وجه رؤساء البلديات في محافظة السويداء جنوبي سورية، أصابع الاتهام لوزارة الإدارة المحلية في الحكومة السورية بالوقوف وراء تعطيل عمل البلديات من خلال إهمالها والاستئثار بإدارة المحافظة من خلال المحافظ والمكتب التنفيذي، دون الأخذ بعين الاعتبار الحاجات الملحة لهذه الوحدات، ما ساهم في ترهل عملها وأساء لموقعها كممثل منتخب أو مرشح عن الأهالي.
ودان رؤساء البلديات، إعادة تدوير البعض من رموز الفساد في المؤسسات الخدمية والتعيينات بحسب الولاء، ما أدى إلى تكريس الفساد في العمل المؤسسي وإعاقة التنمية والإنتاج المحلي.
وجاءت هذه الاتهامات في لقاء جمع رؤساء البلديات والمجالس المحلية مع المكتب التنفيذي للمحافظة يوم أمس الأربعاء، حيث تساءل مفيد غانم رئيس بلدية مفعلة عن دور وزارة الإدارة المحلية وأسباب غيابها، وعن التهميش المتعمد للوحدات الإدارية المحلية وخصوصاً في الأرياف.
وكانت المجالس البلدية التابعة لوزارة الإدارة المحلية، شهدت حالة من الترهل والتعطيل في الأداء والإنتاج الخدمي، في معظم المناطق السورية وخصوصاً في الأرياف البعيدة عن مراكز المدن، منذ سقوط نظام الأسد وتولي السلطة الحالية نهاية العام الماضي.
وفي عهد النظام السابق، صدر القانون رقم 107 لعام 2011 مع بداية الثورة السورية، بهدف منح الوحدات الإدارية دوراً أكبر في التنمية المحلية وإدارة الخدمات العامة من خلال تعزيز دور المجالس واستقلالها الإداري والمالي، وعلى الرغم من محاولة النظام السابق إفراغ القانون من مضمونه، حيث جمد عدداً من بنود القانون بما يجعلها تابعة مالياً للمركز، وعلى عكس ما خطط له، بقي المحافظ هو النقطة الأقوى وصاحب الحل والربط.
وبعد سقوط النظام، تولى المحافظون إدارة كامل شؤون المحافظات واقتصر عمل المجالس على تسيير بعض الأعمال في البلديات في غياب ميزانية مالية. وبقيت المشاريع التنموية معتمدة بشكل رئيسي على المجتمع المحلي.
بعد سقوط النظام، تولى المحافظون إدارة كامل شؤون المحافظات واقتصر عمل المجالس على تسيير بعض الأعمال في البلديات في غياب ميزانية مالية
ويقول يامن معروف عضو المكتب التنفيذي في محافظة السويداء لـ"العربي الجديد"، إنه "يوجد خلل كبير في عمل المجالس المحلية ويعود هذا لأمرين أولهما ضعف إداري وترهل بالعمل ناتج عن التراكمات السابقة والفساد المستشري في المؤسسات العامة وخصوصا الخدمية منها، مع غياب الدور الفاعل للحكومة. وثانيهما الخلل المالي وتأخر الحكومة في إقرار ميزانية عامة للوحدات الإدارية والبلديات".
وأكد معروف أن أولويات العمل تبدأ من إعادة إعمار ودعم المؤسسات الخدمية وخاصة المياه والصحة والكهرباء والتربية، كي تستطيع القيام بعملها بالتعاون مع المجالس البلدية، وهذا الأمر يتطلب جهداً كبيراً وموارد مادية ضخمة، مشيراً إلى أن معظم المجالس البلدية توقفت مشاريعها الإنمائية، واقتصر عملها خلال السنوات الماضية على توفير بعض الخدمات الإصلاحية من المساعدات والتبرعات التي تولى المجتمع المحلي الجزء الأكبر منها.
وكان وزير الإدارة المحلية السوري محمد عنجراني قال في 24 مايو/ أيار الماضي إن الوزارة تسعى لتأسيس إدارة محلية عصرية وشفافة وإعادة الهيكلة تعتمد على الكفاءات العلمية، مشيراً إلى تعديلات في أسلوب عمل الوزارة وأولوياتها بما يتماشى مع أهداف الدولة والمنظمات الدولية بإعادة الإعمار وتفعيل الوحدات الإدارية المحلية.
وأشار الوزير حينها إلى أن بداية شهر يونيو/ حزيران ستشهد الوزارة برامج ومشاريع وقرارات تساهم في تفعيل عمل الوحدات الإدارية، لجعلها أكثر فاعلية وخاصة في المناطق المنكوبة.
في غضون ذلك، تحدثت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" عن مشروع تعديلات لقوانين الإدارة المحلية، تعطي المجالس المحلية هامشاً أكبر في ممارسة عملها ضمن قطاعاتها المحلية؛ وخصوصا في مجالات الضريبة والرسوم العقارية والتنمية المحلية وإدارات الملكيات العائدة للقطاع العام والمناطق والمحميات الزراعية، بما يساهم في تفعيل الاستثمار المحلي والاستفادة من العائدات. وأشارت المصادر إلى التأكيد على الكفاءات العلمية في التعيينات المقبلة واشتراطها في أي عملية انتخابية، مع الاحتفاظ بقرار التعيين المباشر من الوزارة لرؤساء المجالس المحلية في مراكز المدن، ريثما يصدر قانون انتخابي جديد.
ويرى المهندس أنور مهنا خلال تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن تفعيل عمل المجالس المحلية في ظل الترهل والإهمال الذي أصابها كما باقي المؤسسات العامة، دون إعادة هيكلة هذه الوحدات وفق انتخابات نزيهة ومباشرة من الأهالي، وهذا قد يأخذ الكثير من الوقت والجهد بعدما تستقر الأوضاع السياسية والأمنية في عموم البلاد ويتم انتخاب برلمان سوري ويقوم بدوره الكامل".
ورأى مهنا أن على الحكومة ووزارة الإدارة المحلية أن تحافظ على وضع المجالس المحلية والبلديات الحالي وتفعّل دورها وفق رقابة شعبية صارمة، وضمن حدود الممكن، مع الأخذ بعين الاعتبار الظرف الحالي للحكومة وأولويات العمل الخدمي.
وأشار إلى ضرورة إعطاء هذه المجالس الأولية في معالجة القضايا والمشاكل الملحة، كأزمات المياه والصحة والتعليم والطاقة ومعالجة المشاكل الناتجة عن الملكيات العقارية، وكذلك منحها فرص الوصول للجهات المانحة الممثلة بشخص السلطة التنفيذية في كل محافظة والوزراء والمنظمات الدولية، من أجل الوصول إلى حالة تشاركية بين السلطات والمجتمع المدني.