ألمانيا تسعى لتقييد اللجوء والهجرة بتصنيف بعض الدول "آمنة"
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

تتّجه حكومة ألمانيا الاتحادية نحو توسيع دائرة الدول الآمنة بدون موافقة المجلس الاتحادي، ما وُصف بـ"التحايل" لتقييد حركة اللجوء والهجرة.

في خطوةٍ للمضي قُدماً بالتغييرالمُعلن في سياسة الهجرة، أقرّ مجلس الوزراء الاتحادي في ألمانيا مشروع قانون يمكّنه من توسيع دائرة الدول الآمنة من دون موافقة المجلس الاتحادي (البوندسرات)، ليصبح بإمكانه تحديدها بسهولة أكبر. الأمر الذي أثار انتقادات وشكوك دستوريّين ومنظمات مدافعة عن حقوق اللاجئين، حول إمكانية تحقيق هذه المناورة، لما تتضمنه من ظلمٍ بحق طالبي الحماية من دولٍ مُقرّر تصنيفها بـ"الآمنة"، وفي مقدمتها دول شمال أفريقيا.

يمكّن مشروع القانون المقدّم من وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبريندت الحكومة الفيدرالية، من تحديد ما يُسمّى بدول المنشأ الآمنة من دون موافقة الولايات الاتحادية، وهذا التصنيف يكون بموجب مرسوم قانوني بسيط يسمح بإضافة دول جديدة إلى القائمة في المستقبل. وهذا الكلام مفاده أن الحكومة، "الائتلاف الكبير"، تحاول بقرارها الالتفاف على المجلس الاتحادي، وإقناع باقي الكتل النيابية بنقل صلاحيات المجلس بحكم الأمر الواقع إلى مجلس الوزراء، وعندها سيفقد كل من "البوندستاغ" (البرلمان الاتحادي) و"البوندسرات" (المجلس الاتحادي) حقّيهما في إبداء الرأي.

عدا ذلك، فإن مشروع القانون تضمّن بنداً يلغي إلزامية التمثيل القانوني في الاحتجاز بانتظار الترحيل أو إجراءات الاحتجاز الاحتياطي، علماً أن هذا البند كان قد أثير العام الماضي من جانب حكومة "إشارات المرور" (مستمد من ألوان الأحزاب المكونة لها) بزعامة المستشار السابق أولاف شولتز. ونصّ مشروع التعديل على أن وجود التمثيل القانوني جعل جلسات الاستماع في الاحتجاز بانتظار الترحيل "أكثر تعقيداً واستهلاكاً للوقت".

باختصار، يريد الائتلاف الحاكم اعتماد الحِيل لتوسيع عدد البلدان الآمنة، وقبول عدد أقل من اللاجئين وترحيل المزيد من الموجودين، باعتبار أن دولاً مثل الجزائر والمغرب وتونس والهند، لا توجد فيها مخاطر داهمة، وأن طالبي اللجوء من هذه الدول لا يأتون إلى ألمانيا خوفاً على حياتهم، بل سعياً وراء آفاق اقتصادية أفضل، بحسب وجهة نظر الائتلاف الحاكم.

وفي حين وصف وزير الداخلية الألماني، الخطوة، بأنها جزء من حزمة شاملة من "التدابير الوطنية" لتنفيذ التحوّل في مسار اللجوء، يمكن القول إن تصنيف دول المنشأ على أنها آمنة ستنتج عنه تبعات سلبية ومزيد من التضييق على مقدّمي طلبات اللجوء من تلك الدول. ويُفترض عندها لقبول حق اللجوء أن تكون هناك خشية حقيقية من الاضطهاد في البلد الأصلي، والذي يُعدّ شرطاً أساسيّاً وفقاً للمادة 3 من قانون اللجوء لمنح صفة "لاجئ".

وفي حال كان وضع مقدّم طلب الحماية ملتبساً يجب أن يثبت، إلى جانب أمور أخرى، أنه مهدد بعقوبة أو عنف ومعاملة لا إنسانية أو بالاضطهاد السياسي. ويُشترط على طالبي الحماية الفرعية تثبيت أنهم يواجهون خطراً جسيماً في بلدهم. وفي حال تم اعتماد التصنيفات الجديدة، ستتقلص فترة السماح للمطلوب ترحيلهم، وقد يصبح واجب التنفيذ فوراً، وكذلك اختصار المواعيد النهائية لرفع دعوى قضائية وفقاً للمادة 36 من قانون اللجوء.

تصنّف كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي باعتبارها دول منشأ آمنة في أوروبا، وتشمل دولاً مثل ألبانيا والبوسنة والهرسك وجورجيا وكوسوفو ومقدونيا والجبل الأسود ومولدوفا وصربيا. وفي أفريقيا هناك دول تتمتع بهذا الوضع، مثل غانا والسنغال.
وبينما وجد البعض في التوجه لاعتماد التعديلات، هدفاً لتسريع قرارات اللجوء للأشخاص القادمين من هذه الدول وتسهيل ترحيل المرفوضين منهم، رأى العديد من المحامين أن اللائحة الجديدة المخطط لها للدول الآمنة "غير فعالة".

وفي الإطار، عرضت شبكة "إيه أر دي" الإخبارية انتقادات الخبير في قانون الهجرة، المحامي كريستوف توميتين، وفيها أن اللوائح ستعقّد قواعد اللجوء بشكل غير منطقي. ونظراً لكون مشروع القانون لا يشير إلى قانون اللجوء المنصوص عليه في القانون الأساسي، بل إلى قانون الاتحاد الأوروبي، فهناك خطر "التمايزات المعقدة غير الضرورية" في الممارسات الإدارية والقضائية، ولن تسرّع الإجراءات.

وبحكم أن مشاركة "البوندستاغ" (البرلمان الاتحادي) و"البوندسرات" (المجلس الاتحادي) في توسيع قائمة دول المنشأ الآمنة المنصوص عليها بالقانون الأساسي، وأنه لا يمكن تغيير الوضع إلا بأغلبية الثلثين في البرلمان الاتحادي، أفاد المحامي في القانون الدستوري ثورستن كينغريين، في حديث مع منصة "المنبر القانوني"، بشأن إمكانية تجاوز الحكومة الفيدرالية للمجلس الاتحادي، بالقول: "إن إصدار هكذا قانون يُعدّ غير دستوري لأن الموافقة على القوانين من "البوندسرات" تتعلق بكل من له الحق في اللجوء والحماية الدولية للاجئين، وكما هو محدد في قانون الاتحاد الأوروبي، وعملاً بموجب المادة 16 الفقرة 3 من القانون الأساسي، وتُعتبر هذه المادة جزءاً لا يتجزأ من النظام الأوروبي لحماية اللاجئين".

وفي هذا الصدد، اعتبرت بعض أحزاب المعارضة ومنظمات مدافعة عن حقوق اللاجئين، أن الحكومة تحاول تجاوز الولايات الاتحادية. وفي رد مبدئي، اتّهمت المديرة التنفيذية لكتلة حزب الخضر في "البوندستاغ"، فيليز بولات، الحكومة بقيادة المستشار فريدريش ميرز بزعزعة أسس المبادئ الدستورية، موضحة أن تصنيف بلدان المنشأ بالآمنة ليس إجراء إداريّاً، بل هو تعدّ واسع النطاق على حقوق الحماية الفردية وله عواقب وخيمة على القادمين من طالبي اللجوء. لذلك، فإن مشاركة الهيئات الدستورية ليست إجراء مرهقاً، بل مطلب دستوريّ. ومن المعلوم، أنه كان يتم التصدي لهذه المقترحات في "البوندسرات" من حزب الخضر المدافع عن حقوق اللاجئين عبر رؤساء حكومات الولايات المنتمين إلى الحزب البيئي. أما منظمة "برو أزول" فوصفت قرار الائتلاف الحاكم بأنه "غير ديمقراطي، ومثير للشكوك دستوريّاً"، موضحة عبر المتحدثة باسم السياسة القانونية، فيبكي جوديث، أن تحديد بلدان المنشأ والدول الثالثة التي يُفترض أنها آمنة، يُصعّب على الأشخاص الضعفاء الحصول على الحماية التي يستحقونها.

ومع تعدد الاعتبارات، صدرت تحذيرات من غياب الأغلبية المضمونة في "البوندستاغ" مع بروز أصوات متزايدة من نواب الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في التحالف الحاكم لهذا الطرح، وعدم تنازل "البوندستاغ" عن صلاحياته بسهولة، والخشية من أن يتدخل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي ويصوّت مع الاتحاد المسيحي على هذا القرار، لتأمين الأغلبية عند التصويت، ما سيؤدي حتماً إلى خلق أزمة حادّة بين أطراف الائتلاف الحكومي الفيدرالي.

وعلى خلفية حكم المحكمة بعدم قانونية طرد شرطة الحدود لثلاثة أشخاص من طالبي اللجوء الصوماليين من محطة القطارات في شرق ألمانيا، والذين تمت إعادتهم إلى بولندا، أكد المستشار ميرتس أخيراً، أنه يجب على ألمانيا أن تعالج طلبات لجوئهم، عملاً بقواعد "دبلن"، بأن هذا النوع من الأحكام ربما يقيّد الحكومة قليلاً في ملف الهجرة، لكن لن يوقفها تماماً، وأن السلطات ستواصل إبعاد الوافدين من المهاجرين عند الحدود.

وأضاف: "نعلم أنه لا يزال بإمكاننا رفض قبول هكذا نوع من الأشخاص، وسنفعل ذلك بالطبع ضمن إطار القانون الأوروبي، من أجل حماية السلامة العامة والنظام، وتخفيف العبء عن المدن والبلديات الألمانية".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية