"لابوبو" دمية صغيرة صنعت إمبراطورية بمليارات الدولارات
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

في عالم المنتجات الاستهلاكية، نادرًا ما تخرج دمية صغيرة عن إطار اللعب لتصبح ظاهرة ثقافية ورافعة اقتصادية لشركة عملاقة. هذا تمامًا ما فعلته شخصية "لابوبو"، المخلوق الصغير ذي الملامح الفريدة الذي حوّلته شركة "بوب مارت" الصينية إلى أيقونة جماهيرية تدرّ مئات ملايين الدولارات سنويًا، وجعلت من صناديق "المفاجآت" سوقًا مزدهرة على الصعيد العالمي. هذه الشخصية الصغيرة -التي تبدو مخلوقا بأسنان حادة وأذنين مدببتين- لم تظهر فجأة في عالم الشهرة، بل كانت ثمرة سنوات من التطوير والترويج.

ابتكر الرسام "كاسينغ لونغ" شخصية "لابوبو" عام 2015، حيث ظهرت لأول مرة في 3 كتب مصورة مستوحاة من الأساطير الإسكندنافية بشخصية تجمع بين الغرابة والبراءة. وفي عام 2019 تم توقيع اتفاق بين شركة "بوب مارت" والرسام لتصنيع تماثيل "لابوبو" لكنها لم تحقق رواجا واسعا إلا عام 2023 عندما طرحت الشركة نسخة محشوة من الدمية على شكل ميداليات مفاتيح. وتجاوز عدد المنشورات عن "لابوبو" على "تيك توك" مليونا وأربعمائة ألف، وتنوعت بين مقاطع فتح صناديق (الصندوق الغامض)، واستعراض أنماط أزياء مستوحاة من الشخصية، ومشاهد تقمص الشخصية في عروض "كوزبلاي".

وبحسب ما ذكرت "أسوشييتد برس"، قالت رئيسة قسم ترخيص الملكية الفكرية في "بوب مارت" بأميركا إميلي برو إن لابوبو تحولت إلى عنصر يمكن جمعه ورمز للأناقة، لكونها تجمع بين الجمال الغريب والخلفية الفريدة، وباتت دمية لابوبو تُستخدم زينة على الحقائب وحقائب الظهر والأحزمة، بل حتى في مرايا السيارات، مما جعلها تقتحم عالم الموضة، إلى جانب كونها لعبة محشوة.

وترجم نجاح "لابوبو" في أداء الشركة المالي، اذ تضاعفت عائدات الشركة عام 2024 لتبلغ 13.04 مليار يوان أي نحو 1.81 مليار دولار، وفقاً لتقريرها السنوي. وشهدت مبيعات الدمى المحشوة تحديدا ارتفاعا تجاوز 1200%، لتشكل ما يقارب 22% من الإيرادات الكلية. وفي هذا السياق، استغلت "بوب مارت" آلية "الصندوق الغامض"، حيث لا يعرف الزبون أي نسخة سيحصل عليها حتى يفتح الصندوق، مما أضفى عنصر التشويق على تجربة الشراء.

ووفقاً لشركة الأبحاث "سيركانا"، لم تقتصر الشركة على جمهور الأطفال بل توجهت إلى البالغين حيث شكلوا في عام 2024 قوة شرائية أسهمت في رفع سوق الألعاب الأميركي بأكثر من 800 مليون دولار. وتشير البيانات إلى أن أغلبية المشترين هم من النساء البالغات، وقد أنفقن في الربع الأول من 2025 نحو 1.8 مليار دولار، وهو أعلى إنفاق بين كل الفئات العمرية.

وتتراوح أسعار الدمى عادة بين 20 و30 دولارا، وتصل إلى أسعار أعلى في حال كانت ضمن نسخ محدودة أو تعاونية. وقد حقّقت "لابوبو" في "بوب مارت" أرباحاً بقيمة 410 ملايين دولار عام 2024، ونمت إيراداتها خارج الصين بنحو 703 ملايين دولار وفي الصين وحدها إلى 1.09 مليار دولار، كما نمت إيرادات "لابوبو" في الولايات المتحدة بنسبة 900% خلال العام 2024 فقط، وارتفع إجمالي أرباحها عالميا بأكثر من 125%.

وتؤكد "بوب مارت" أنها تواصل توسيع خطوط الإنتاج في دول آسيوية عدة، إلى جانب توزيع منتجاتها عبر المتاجر الإلكترونية والفروع المحلية وآلات بيع الصناديق الغامضة. وتتابع الشركة التطورات الجارية في المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين -وعلى رأسهم الصين- في ظل تصريحات أدلى بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال فيها إن "الصين انتهكت اتفاقا تجاريا". لكن الطلب الكبير أدى إلى طوابير طويلة ومشاجرات في بعض المتاجر، كالحادثة التي وقعت في مركز تسوق بالمملكة المتحدة. وفي نهاية مايو/أيار الماضي نشرت الشركة على إنستغرام إعلانا بتعليق مبيعاتها في المتاجر وآلات البيع مؤقتا ببريطانيا.

وقال رئيس "بوب مارت" في أوروبا بيتر شيبمان عبر منشور على "فيسبوك" إن الشركة تعمل على تطوير آلية جديدة لتوزيع المنتجات. تزايدت حالات البيع غير الرسمي للدمى رغم جهود الشركة الرسمية، ومع ذلك لا يزال عشاق "لابوبو" مستعدين لدفع أسعار باهظة في السوق الثانوية. وتسعى "بوب مارت" لمواكبة الطلب الكثيف، معلنة عزمها افتتاح 50 متجرا جديدا في الولايات المتحدة بحلول نهاية 2025. وتعتزم أيضا إطلاق نسخ جديدة من دمية "لابوبو" تتوافق مع المناسبات الموسمية والأعياد، مما من شأنه تعزيز مكانتها في السوق وترسيخها كعلامة ثقافية وجمالية في آنٍ واحد، وفقاً لـ"اسوشييتد برس".

الاستراتيجيات الذكية التي جعلت "لابوبو" ظاهرة عالمية

هذه المخلوقات الغريبة، ذات الطابع الشقي ظهرت فجأة، لتزين الحقائب والمكاتب وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي عالميا. لكن هذه ليست مجرد ضربة حظ؛ إنها دراسة حالة ذكية وتكاملية في مجال التسويق الفيروسي الحديث، نفذتها شركة "بوب مارت" مستفيدة من مزيج من علم نفس المستهلك، والمشاركة المجتمعية، والتأثير الثقافي، حيث استطاعت تحويل لعبة مميزة إلى قطعة عالمية قابلة للاقتناء، محققة أرباحا بالملايين في وقت قياسي.

استخدمت "بوب مارت" استراتيجيات ذكية لتحقيق انتشار واسع وسريع، لناحية قوة العلب المجهولة وندرة هذه السلاسل حيث يعتمد نموذج التوزيع الأساسي لسلاسل مفاتيح لابوبو بشكل كبير على مفهوم العلب العمياء. تحتوي كل علبة على شخصية عشوائية من سلسلة متعددة، مع إثارة المجهول وإمكانية وجود شخصيات نادرة "سرية" أو "مرغوبة" تعزز إقبال الناس على اقتنائها. وهذا يغذي الرغبة الفطرية لدى الإنسان في المفاجأة وإثارة البحث. كما أن ندرة بعض التصاميم تثير جنون السوق الثانوية، حيث تُباع هذه القلادات التي يبلغ سعرها 28 دولارا، في كثير من الأحيان بأكثر من 1000 دولار أميركي على مواقع إعادة البيع، مما يعزز رواجها وشعبيتها على وسائل التواصل الاجتماعي.

إلى جانب ذلك، تعاونت العلامة التجارية بذكاء مع فنانين وعلامات تجارية مختلفة وأصدرت إصدارات محدودة من "لابوبو"، وأحدثت هذه التعاونات ضجة إعلامية بين جماهيرها الحالية وجذبت جماهير جديدة. وأدت حصرية الإصدارات إلى تحفيز الطلب الفوري والتشجيع على اتخاذ قرارات شراء سريعة، فقوة الخوف من فوات الفرصة لا حدود لها. وبفضل طابعها البصري الجذاب، شكّلت سلاسل مفاتيح لابوبو خيارا مثاليا لمنصات التواصل الاجتماعي مثل "تيك توك". فبدأ المقتنون الأوائل والمؤثرون في قطاعي الألعاب والأزياء والموضة بعرض فيديوهات فتح الصناديق المجهولة ومجموعاتهم التي اقتنوها.

وقد ساهمت القدرة الخوارزمية على تضخيم المحتوى الجذاب في نشر شغف "لابوبو" بسرعة بين جمهور أوسع، مما أحدث تأثيرا متسارعا. وتتمتع "لابوبو" ورفيقاتها بسحر خاص وتواصل وثيق. وجوهها، التي غالبا ما تكون معبرة، تعكس مجموعة من المشاعر الإنسانية، مما يسمح لهواة الجمع بتجسيد مشاعرهم الخاصة على هذه الشخصيات. هذا الارتباط العاطفي يعزز شعورا أعمق بالارتباط، ويشجع الأفراد على الاستثمار في بناء مجموعاتهم.

وبحسب الخبراء الذين حذروا، من أن التعلق قد يزيد من الطلب ويفتح باباً للتزوير والبيع بأسعار مضاعفة في السوق السوداء، وذلك بعد أن تحولت "لابوبو" من مجرد دمية إلى أيقونة موضة تعكس روح العصر، وتحتل مساحات واسعة من الفيديوهات القصيرة على موقع شهير مثل "تيك توك"، لتثير الجدل حول ثقافة الاستهلاك والهوس بالندرة، كما نجحت في التسلل من رفوف الألعاب إلى واجهات الموضة وساحات الجدل الاجتماعي، لتصبح ظاهرة تجمع بين الفن والتجارة والثقافة الشعبية، فيما يبقى السؤال حول مدى نجاح رهانات "التسويق" التي أشعل بها صناعها السوق مطروحاً حول استمرار هذه الدمية في جذب الاهتمام، وتحقيق الأرباح المادية الخيالية في المستقبل.

لم تعد "لابوبو" مجرد دمية محشوة أو سلسلة مفاتيح لطيفة؛ لقد تحوّلت إلى رمز ثقافي يتجاوز حدود المنتج ليخترق الوجدان الجمعي لجيل بأكمله. في عالم تُصاغ فيه الهويات الرقمية من خلال محتوى سريع الاستهلاك، وتُبنى فيه العلاقات العاطفية مع الكائنات الخيالية أكثر من الأشخاص الحقيقيين، تقدّمت "لابوبو" كأيقونة هجينة بين الطفولة والموضة، بين البراءة والمبالغة، بين اللعب والتعلّق.

نجاح "بوب مارت" لم يأتِ فقط من براعة التصنيع أو التسويق الذكي، بل من قراءة دقيقة لاحتياجات المستهلك الحديث: الحاجة للمفاجأة، للانتماء، للتميز، وربما للهروب من واقع معقّد نحو عالم ملوّن، صغير، تمكن السيطرة عليه عبر تجميعه قطعة قطعة. ومن خلال استراتيجية تحاكي الهوس بالندرة، والشغف بالتميّز، وسحر التعاونات الحصرية، استطاعت الشركة أن تحوّل لعبة صغيرة إلى حالة اجتماعية واقتصادية تجتاح الأسواق وتعيد تعريف مفهوم "الاقتناء".

لكن هذا النجاح لا يخلو من أسئلة تستحق الطرح: هل نحن أمام موضة ستنطفئ فجأة كما اشتعلت، أم في بداية عصر تصبح فيه الألعاب أدوات تعبير عن الذات مثلها مثل الأزياء؟ هل نبالغ في تقدير ما نقتنيه، أم أن ما نقتنيه يعبّر فعلًا عمّا نحن عليه؟
تبقى "لابوبو" نموذجًا مثاليًا لدراسة كيف يمكن لفكرة صغيرة، أن تصنع إمبراطورية، وأن تكشف في طريقها الكثير عن المستهلكين، الحالمين، والمهووسين بالبحث عن نسخة نادرة من أنفسهم.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية