في الأوساط الأكاديمية والسياسية في شأن بطء التحرك في مواجهة أزمة صحية متصاعدة.

وفي ظل هذا التراخي، يرى ناشطون أن بريطانيا قد تُفوّت فرصة تبني أدوات علاج فعّالة، في وقت يستمر القلق العام من تفشّي مواد شديدة السمية في السوق السوداء. ومن بين الإجراءات العقابية والمقاربات العلاجية، تبرز الحاجة إلى تطبيق نهج وطني متوازن يعترف بأنّ الصحة النفسية والإدمان لا يمكن اعتبارهما قضايا جنائية فحسب، بل تحديات إنسانية تستوجب التعاطي معها بسياسات عقلانية ورحيمة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية