الإعلام السوري... مشهد مرتبك وتطلعات معلّقة
عربي
منذ 6 ساعات
مشاركة

بعد أكثر من ستة أشهر على سقوط نظام الأسد في سورية، لا تزال الساحة الإعلامية في البلاد تعاني ضبابية في التوجّه وضعف في الإمكانيات. ويكاد الإعلاميون والصحافيون السوريون يُجمعون على أن "السلطة الرابعة" ليست بخير، في وقت تعيش فيه البلاد تحديات حاسمة تتطلب حضوراً إعلامياً قوياً وفاعلاً.
منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، تراجع الأداء الإعلامي الرسمي بوضوح، في ظل غياب رؤية استراتيجية واضحة. فوسائل الإعلام المملوكة للدولة شبه غائبة عن المشهد، والأسواق المحلية تخلو حتى اليوم من أي صحيفة أو مجلة مطبوعة، رغم مرور أكثر من نصف عام على انتهاء المرحلة السابقة.
وعلى الرغم من استئناف بث قناة الإخبارية السورية، فإن تأثيرها لا يزال محدوداً، في وقت تُرك فيه المشهد الإعلامي الداخلي لخطابات قادمة من خارج الحدود؛ بعضها داعم للتجربة السياسية الجديدة، وأخرى معادية تسعى إلى تقويض السلم الأهلي عبر تضخيم الأخطاء وتأجيج الانقسامات.
قبل سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، كان المشهد الإعلامي محصوراً في ثلاث صحف رسمية هي "الثورة" و"تشرين" و"البعث" (توقفت عن الإصدار الورقي منذ 2020)، إلى جانب صحيفة الوطن شبه الرسمية، ووكالة الأنباء الرسمية سانا، وقنوات تلفزيونية حكومية وأخرى يملكها رجال أعمال مرتبطون بالسلطة، مثل قناة سما. لكن هذه المنظومة الإعلامية كانت أقرب إلى نشرات حزبية منهكة، تفتقر إلى أبسط معايير العمل الصحافي الاحترافي، وتتناول القضايا الخدمية والاجتماعية بخجل وحذر. فالإعلام كان من أبرز أدوات النظام السابق في قمع المجتمع وتدجينه، إذ حُرمت سورية من صحافة خاصة منذ عام 1963.

تهميش الإعلام وغياب الأولويات
منذ تغيير السلطة، لم يكن الإعلام في صلب أولويات الإدارة الجديدة التي ركزت على استعادة السلم الأهلي وإعادة بناء الاقتصاد. ويؤكد الصحافي السوري علي عيد، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أن ملف الإعلام هو "الأكثر تعقيداً" حالياً، نظراً إلى ارتباطه العميق بالقضايا المجتمعية والسياسية. ويرى أن "أي خلل في الإعلام يعني خللاً في قطاعات أخرى متشابكة معه".
ويلاحظ عيد، الذي شغل سابقاً رئاسة رابطة الصحافيين السوريين في الخارج، أن التعاطي مع الإعلام يتسم بالارتجال، قائلاً: "الإعلام ليس مجرد إطلاق صحف أو قنوات، بل هو صناعة وعي وسياسات، وشريك أساسي في عملية التنمية".
ويفضل عيد استخدام مصطلح "إعلام وطني" بدلاً من "إعلام رسمي"، مشيراً إلى أن هذا الإعلام لا يزال في طور "الحبو"، وسط ضعف في الكوادر وغياب السياسات الموحدة، إضافة إلى استقطاب سياسي حاد وهيمنة المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي الذين يتفوقون – بحسب قوله – على الإعلام التقليدي في الوصول إلى المعلومة ونقلها.

أزمة الكوادر ومشكلات العمل النقابي
يرى عيد أن الصحافيين الذين بقوا داخل البلاد خلال سنوات الحرب يعانون ضعفاً مهنياً واضحاً، مضيفاً: "ما يُنشر اليوم في الصحف الرسمية أو الوكالة يؤكد غياب السياسات واختلاف آليات التعاطي، ما يشير إلى أن مهمة الإعلام لم تتضح بعد لدى صانعي القرار".
ولم تغب الإشارة عن مشكلات تنظيمية في القطاع، أبرزها وضع اتحاد الصحافيين، الجهة النقابية الوحيدة للإعلاميين السوريين، والذي خضع لتعيين مكتب مؤقت في فبراير/شباط الماضي، استناداً إلى قانون وضعه النظام السابق عام 1991. هذه الخطوة أثارت استياءً واسعاً في الوسط الإعلامي، خاصة أن غالبية أعضاء المكتب لا ينتمون أصلاً إلى الاتحاد الذي تأسس في سبعينيات القرن العشرين. ويشير عيد إلى وجود رغبة في "الاستحواذ على اتحاد الصحافيين"، محذراً من أن ذلك قد يؤدي إلى آثار سلبية على العمل النقابي. ولفت إلى أن حرية العمل النقابي تعني، بالضرورة، الابتعاد عن الاحتكار، والقبول بتعدد الأجسام التي تُعنى بشؤون الصحافيين والدفاع عن حقوقهم. وأوضح أن هذا الجانب يتطلب "بيئة تشريعية واضحة"، تتيح تحديد الدور الذي يُفترض أن يؤديه الاتحاد بعد إعادة هيكلته. وأضاف: "هناك نية حقيقية لبناء إعلام عصري ومتطور، لكن ضعف الإمكانيات، وغياب النقاش المؤسسي مع خبراء في هذا المجال، يعيقان التقدم. وربما يحتاج الأمر إلى مزيد من الوقت والنضج المؤسسي".

ويشدّد عيد على ضرورة سن تشريعات واضحة تتيح حرية العمل النقابي، والقبول بتعدد الأجسام التمثيلية، بما يتيح بيئة صحية لتأهيل الصحافيين وإطلاق نقاش واسع حول مستقبل الإعلام السوري.
وخاب أمل كثير من الصحافيين السوريين الذين غادروا البلاد خلال سنوات الثورة، واكتسبوا خبرات ومهارات في مؤسسات إعلامية عربية ودولية. هؤلاء كانوا يأملون بأن يكون لهم دور مركزي في رسم المشهد الإعلامي الجديد، والمساهمة في تطوير الإعلام الوطني بعد عودتهم. لكن معظمهم تعرّض للتهميش والإقصاء، في مشهد يعاني فراغاً تشريعياً ومهنياً، يعكس إرثاً ثقيلاً خلّفه النظام السابق لا يزال يُلقي بظلاله على حاضر الإعلام السوري.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية