
على غرار ما حصل في تجمع مغاير الدير شرق رام الله بالضفة الغربية على وقع هجمات المستوطنين، يتكرر التهجير في أراضٍ تقع بين قرى المزرعة الشرقية وسنجل وجلجليا شمال رام الله، لذا لم يملك مؤيد مهانية سوى إخراج أطفاله الخمسة إلى منازل أصدقائه في سنجل وجلجليا تحديداً، بعد تهديد المستوطنين بقتل كل من يوجد في التجمع البدوي.
فعلياً، بدأ سكان التجمع في حزم أمتعتهم على وقع التهديد وهجمات المستوطنين التي استهدفت قبل 15 يوماً ابن شقيق مؤيد مهانية عبر إطلاق الرصاص عليه خلال رعي الأغنام، ما اضطره إلى العودة إلى التجمع تحت وطأة الرصاص. وهذه المرة الثانية خلال عام التي ترحل فيها عائلة مؤيد وعائلات بدوية أخرى. وسبق أن اضطرت للرحيل من وادي السيق شرقي رام الله بعدما تكررت هجمات المستوطنين ضد عائلته التي وجدت حينها في الأراضي شمال رام الله بين القرى الفلسطينية الثلاث ملاذاً آمناً، لكن الحال لم تعد كذلك.
روى مهانية تفاصيل الهجوم الأخير لـ"العربي الجديد"، وقال: "عند الساعة الواحدة والنصف من فجر الأحد الماضي حين كان سكان التجمع نائمين مطمئنين اقتحم ثلاثة مستوطنين التجمع، ورافقهم رابع قاد مركبة على أطرافه، وأزال أحد المستوطنين الغطاء عن شقيقي، ووضع المسدس في رأسه، وقال إذا لم تخرجوا قبل الجمعة المقبل سنطلق الرصاص على كل من يكون هنا. وبقي المستوطنون في التجمع لنصف ساعة قبل أن ينسحبوا".
وبدأت سبع عائلات، بينها أربع لمؤيد وأشقائه، بتجهيز الرحيل، فقبل نحو شهرين هاجم المستوطنون عائلات بدوية عند أطراف بلدة سنجل حيث استشهد وائل غفري (48 عاماً)، وأحرقت مساكن للبدو. وسينتقل 45 فرداً من عائلة مهانية بينهم الكثير من الأطفال نحو ثلاثة كيلومترات إلى منطقة قرب بلدة جلجليا، وأكثر ما يخشاه مؤيد في حال البقاء هو تعرض أطفاله وأطفال أشقائه لأذى، وقتل أو الأغنام أو سرقتها، وهي مصدر الرزق الوحيد له.
ولا شك في أن التطورات الميدانية الأخيرة تعكس ملاحقة المستوطنين التجمعات البدوية لإفراغ أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية لصالح الاستيطان، وهم استطاعوا فعلاً تهجير عشرات من التجمعات شرق رام الله في المنطقة المطلة على الأغوار، وأيضاً تجمعات في الأغوار الفلسطينية، وأخرى جنوب الضفة. وقال الناشط عايد غفري لـ"العربي الجديد": "الهجمات والتهجير قرب بلدة سنجل تعني انتقال خطة ترحيل التجمعات البدوية من التركيز على المنطقة جي وفق اتفاق أوسلو في الضفة الغربية، إلى مطاردتهم في مناطق تقع بين قرى وبلدات فلسطينية، وأيضاً في مناطق تصنّف بأنها أالف وبي، وفق اتفاق أوسلو. والمناطق ج تخضع للسيطرة الإسرائيلية المدنية والأمنية، بينما تتبع المنطقة بي للسيطرة الإسرائيلية الأمنية والسيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية، والمنطقة ألف تخضع للسلطة أمنياً ومدنياً".
وأكد غفري أن منطقة التجمع البدوي تقع بين ثلاث قرى، وامتدادها فقط القرى الفلسطينية، لكن أطماع الاحتلال تتوسع لدفع البدو أكثر إلى المناطق السكنية للقرى من أجل إفراغ الأراضي، وما يساعد في تنفيذ ذلك البؤر الاستيطانية لا سيما الرعوية، وأيضاً بؤرة استيطانية أقيمت على أراضي بلدة سنجل، وأصبحت نقطة انطلاق للاعتداءات والتخويف والترهيب".
وتحدث غفري عن أن "العديد من العائلات رحلت فعلاً، وبقي نحو 10 معظمها قدمت بحثاً عن الأمان بسبب الاعتداءات في مناطق أخرى، متوقعة أن المنطقة ألف وبي أكثر أمناً، لكن الاعتداءات لاحقتها في نهاية المطاف". ووصف ما يحصل بأنه تنفيذ لمشروع استيطاني يهدف إلى حصار القرى الفلسطينية وصولاً إلى السيطرة على مزيد من الأراضي وتنفيذ خطة الضم من خلال المستوطنين، لا سيما فتية التلال الذين يضطلع كل منهم بدور ووظيفة في عملية التنفيذ".
وقالت بلدية سنجل في بيان: "ندق ناقوس الخطر ونؤكد أن ما يحدث هو تهجير قسري وجريمة متكاملة الأركان تُرتكب بسلاح المستوطنين، وندعو الجهات الرسمية والمؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية إلى التحرك العاجل قبل أن تتسع رقعة الاستيطان وتُفرغ الأرض من أصحابها".
واستنكرت بلدية سنجل الجريمة المستمرة التي يرتكبها المستوطنون المسلحون في منطقة جبل التل الباطن التي تقع جنوب البلدة ضمن أراضي المزرعة الشرقية والمتصلة جغرافياً بسنجل، "حيث بات واضحاً أن المستوطنين هم من يفرضون واقعاً استيطانياً بالقوة في ظل غياب أي رادع، وكأنهم السلطة الفعلية على الأرض، ومن يتحكم بالميدان ليس الجيش وحده بل مستوطنون يديرون المشهد بعقلية دموية". تابعت: "ما يجري في التل الباطن ليس مجرد اعتداء فردي بل سياسة مبرمجة ومنظمة تهدف إلى تفريغ الأرض من أصحابها الشرعيين تمهيداً لضمّها فعلياً، والأسوأ أن من ينفّذ هذه السياسة هم مستوطنون متطرفون باتوا يملكون زمام القرار الأمني في الميدان وسط صمت الاحتلال وتواطئه الكامل".
